صرح المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، الأربعاء الفائت: “إنّ على المعارضة السورية أن تعترف أنَّها خسرت الحرب، وأن تتجهز للعمل مع النظام السوري.”
واعتبر “دي ميستورا”، خلال مؤتمر صحفي في جنيف، أنَّ مسعى الأمم المتحدة لتوحيد المعارضة هو تجهيزها بشكل “براغماتي” للعمل مع النظام في شهر تشرين الأول القادم.
تأتي هذه التصريحات قبيل انعقاد اجتماع الأستانة في الأسبوع المقبل، وهذا ما أكّده ستيفان دي ميستورا نفسه خلال عقده مؤتمراً صحفياً في مدينة جنيف السويسرية، بعد اجتماعه مع وفد النظام السوري برئاسة بشار الجعفري.
وتتزامن مؤتمرات الدبلوماسيين السياسيين مع الخطوات التنفيذية التي تفعّل على الأرض على الصعيد العسكري؛ إذ وافقت قوات الشهيد أحمد العبدو، وجيش أسود الشرقية الفاعلين في بادية سورية على تسليم البادية للنظام وميليشياته، والانسحاب إلى الأردن بناء على طلب الموك.
وبدأت أولى خطوات تنفيذه، بنقل سكان مخيم الحدلات الواقع على الحدود السورية الأردنية، باتجاه مخيم الركبان في الشمال الشرقي على الحدود الأردنية بمسافة 80 كم.
أما في الشمال الشرقي لسورية فقد استطاعت قوات النظام السوري فك الحصار عن قواته في مدينة دير الزور في 5 أيلول الماضي، بالإضافة إلى خسارة تنظيم الدولة في الرقة أمام قوات قسد وتقاطعات مصالحها مع النظام السوري ممَّا يعطي الأخير في اجتماع أستانة المقبل حظوة أكبر من اصطفاف دي ميستورا معه بشكل وقح أمام الرأي العام الدولي بنتائج حقيقية أعلن عن فحواها مسبقاً وهي خسارة المعارضة السورية للحرب في سورية ووجوب انصياعها للنظام السوري في عملية الانتقال السياسي المسبق الصنع.
من ناحية أخرى ما كان لدي ميستورا الحديث عن خسارة المعارضة قبل هذا التاريخ والتوقيت بالذات، إذ سبقها عملٌ طويلٌ وشائقٌ في استمالة قيادات الجيش الحر وقولبتها وحوكمتها عبر وخز مؤخرتها بالإبر الأمريكية السارية المفعول، ليصبحوا أداة من أدواتها في أعقد منطقة في الشرق الأوسط على المستوى الاستراتيجي السياسي والعسكري وكذلك العقائدي.
فإذا ما استعرضنا جميع العمليات العسكرية بعد دخول الفصائل العسكرية ضمن غرف الموم والموك لوجدنا أنَّها فقدت كثيراً من أهدافها الاستراتيجية، واتجهت في غالبيتها لتلبي طموحات الداعمين، على الرغم من أنها كانت قادرة على أن تلعب على تقاطع المصالح لتحقق مكاسباً أكبر، ولكن الاستسلام المطلق للداعم كان هو المسيطر إلا في حالات قليلة.
وطوال السنوات السابقة كان الشعب السوري يعوّل على كبريات التشكيلات العسكرية لثقته بها بأنَّها تحمل قضية الثورة السورية بكافة تفصيلاتها وثوابتها، إلا أنَّ الكثير من المؤشرات والدلائل ونتائج سير المعارك أيضاً توحي بانصياع تام وموالاة مشروطة بحد زعمهم للجهات المخابراتية والدول الداعمة.
لقد طبقت حقيقة نظرية الصدمة على الشعب السوري الذي يطالب بالحرية ويصر على الاستمرار بالثورة، فبعد سلسلة من الإبادة والمجازر الجماعية لقوات النظام مدعومة من روسيا وكذلك من قبل التحالف الدولي، وبعد مسلسل طويل من الحصار والجوع والتنكيل بشعب كامل بأجزائه المناطقية يعقبها تهجير وإذلال، وصل الشعب إلى مرحلة متعبة جداً إزاء التقلص الثوري العسكري وخسارة الكثير من المناطق وتسليم البعض منها مرغمين، الأمر الذي أنطق دي ميستورا آملاً في كفّ الشعب السوري عن مطالباته بنظام وطني حقيقي يحقق تطلعاته في عصر الحداثة نتيجة إنهاكه وصدمته من أبناء جلدته.
ولكن تبقى الكلمة الفصل للشعب السوري الحر بكافة شرفائه، وإذا ما وجد بعض الشخصيات التي سرقت الثورة من أصحابها ثم عادت إلى حضن النظام أو فرت بأموال الثورة خارجاً، فإنَّ هذا لا يقلل أبداً من عزيمة الشرفاء أصحاب المبادئ التي لا يساومون عليها.
ولا شكَّ أنَّ الأشهر القليلة القادمة ستحمل في طياتها ما يقرره اجتماع الأستانة بشأن المناطق المتبقية بيد الثوار وبشأن مستقبل سورية خالية من المعارضين الوطنيين والثوار الحقيقيين وطردهم خارج الدائرة أم لا.