بالأمس كنّا نحتفل بإصدار مئة عدد، نشدّ على إيدي بعضنا بالعزيمة، كانت الصحيفة في عمر الصبا تسكن حلب، ترفل في أزقتها، حيث ولدت وشبّت، تدور بين الناس، تحييهم، وتحكي لهم الحكايات التي تؤنسهم، وتسمع منهم وصاياهم، وشكواهم، لتبثّها حيث ذهبت علّها تلاقي آذاناً صاغية، تُخفّف عن الناس معاناتهم وتُوصل صوتهم، وتشاركهم فرحهم وحزنهم، حتّى غدت من أكثر الصحف قراءة في حلب كما جاء في إحدى الدراسات التي نشرت عن وسائل الإعلام.
بقيت حبر وفيّةً لأهلها، شاركتهم أجمل لحظاتهم يوم كانوا فرحين بنصرٍ قريب، وأقسى أيامهم يوم فتك الموت بكل شيء، وهُجرت حبر وأهلها من الأزقة والحارات التي ولدت وكبُرت بها، لتذهب معهم حيث ذهبوا، تحتفظ بذكرياتهم، وتروي قصصهم، وتشاركهم حنينهم إلى دار قديمة ونصرٍ ما زالوا يؤمنون أنه قادمٌ يوماً ما.
لم تكن حبر لتتعالى على الناس، فضمَّت صوتها إلى أصوات المظلومين، وصرخت بحناجرهم ضدّ كل طاغية، كانت قويةً بهم، محميّةً منهم، فلم يستطع أحدٌ إسكاتها، أو مصادرة رأي كتابها وأهلها، أحبّتهم وأحبّوها، وحيث حلّت أو ارتحلت كانت تلتقي بالناس لكي تكون طريقاً لما يحبون قوله ويرغبون في الحديث عنه.
تقطع حبر اليوم مئتي خطوة في طريق الحرية التي ولدت من رحمه، ولازالت تعتز بأهلها، وترافقهم حيث ما كانوا، تحمل جراحات السوريين كافة وأحلامهم وآمالهم لتوصلها إلى حيث يؤمنون هم، فهم وحدهم بوصلتها التي لا تخطئ، وعزيمتها التي لا تفتر، ووطنها الذي لا تغادره مهما فرقته المحن واستبدّ به الطغاة.
تؤمن حبر بأنّها مداد قلمٍ يحمله السوريون جميعهم، حيثما كانوا في هذا الوطن الصغير أو خارجه، تجمع كلمتهم، وترعى اختلافاتهم، وتقدس حريتهم، وتحيا بنبض قضيتهم التي يؤمنون بأنها حقٌ كاملٌ لا يمكن له أن يتجزأ أو يتغيّر، عدالة ومساءلة وكرامة.
وعلى هذا سيكون عهد صفحات حبر بقرائها وجمهورها الذي تفخر به، بأنها ستبقى ملكاً لجميع السوريين يحملونها أنّى شاؤوا، ليَصِلوا بها وتَصِل معهم إلى حيث تقرُّ قلوبهم، وتستقرّ إرادتهم.
المدير العام | أحمد وديع العبسي