الدررُ السنية في قصص الحب الثورية، عنوان لكتاب سأكتبه يوماً ما بإذن الله، بعد أن يمنَّ الله علينا بإسقاط طواغيت الشام وانتصار ثورتها الكريمة.
سأحذو في هذا الكتاب حذو أئمة الدين والحب، ابن حزم الأندلسي رحمه الله في طوق الحمامة، وابن الجوزي رحمه الله في روضة المحبين ونزهة المشتاقين.
أحفظ فيه ما مرَّ بي في الثورة من قصص المحبين، وغصص العاشقين، لو سمعها قاسم سليماني، لحركت جلمود قلبه، ولترك القيادة في الحرس الثوري، ولَازم مزار زينب متبتلاً لله، يلطم على مآسي عشاق الشام، ويدعو لهم الله بالرحمة والرضوان.
يسألني بعضهم مستغرباً: كيف تترك مآسي المسلمين، وخطوب ثورتنا المدلهمة، لتصفصف الحروف في الحب؟!
أخبروني بربكم: أوليس الحب ثورة؟! أفلا تشبه انتفاضات قلوب العاشقين انتفاضات الشعوب وثوراتها؟!
حين يغلي دم الوريد بالعشق أولا تحسُّ به غضبة الملايين الهائجة ضد طاغيتها.
ألم يقل نبينا الضحوك القتال عن زوجته الحبيبة (إني رزقت حبها)؟
كيف بك لو رأيت أتقى خلق الله، وأحرصهم على عباده، حامل القول الثقيل، وهو يرى مغيثا يمشي باكياً خلف بريرة مستعطفاً لها، فيحن قلبه الرحيم عليه بأبي هو وأمي، ويتوسط له عند من يحبها….
وإن كانت ثورتنا اليتيمة صاحبة المليون شهيد، فهي أيضا صاحبة المليون قصة حب، وإن كان أطفالها قتلوا بكيماوي المجرم بشار الأسد، فلقد استعصت قلوب عشاقها عليه.
أذكر أني رابطت ليلة في حي العامرية بحلب المحتلة، مع شاب متزوج حديثاً بعد قصة حبٍّ ثوريٍ عاصفٍ.
رآها فأحبها، تقدم إلى أبيها المرة بعد المرة، فما لاقى إلا رفضاً له، يشبه رفض بشار الأسد في التنحي، فما كان منه إلا أن أشهر سلاحه بوجه الأب مهدداً إيَّاها بالقتل، فهبَّ أهل الخير لتخليصه من بين يديه، يقول لي: ثم عزمت أن أخطفها وأهرب وأتزوجها، ثم ذكرت الله وتذكرت أنِّي مجاهد في سبيله واستقبحت ما خطر ببالي، فما هي إلا ساعات وإذ بأبيها يخبره أن يأتي إليه ليحددا موعد عقد الزواج، ثم أكرمهما الله بالزواج وصار عندهما الآن ولدين.
وأعرف شابا متخرجاً من إحدى كليات الهندسة، تقدم لخطبة الفتاة التي أحبها لسنوات، فجُوبِه بالرفض، ثم أَجبر أهل الفتاة ابنتهم على الزواج بآخر، فما كان من الشاب إلا أن دخل بحالة اكتئاب واختلال، انتهت بلحاقه بتنظيم داعش ولاقى مصرعه معهم.
ترى هل وراء البغدادي والعدناني قصة حب فاشلة؟ لكن صراحة ما يعجبني بقصص الحب الثوري، هي تلك التي بدأت بمظاهرات الثورة الأولى، فكم من قتيل ليس برصاص الشبيحة، لكن بعيون حرائر الثورة.
وكم من أسير ليس بقيود المخابرات، لكن بلفتة استحياء من حرة أبية رآها في مظاهرة كرامة.
وكم من مليحة عفيفة تخمرت بعلم الثورة فكسته جمالا فوق جماله! وكم من حسناء طاهرة رفعته في مظاهرة فتمنيت أن أستشهد وتكفنني هي فيه! وكم من غادة هتفت للحرية، فهتف قلبي لها بالروح والدم!
من لطائف الحب والغزل في الثورة، أنَّ شاعراً ذهب ليزور الرقة الحبيبة الجريحة أيام احتلال داعش لها، فبينما هو يمشي فيها خائفاً يترقب من جلاوزة الدواعش، إذ رأى ظبية بعينين خضراوين تلمعان كالياقوت من تحت النقاب، رمته بسهم منها ثم أشاحت عنه لتترك قلبه قتيلاً مضرجاً بدمه، ومع دفقات دم القلب العاشق النازف، خرجت الأبيات التالية:
عيناكِ يا أم البراء اليعربي
ذبحت فؤادي فالصلاة على النبي
عيناكِ باقيتانِ في أعماقنا
تتمددان لمشرقٍ ولمغربِ
عينٌ مفخخةٌ بخارقِ حسنها
قلبي عميلٌ للجمالِ الأجنبي
أنا مغرمٌ حيثُ الغرامُ محرّمٌ
بالذبحِ جاءتني وما من مهربِ
قد أعلنتْ للعاشقينَ خلافةً
والقلبُ بايعَ بيعةَ المتغلّبِ