أقامت مديرية الآثار والمتاحف مؤتمرًا في “المتحف الوطني” في المحافظة بتاريخ 6/9/2017 بهدف تسليط الضوء على واقع الآثار قبل وبعد الثورة، والانتهاكات المتعددة التي تعرضت لها من نهب وتخريب في المتاحف والمواقع الأثرية، وحول مراحل العمل التي وصلت إليها المديرية المُشكلة حديثًا.
تأسيس مديرية للآثار والمتاحف في إدلب
افتتحَ المؤتمر مدير الآثار والمتاحف في إدلب “د. أنس زيدان” بالحديث عن المبادرة التي قام بها عدد من الأكاديميين والمهندسين المختصين في علمي الآثار والتاريخ لإعادة تفعيل المديرية التي سيترتب عليها العديد من المهام والواجبات أهمها تأهيل المتحف الذي يعتبر من أهم المتاحف العالمية نظرًا للكنوز المحفوظة فيه من ذهبية وفخارية ورُقم طينية إضافة لأرشيف “مملكة إيبلا” وذلك بعد جرد ما تبقى من آثار في مستودعاته، وأكدَ أنّ هذه الإدارة مدنية محضة، مستقلة تضم كادر عمل مختص بالآثار والتاريخ والجغرافيا وكل ما يتعلق بالعمل في المواقع الأثرية.
ولأنَ الإرث الثقافي جزء لا يتجزأ من الإرث الحضاري في سورية مهد الحضارات العالمية نظرًا لتنوع العصور التاريخية فيها وتميزها، وحتى لا يضيع تاريخ السوريين، سيكون من أولى مهام المديرية تفعيل الجانب السياحي الإلكتروني لإيصال المادة السياحية للسائحين عبره، إضافة لموارد الثروة السياحية، فهي لا تقلُ أهمية عن موارد النفط والغاز، حسب ما أشار “زيدان”.
كما شدد على ضرورة تشكيل “قانون داخلي” بالتعاون مع عدد من المختصين القانونيين كنظام حماية لردع كل من يقوم بتخريب وسرقة هذه الآثار، ومنع تشويهها وحمايتها، إضافةً لوضع حدٍ لأعمال التنقيب السري والعشوائي في بعض المناطق الأثرية، وذلك بوضع حُرّاس في كافة المواقع، ونشر التوعية بأهمية الإرث الثقافي بين كافة فئات المجتمع المدني، ومن المناطق التي تمت سرقتها (مرديخ، تل الطوقان، قلب لوزة، تل السلطان) وغيرها.
قصف متعمد من قبل النظام للآثار
تحدث زيدان عن ذلك قائلا: “خلال الأزمة، وأثناء سيطرة النظام على المدينة، قام بتحوّيل المتحف إلى ثكنة عسكرية، وقبل خروجه من المدينة قام بتفريغ وسرقة معظم مقتنياته الثمينة من آثار حجرية ومعروضات ذهبية، ثم قام قصفه بالطيران الحربي عدة مرات بعد خروجه من المنطقة لتغطية جريمته، ممَّا أدى إلى دمار قسم كبير منه، وتشويه بعض القطع الأثرية المهمة، ومن أهم المواقع التي تدمرت بسلاح الجو السوري (مُتحفي إدلب والمعرة، البارة، سرجيلا، قلعة حارم، تل آفس).
مشاريع متعددة لإنقاذ ما تبقى من آثار
وباعتبار أنَّ مدينة إدلب تمتلك أكثر من ثلث آثار سورية من مبانٍ تاريخية وتلالٍ ومواقعَ أثريةِ تعود لفترات تاريخية وعصور متنوعة، فهي مهمة لغناها بالآثار كمًا ونوعًا، لذلك ستعمل المديرية على إقامة عدة مشاريع أبرزها: الجرد والحماية، وتدعيم المستودعات، وصيانة وترميم القطع الأثرية التي تعرضت للتكسير أو الرطوبة من قبل مختصين وبمساعدة أكثر من 100 مختص في مجال الآثار والتاريخ للقيام بهذه المشاريع.
وفي ختام المؤتمر وجّه “زيدان” نداءً لجميع الهيئات والمنظمات والمؤسسات وعلى رأسها منظمة “اليونسكو” الراعية للآداب والعلوم والثقافة للتحرك السريع لحماية ما تبقى من التراث الإنساني العالمي في المدينة، ثم ناشد المجتمع المحلي التوقف الفوري عن أعمال التنقيب العشوائي والسري في المواقع الأثرية بالمدينة أو ريفها، فجميعا يعمل على طمس المعالم التاريخية وتشوهها، فالآثار ثروة ثقافية وعلمية واقتصادية ورأسمال وطني لا يُضاهى، وتحتل سورية الصدارة بين الدول التراثية، لذلك لقّبها خُبراء مختصين بـ ( سيدة التاريخ).
لفتة من المؤتمر
بخطى ونبضات متسارعة نحو متحف إدلب، وصلت زينة (اسم مستعار) إحدى العاملات فيه سابقًا لمدة 20 عامًا في مديرية الآثار لحضور المؤتمر، كانت “زينة” متفاجئة بحجم الدمار والنهب الذي تعرض له المتحف، فذرفت دموعًا أبكت جميع من حولها، فقد كانت وبشكل دائم تدور حول جدار المتحف محاولة أن تصل لشخص يستطيع أن يدخلها لتطمئن على مُقتنياته، لكنَّها لم تتمكن من ذلك، إنَّه الشوق للحجارة التي تروي تاريخ وإرث السوريين فزينة تعرف قصة وقيمة كل حجر في مدينتها، فلكل قطعة رقم وبطاقة تعريفية، وتحتَ كُلِ حجرٍ كنز على حدِّ تعبيرها.