تشهد أسواق مدينة إدلب وريفها هذا العام موجة غلاء غير مسبوقة في أسعار الفواكه الموسمية، ما جعل كثيرًا من العائلات تعجز عن شرائها حتى بكميات محدودة. يأتي هذا الارتفاع نتيجة عوامل متعددة، أبرزها الجفاف الذي ضرب المنطقة خلال الشتاء الماضي، إضافة إلى توسع الأسواق الداخلية وفتح باب التصدير إلى محافظات أخرى.
في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها معظم السكان، باتت الفواكه من الكماليات، بعدما كانت جزءًا أساسيًا من الغذاء اليومي.
أسعار مضاعفة مقارنة بالمواسم السابقة
سجّلت أسعار الفواكه الموسمية هذا العام ارتفاعًا حادًا مقارنةً بالأعوام السابقة. فعلى سبيل المثال، وصل سعر الكيلو الواحد من الكرز إلى 435 ليرة تركية، بعد أن كان لا يتجاوز 50 ليرة في الموسم الماضي. كما ارتفع سعر الجارنك من 10 ليرات إلى 40 ليرة تركية للكيلو الواحد.
اقرأ أيضاً: قوات الاحتلال الإسرائيلي تتوغل في ريف القنيطرة السوري وتنفذ…
يقول إدريس، وهو بائع فواكه في سوق “الحال” بمدينة أريحا: “الاستهلاك المحلي تراجع بشكل كبير هذا العام، بسبب غلاء الأسعار وقلة الإنتاج، نحن نعتمد بشكل رئيسي على التصدير إلى المحافظات الأخرى لتعويض الكلفة وتحقيق الربح، لأن السوق المحلي لم يعد قادرًا على تحمّل هذه الأسعار”.
الجفاف يضرب الإنتاج المحلي ويقلّص المعروض
تُعدّ قلة الأمطار في موسم الشتاء الماضي أحد أبرز الأسباب المباشرة لانخفاض كميات الفاكهة المنتجة في ريف إدلب، حيث يعتمد المزارعون بشكل كبير على مياه الأمطار للري، نظرًا لندرة مصادر المياه الجوفية وارتفاع تكاليف تشغيل الآبار.
يقول المزارع “أبو فراس”، وهو من سكان جبل الزاوية: “أمتلك بستانًا من أشجار الكرز، وفي المواسم السابقة كنت أُنتج ما لا يقل عن طن كامل من الثمار، هذا العام بالكاد جمعت مئتي كيلوغرام، الأرض عطشى، والماء شحيح، وكلفة تشغيل المولدات لري الأشجار باتت تفوق قدرة أي مزارع”.
وقد انعكست هذه الظروف بشكل مباشر على الأسواق، حيث تراجعت كميات الفواكه المطروحة للبيع، ما تسبب في ندرة بعض الأصناف وارتفاع أسعارها.
التصدير وتوسّع الأسواق يزيدان الضغط على السوق المحلية
لم يقف الأمر عند الجفاف فحسب، بل ساهم التوسع في الأسواق الداخلية والتصدير إلى محافظات أخرى في زيادة شحّ الفواكه داخل إدلب.
ويبدو أن ارتفاع الطلب الخارجي على الفواكه من إدلب، بسبب جودتها وأسعارها التنافسية، دفع التجار إلى بيع معظم المحصول خارج المحافظة، بحثًا عن أرباح أعلى.
ويؤكد إدريسبقوله: “نواجه طلبًا كبيرًا من المحافظات مثل حلب و الساحل، ومع قلة المعروض، فإن الأسعار ترتفع بشكل طبيعي، السوق محكوم بالعرض والطلب، والمزارع بدوره يحاول تعويض خسائره، لذلك نجد أن غالبية الفواكه الجيدة تُرسل خارج إدلب، ويُترك للسوق المحلي الأصناف القليلة أو ذات الجودة المتوسطة”.
وقد أدى ذلك إلى خلل واضح في توازن السوق المحلية، وأثّر سلبًا على توفّر الفواكه بأسعار مناسبة للأهالي.
المواطن ضحية وموائد خالية من الفاكهة
في ظل هذا الارتفاع الحاد في الأسعار، لم تعد الفواكه في متناول معظم العائلات، خصوصًا تلك التي تعيش على دخل يومي محدود، وقد تراجع استهلاك الفواكه إلى أدنى مستوياته، بعدما كانت حاضرة بشكل دائم في البيوت خلال فصل الصيف.
تقول السيدة “أم عمار”، وهي ربة منزل تقيم في مدينة أريحا: “الفواكه كانت حاضرة دائمًا في منزلي، وكنت أشتري أكثر من نوع لإرضاء أطفالي، أما هذا العام فالوضع مختلف تمامًا، هناك أنواع من الفواكه مثل الكرز والمشمش لم نتمكن من شرائها سوى مرة بكميات قليلة جدًا، الأسعار فوق طاقتنا، ونحن بالكاد نستطيع تأمين الأساسيات”.
مع تفاقم الأزمة، يطالب السكان الجهات المعنية والمنظمات الإنسانية بالتدخل العاجل لدعم القطاع الزراعي، من خلال تأمين مستلزمات الإنتاج من أسمدة بأسعار مدعومة، وتوفير حلول للري عبر دعم المولدات أو إنشاء مشاريع مياه مستدامة.
كما يدعو الأهالي إلى تنظيم عملي التصدير بشكل يضمن تغطية السوق المحلي أولًا، مع فرض رقابة على الأسعار ومحاسبة المتلاعبين.