تستضيف العاصمة الأمريكية واشنطن، يوم الثلاثاء، اجتماعاً رفيع المستوى لمجموعة العمل التركية – الأمريكية بشأن الملف السوري، في خطوة تعكس تصاعد التنسيق بين أنقرة وواشنطن حول مستقبل سوريا، خاصة عقب التحول اللافت في السياسة الأمريكية تجاه دمشق، والذي تُوج بإعلان الرئيس دونالد ترامب رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا.
وبحسب مصادر دبلوماسية في وزارة الخارجية التركية، يُعقد الاجتماع برئاسة مشتركة بين نائب وزير الخارجية التركي نوح يلماز ونظيره الأمريكي كريستوفر لاندو، وبمشاركة ممثلين عن مؤسسات رسمية من البلدين، وذلك في إطار مسار تنسيقي يشمل الجوانب السياسية، الأمنية، والاقتصادية.
أولويات التعاون في الملف السوري
ويناقش الطرفان أولويات السياسات المشتركة تجاه سوريا، وسبل تطوير التعاون الميداني في قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب، خصوصاً في ضوء التطورات المتسارعة على الأرض السورية. ومن أبرز الموضوعات المطروحة، مكافحة تنظيم “داعش” والتنظيمات المتطرفة، فضلاً عن تقييم الجهود التركية الإقليمية في دعم الاستقرار داخل الأراضي السورية.
كما يبحث الجانبان مستقبل الوجود العسكري الأمريكي في شمال شرقي سوريا، لا سيما مسألة المعسكرات وتنسيق العمليات المشتركة، بالإضافة إلى تحديث الخطط العسكرية الأمريكية في المنطقة.
رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا على طاولة النقاش
ويكتسب هذا الاجتماع أهمية مضاعفة، كونه يُعقد عقب القمة التي جمعت الرئيس السوري أحمد الشرع ونظيره الأمريكي دونالد ترامب في العاصمة السعودية الرياض، والتي أسفرت عن إعلان قرار تاريخي برفع العقوبات عن سوريا.
وسيناقش الاجتماع التفاصيل الفنية والتشريعية المتعلقة بآلية تنفيذ القرار الأمريكي، بما في ذلك الجداول الزمنية المتوقعة، وسبل ضمان رفع القيود الاقتصادية بشكل متدرج، إلى جانب بحث الانعكاسات المحتملة على الوضع الاقتصادي والسياسي داخل سوريا وفي المنطقة ككل.
التنسيق الإقليمي والدولي
وكان وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني قد التقى في مدينة أنطاليا التركية نظيره الأمريكي ماركو روبيو، بحضور وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، حيث جرى استعراض شامل لمسار العلاقات السورية – الأمريكية، وسبل تعزيزها في ضوء المرحلة الجديدة.
وفي تصريح لقناة “الإخبارية السورية”، أكد الشيباني أن اللقاءات الأخيرة مع الجانب الأمريكي تعبّر عن “تحقيق تطلعات الشعب السوري”، مشيراً إلى أن واشنطن أبدت استعداداً لدعم سوريا في مسار التعافي، والتأكيد على أن “أمن سوريا هو من أمن واستقرار العالم”.
وأوضح أن عملية تطبيع العلاقات التي بدأتها سوريا منذ ديسمبر 2024، تشمل انفتاحاً متوازناً على الدول العربية والأجنبية، بما فيها الولايات المتحدة، مؤكدًا أن رفع العقوبات سيفتح آفاقاً جديدة للتنمية، ويتيح للسوريين المبدعين في الخارج الإسهام في إعادة الإعمار.
روبيو: رفع العقوبات يبدأ بإعفاء مؤقت يُجدد كل 180 يوماً
من جهته، كشف وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو عن آلية رفع العقوبات، موضحاً أن الرئيس ترامب طلب من الكونغرس استخدام سلطة الإعفاء الواردة في “قانون قيصر”، على أن يتم تجديد هذا الإعفاء كل 180 يوماً، كمرحلة أولى قبل رفع العقوبات بشكل كامل، في حال التزام دمشق بالتزاماتها وتحقيق تقدم ملموس على الأرض.
وأكد روبيو أن هذا الإجراء يهدف إلى تسهيل وصول المساعدات الإنسانية، ودعم عملية إعادة الإعمار، مشيراً إلى أن “سوريا السلمية والمستقرة ستكون من أبرز التحولات الإيجابية في الشرق الأوسط خلال السنوات المقبلة”.
وأشار إلى أن القيادة السورية أبدت استعدادها لتفكيك ترسانتها من الأسلحة الكيميائية، وبناء مجتمع متنوع يتسع لجميع مكوناته الاجتماعية، كما تسعى للتوصل إلى علاقات مستقرة مع دول الجوار، بما فيها إسرائيل.
ترحيب دولي واسع بالقرار الأمريكي
وقد لاقى قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برفع العقوبات عن سوريا ترحيباً واسعاً على المستويين الرسمي والشعبي، إذ خرج آلاف السوريين في مختلف المدن للتعبير عن دعمهم للخطوة، ووجهوا الشكر للدول التي ساهمت في الوصول إلى هذا التحول.
كما رحبت جامعة الدول العربية، ورابطة العالم الإسلامي، والأمم المتحدة، وعدد من المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين، بهذه الخطوة، معتبرين إياها “فرصة تاريخية” لإطلاق مرحلة جديدة من التعافي في سوريا، وتعزيز الاستقرار الإقليمي.
ويُتوقع أن تسهم هذه التحركات في إعادة صياغة المشهد السياسي في سوريا، وإطلاق ديناميات جديدة نحو التسوية الشاملة، في ظل دعم إقليمي ودولي متزايد.