التنقيب عن الآثار.. ظاهرة منتشرة في إدلب

عبد القادر العبدو

0 551

“لم يحالفنا الحظ على وجه الأرض، فقررنا تجربته في باطنها” هذه هي الجملة التي يحدثنا بها من يقومون بالتنقيب عن الآثار، بغية الحصول على قطعة أثرية أو تمثال قديم يعود عليهم بالنفع المادي، ويكون بوابة واسعة للتربح السريع، في ظل الأوضاع المعيشية المتردية لشرائح اجتماعية مختلفة، لاسيما مع ضعف الدور الرقابي والقانوني لمنع تلك التنقيبات مهما كان دافعها؛ لأنها بشكل أو بآخر تضر بالمنطقة على الصعيد الثقافي والحضاري، إذ من المعلوم أن كل شعب يسمو بما لديه من إرث حضاري وتاريخي.

دوافع وأسباب التنقيب

اختلفت أسباب التنقيب وأساليبه، والتقت في الرغبة على الحصول على المال بشكل أسرع.

فبعد تحرير مدينة إدلب عام 2015 بدأت ورشات التنقيب فرادى وجماعات ليس لارتباطها بأجندات خارجية بقصد التخريب والإساءة، بل بهدف كسب المال كما أسلفنا.

(علي القدور) 28 عامًا أشار إلى أن التنقيب أصبح مهنة رئيسة له، كما هو حال الكثيرين غيره؛ بسبب نسبة البطالة المرتفعة، وخاصة مع تزايد حركات النزوح.

مضيفًا أنه يقوم بالبحث بشكل شبه يومي يدويًا للبحث عن القطع المعدنية بالدرجة الأولى، مستخدمًا جهاز الكشف عن المعدن بعمق متوسط، بالإضافة إلى ما يعرف بـ (المنكوش).

من جهته حدثنا (سمير أبو محمد) 43 عامًا بقوله: ” كثيرًا ما ينشط التنقيب والبحث عن الآثار في فصل الشتاء بعد هطول الأمطار للاستفادة من عملية الحت والترسيب وتعرية الأسطح الأرضية، ولكون الحفر أسهل مع هشاشة التراب.

ويعدُّ التنقيب هواية بالنسبة إليّ أكثر من كونه مهنة، ألجأ إليها بين الحين والآخر طعمًا بالحظ.”

أسعار اللقى الأثرية

وحول أسعار الآثار أفاد (فؤاد) 56 عامًا أحد العاملين في هذا المجال:

” يختلف سعر القطعة حسب قيمتها المعدنية والأثرية، فأحيانًا يصل سعرها إلى آلاف الدولارات لتمثال كامل المعالم، أو العملات الذهبية أو النادرة التي تكون مصكوكة في حقبات زمنية قديمة جدًا، وهناك بالمقابل الكثير من الفلوس والفخاريات لا تساوي قيمة مادية بسبب حداثتها أو وفرتها.”

اقرأ أيضاً:  نساء يتخذنَ من القمامة عملًا!!

الشرقيات.. آثار من نوع آخر

وتنتشر في المناطق المحررة العديد من محلات الشرقيات المعروفة بـ (بالأنتيكا)،وتحتوي على مئات القطع القديمة كالعملات والسيوف العربية ودِلال القهوة.

تجد نفسك بين رفوفها تتنفس الأصالة والتراث، وتعود بك الذاكرة إلى حيث المجد التليد، ومحلاتها تنتشر بقوة بأريحية دون المضايقة من أحد.

ما الفرق بين الشرقيات والآثار؟!

يجيبنا (أبو راشد الإدلبي) صاحب محل للشرقيات في مدينة إدلب قائلاً: “الأنتيكا بشكل عام تكون مصنوعة حديثًا وليست قديمة، وكل ما هو فوق الأرض نعدُّه أنتيكا باستثناء الأبنية والأعمدة، والآثار تحتاج حفرًا وتنقيبًا، وهذا لا ينطبق على الشرقيات، وأقدم ما يمكن أن يحتويه محل الشرقيات عملات عثمانية فضية الصك والمعروفة بـ (المجيدي) الذي لا يعدُّ آثارًا، حيث إنه يباع ويشترى بشكل طبيعي، إما للهواية أو التمتع بالمظهر، ومحلات الشرقيات بشكل عام مرخصة رسميًا ولا تسيء للحضارة أو الأشخاص.”

التنقيب والتوصيف القانوني

وتحظى الآثار والأوابد بالحماية القانونية من مختلف الحكومات والهيئات، وتفرض عقوبات وغرامات لكل من يقوم بالتنقيب عن الآثار أو نقلها أو حتى تقليدها،

كونها تعدُّ إرثًا تاريخيًا وقيمة وطنية، وعنصر استمرار ثقافي وحضاري.

الأستاذ (عبد الناصر حوشان) عضو هيئة القانونيين الأحرار أشار إلى ضرورة المحافظة على الآثار من العبث والتخريب، كونه واجب كل سوري حرّ، وأضاف (حوشان): “تختلف أحكام الآثار عن أحكام الكنز، حيث نصَّ المُشرِّع السوري في المادة 830 من القانون المدني التي تقضي بأن الكنز المدفون أو المخبوء الذي لا يستطيع أحد أن يثبت ملكيته له، يكون ثلاثة أخماسه لمالك العقار الذي وُجد فيه، وخمسه لمكتشفه، والخمس الأخير لخزينة الدولة مع مراعاة النصوص الواردة في القوانيين والانظمة الخاصة بالمناجم والآثار.”

متحف إدلب ودوره في حماية الآثار

ومع تعرض متحف مدينة إدلب للسرقة والنهب من قبل قوات النظام قبيل تحريرها من قبل الثوار بالعام 2015، خسر كثيرًا من إرثه الثقافي والحضاري.

وللحفاظ على ما تبقى قامت مجموعة من الأكاديميين المتخصصين بشكل تطوعي بحماية الآثار والمتحف عبر الاهتمام بمحتوياته وأرشفتها بشكل منظم.

وبحسب الأستاذ (أيمن النابو) مدير متحف إدلب، فإن “ظاهرة التنقيب عن الآثار ظاهرة قديمة حديثة مستمرة، بهدف الحصول على المال، في ظل انتشار الشائعات والحكايا عن وجود آثار كثيرة في المنطقة الفلانية، ووجوب إخراجها كمصدر للرزق.

وللتنقيب آثار سلبية تتمثل باختلاط الطبقات والسويات الأثرية في الموقع، ما يصعّب على الباحثين مستقبلاً التنقيب بشكل مهني مبني على منهج علمي، كما يؤدي التنقيب العشوائي إلى تخلخل الجدران الطينية الأثرية وانهدامها.”

ويضيف (النابو): “دورنا في الحفاظ على الآثار يعتمد على أمرين

الأول: حملات التوعية لرفع الوعي الثقافي عن الناس لضرورة الحفاظ على الآثار التي تحتضنها محافظة إدلب.

والآخر: موضوع الحماية الإدارية والقانونية لإيجاد قواعد قانونية واجبة التطبيق في المحاكم لتجريم التنقيب العشوائي عن الآثار.”

وأشار (النابو) إلى ضرورة أن يكون الحفاظ على الآثار نابع من الفرد نفسه، كونها ملك للجميع، وهي أحد أهم المصادر الاقتصادية التي يمكن أن ترفد المحافظة مستقبلاً بمشاريع عديدة، تؤمِّن فرص عمل كثيرة، وأتمنى من الجميع أن يكونوا على قدر المسؤولية في المحافظة على آثارنا.”

الجدير بالذكر أن محافظة إدلب تحتضن مئات المواقع الأثرية، العائدة إلى حقب تاريخية مختلفة ابتداءً من عصور ما قبل التاريخ مرورًا بالفترة الكلاسيكية وانتهاءً بالفترة الإسلامية المتأخرة، وذلك بما يزيد عن 760 موقعًا أثريًا مسجلًا بقرارات وزارية، منها 40 قرية أثرية مسجلة على لائحة التراث العالمي، إضافة وجود متحفيين أساسيين في مدينتي إدلب ومعرة النعمان.

 

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط