الجريمة الاقتصادية.. سورية دون طبقة وسطى

المعتصم الخالدي

0 1٬530

 

يعرف عالم الاجتماع الألماني (ماكس فيبر) الطبقة الوسطى بأنها: “الطبقة التي تأتي في منتصف الهرم الاجتماعي، وهي الطبقة التي تأتي اقتصاديًا واجتماعيًا بين الطبقة العاملة وطبقة الأغنياء”.

ويرى (آدم سميث) منذ أمد بعيد قبل أن يولد علم الاقتصاد برمته أن تدعيم وتنمية تلك الطبقة في أي مجتمع سيزيد بشكل طردي الإنتاجية العامة للاقتصاد، كما سيرفع من نسب التعليم والتشجيع عليه مجتمعيًا، بل وشجع على خلق مفاهيم اقتصادية بحيث تستطيع الطبقات الفقيرة القفز إلى الطبقة الوسطى، مما يساهم في رفع كفاءة المجتمع وزيادة الجودة على كافة المستويات، وهذا ما حصل بشكل واقعي في دول عديدة كتركيا بعد 2003، وماليزيا، وسنغافورة، تلك الدول التي شكلت حالات حية ومثالية للاستثمار في دعم الطبقة الوسطى وزيادة حجمها في المجتمع. تركيا كمثال استطاعت بناء اقتصاد متماسك وقوي من خلال البرامج الحكومية التي نجحت في انتشال الأسر الفقيرة ووضعها في دائرة الطبقة الوسطى ماليزيا أيضًا اليوم تملك اقتصادًا صناعيًا منافسًا على مستوى العالم نتيجة رعاية أكبر من الدولة للطبقات المتوسطة في المجتمع. والصين لها قفزات كبيرة في هذا المضمار، وبالتالي للطبقة الوسطى أهمية عظيمة في المجتمع ووجودها والحفاظ عليها أمر مهم وضروري.

اقرأ أيضاً: التنمية كحالة أجنباوية

وبقيت سورية تحتفظ بطبقة وسطى كبيرة نسبيًا في مختلف مراحلها السياسية والاقتصادية، إلا أن انتشار الفساد وبطء عمل أجهزة الدولة الاقتصادية وغياب البرامج الموضوعية على الأرض، كل هذه العوامل ساهمت إلى حد كبير في عدم تنمية الطبقة الوسطى، بالتالي عدم دعم المجتمع ونضجه، وإن أكثر ما يصيب الطبقة الوسطى في مقتل تضخم الأسعار وانهيار الاقتصاد وانعدام الاستقرار وغياب الأمن والأمان تلك الأمور التي من شأنها أن تقضي على أهم طبقة مجتمعية على الإطلاق، وللأسف هذا ما حدث في سورية ويحدث، وذلك بالطبع سيكون نذير شؤم على مجتمعنا بعد سنوات طويلة من الحرب أخذت في طريقها الأخضر واليابس، فضلًا عن التداعيات الخطيرة المحتملة نتيجة تقلص حجم تلك الطبقة بشكل مرعب.

وبحسب تقرير أعده مركز (فيريل) الألماني منتصف عام 2016، فإنه قبل العام 2011 شكلت الطبقة الوسطى أكثر من 60% من المجتمع السوري، ورغم أنها لم تكن متجانسة من حيث التشكيل والمنبت الاجتماعي والديني، إلا أنها كانت تقود المجتمع، خاصة أنها تتكون من الموظفين والأطباء والمهندسين والمثقفين والمعلمين والأدباء والحرفيين وصغار التجار والصناعيين، غير أن الطبقة الوسطى في العام 2016 لم تعد تشكل إلا ما نسبته 9.4% فقط من الشعب السوري، فقد خسرت سورية مئات الآلاف من أبناء الطبقة الوسطى بسبب الهجرة أو القتل أو البطالة.

أرقام ونسب مخيفة لا شك تضعنا أمام حقيقة مرة ومؤسفة، لن يستفيد أحد من تضاؤل الطبقة الوسطى والهبوط الحاد في حجمها؛ لأن المجتمع يعتمد عليها والاقتصاد يعتمد عليها، وعلى ذلك فإن سورية أمام مهمة شبه مستحيلة، ألا وهي كيفية وضع مفاهيم اقتصادية لإعادة بناء طبقة وسطى وترميم الاقتصاد المنهار بها بعد أن تضع الحرب أوزارها طبعًا، وتطبيق برامج اقتصادية جدية والاستثمار في خلق طبقة وسطى جديدة تكون عمادًا للمجتمع واقتصاده، عودة الطبقة الوسطى ضروري للنهوض بالمجتمع السوري على كافة المستويات من جديد؛ لأنه في جميع المجتمعات تعد الطبقة الوسطى حامل مشاريعها وأهدافها الكبرى، وبالتالي سيشكل تآكلها خطرًا حقيقيًا.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا 

والخطر الحقيقي اليوم يداهمنا لنا جميعًا، وهو تلك الأرقام والإحصائيات التي تتحدث عن زيادة كبيرة في نسبة السوريين الذين باتوا تحت خط الفقر، ذلك المؤشر الخطير والمقلق صراحة، إذ تشير آخر إحصاءات الأمم المتحدة إلى أن نحو 85% من السوريين باتوا تحت خط الفقر بشكل حقيقي، وأنهم غير قادرين على تأمين احتياجاتهم الأساسية.

في المقابل يوضح برنامج الأغذية العالمي أن نحو 9,3 ملايين سوري (نحو نصف عدد السوريين داخل البلاد) بحاجة مساعدات غذائية عاجلة، كل تلك الأرقام قد توصلنا لنتيجة كارثية.

يقول “آدم سميث” مؤسس النظام الاقتصادي الحر: إنه “لا يمكن لأي مجتمع أن يفرح ويزدهر إذا كان القسم الأكبر منه بائسًا وفقيرًا” وعلى هذا تعدُّ الطبقة الوسطى كأوكسجين المجتمع ورئته، وبطبيعة الحال فإن محاولات خنق الطبقة الوسطى بمنزلة أن يطلق المجتمع النار على قدميه، الطبقة الوسطى في سورية تختنق ولا تموت (ولا يجب أن تموت)، كونها تشكل الوعاء الأخلاقي للمجتمع، وهي قائدة عمليات التغيير لأن أعضاءها هم الأكثر وعيًا وثقافة وتعليمًا.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط