“تحجبنَ فإن الله أمركنَّ بالحجاب كي لا تكنَّ فتنة للرجال وسببًا في إغوائهم، الحجاب فُرِض عليكنَّ لأنكنَّ عورة لا يجب أن يراكم الرجال…” إلى آخره من الجمل التي تربط الحجاب بالرجال فقط، فأينما وُجِدَ الحجاب كان الرجال أغض بصرًا من مكان يقل فيه الحجاب كما يزعمون.
لقد أصبح الحجاب أحد أكثر الأمور جدلاً وخاصة في العالم الإسلامي، الذي ازدادت فيه موجة خلع الحجاب بين أوساط المتدينين، ممَّا أدى إلى ازدياد الطرح السائد حوله وحول فرضيته والحكمة منه.
لست الآن في معرض الخوض بكل هذه النقاشات التي تحصل، إنما هي نقطة أرى من المهم أن نوعّي أنفسنا بها نحن المسلمين.
أزعم، والله أعلم، أن ربط فرضية الحجاب بالرجال فقط هو أحد أسباب نفور الفتيات المسلمات من الحجاب، فعندما نخبر إحداهنَّ: “الله أمركِ بالحجاب لكيلا تكوني سببًا في الفتنة وتحريك شهوات الرجال، تقول معترضة: ولمَ عليَّ أن أتحجب؟ لماذا لا يغض الرجال من بصرهم؟!” وتبدأ من هنا المعضلة، ويبدأ كل طرف من الرجال والنساء بإلقاء اللوم على الآخر بأنه سبب الفساد.
وطبعًا مع تصاعد حملات النسوية ازداد الأمر سوءًا وبات كل أمر شرّعه الله لنا يتم إرجاعه وقياسه على الرجال، وعلى أساسه تقبله النساء أو ترفضه! كأن مرجعيتنا في الدين الرجل وليس الله!
أنا لست مع هذا الطرح الناقص الذي يدعو إليه البعض سواء عن قصد أو عن جهل، فالأصل أن نربط كل فرض في الاسلام بالله تعالى وحده، أي عندما تتساءل إحداهنَّ عن سبب فرض الله الحجاب على النساء، وهو سؤال طبيعي يراود أي فتاة مسلمة، لا نجاوبها كي لا تكوني فتنة ولأنك عورة، أو تشبيهها بقطعة الحلوى أو اللحمة وإلخ من الجمل والتشبيهات التي تقلل من قدر المرأة التي كرّمها الله بالإسلام وأعلى من شأنها، بل نعمل بداية على ترسيخ مفهوم العبودية والألوهية عندهنَّ، أي أن الله هو إله الكون وهو المشرِّع ونحن عبيده، فهو إن يأمرنا بشيء ما، فهو بالتأكيد لحكمة هو أعلم منا بها، أحيانًا يلهمنا ويفتح الله علينا بالفهم فنعرف الحكمة، وأحيانًا تبقى بعض الأمور مبهمة، فما علينا إلا التسليم لله ولأوامره.
السوريون ضحايا العاطفة والسياسة
بعد تأكدنا من ترسخ هذين المفهومين (العبودية والألوهية) نعززهما بالأمور الأخرى التي نرى أنها من أسباب فرض الحجاب، مثل أن الحجاب هو الهوية الإسلامية للمرأة، والحجاب يحفظ المرأة من أذى الآخرين، وهي بحجابها تطيع الله بأن تكون قدوة للفتيات المسلمات بالتزامها وبعملها وبأخلاقها، وبأن الله كما أمر الرجل بحد أدنى من الملابس يستر بها جسده، فقد أمر المرأة أيضًا بحد أدنى مختلف من الملابس لتستر بها جسدها، وهذا الاختلاف بين لباس الرجل والمرأة يختلف لاختلاف طبيعة تكوينهما الفطرية والنفسية، أي أن الستر لم يُفرَض على المرأة فقط، وأيضًا أمرهما معًا بأن يغضّا من أبصارهما ولا يطلقاها كيفما شاءت أنفسهما.
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا
بهذا الشكل نكون قد أسهمنا في بناء عقيدة سليمة لدى الفتيات المسلمات تبدأ بالتسليم المطلق لله (وهذا هو الأهم)، وبناء نفسية سوية تعقل دورها الذي كلفها به خالقها بما يناسب فطرتها الأنثوية، وبهذا تعتز بدينها وبهويتها الإسلامية، بما فيه الحجاب؛ لأنه ارتبط بالله وبقوة أكبر وأعلى من الرجال بل ومن كل البشر.
وبالتأكيد كلامي ليس موجهًا للنساء فقط، بل هو موجه للرجال أيضًا مربين وآباء وإخوة ودعاة (من دون ربط فرضية الحجاب بالرجال فقط).
أسأل الله أن يثبتنا ويهدينا ويصلح حالنا