الحرية والعقل.. النساء فيهما مثل الرجال

عبد الله عتر

1٬272

هذه قطعة من تفكير فقهي وتقليد حقوقي ينتمي للقرن (8) هجري\(14) ميلادي، نحتها “عبد العزيز البخاري” أحد أئمة الحنفية في عصره، وهو يشرح المنطق التشريعي الأساسي في الفقه الحنفي، خلال مناقشته لقضايا المرأة وحقوقها وولايتها على نفسها وغيرها، انتقد حينها من يحاول تفويت حقوق النساء بحجة نقص عقولهن، فقال: “وما ذُكر من نقصان العقل ساقط العبرة، لأن عقلهن اعتبر كاملاً في التكاليف بالإجماع”.

ليست هذه إلا بداية الحكاية..
فهذا التفكير امتداد لتقليد فقهي قديم انتشر في حوض العالم الإسلامي، يعتبر العقل والحرية أمران لصيقان بإنسانية الرجال والنساء، نجد إماماً أصولياً كبيراً مثل “العالمي الحنفي” -في القرن (6) هجري- يؤكد استقلالية المرأة في إبرام عقد الزواج، ويبني هذا على أن المرأة حرة وأن:

((شرف الحرية.. يقتضي الاستقلال وعدم الاعتراض)).

إذا توغلنا أكثر في العمق والزمن نجد أمامنا في القرن (4) الهجري شخصية علمية منطقية مرموقة “أبو زيد الدَّبُوسِي”، ينحت قاعدة كبرى تقول:

((الآدمي لا يُخلق إلا وهو حر مالك لحقوقه)).

أما إذا تجرأنا فكسرنا حواجز الوهم وأبحرنا أكثر في زمن العالم الإسلامي، عندها نجد أنفسنا وجهاً لوجه أمام شخصية مثل أبي حنيفة في القرن (2) الهجري، عصر تأسيس مناهج التفكير الفقهي والمدارس الحقوقية في منطقتنا، نجده يؤسس حقوق المرأة في “التصرف بالمال واختيار الأزواج”، بناء على أنها تملك الحرية وتملك العقل السليم المؤهل لتلقي الخطاب الإلهي كعقل الرجل، هكذا كانت عبارته:

((حرة مخاطبة فلا يكون للغير عليها ولاية)).

وبما أننا نتجول في ذلك العصر دعونا نمد رأسنا من نافذة الزمن إلى بلاد الشام (سورية ولبنان والأردن وفلسطين اليوم)، نجدها احتضنت مذهب “الأوزاعي” وسارت عليه لمدة (300) سنة من القرن الثاني حتى الرابع الهجري، ومذهبه يمشي على نفس التقليد الفقهي والحقوقي في حرية وعقل المرأة.

هذا هو المنطق الأساسي والتوجه العام للتفكير.. حين نأتي للمسائل التطبيقية والتفاصيل سنجد هناك اختلافات وأخذ وردّ، حيث تدخل على الخط قيم وقواعد أخرى مهمة بنفس الدرجة، فتقوم التشريعات والأحكام على الموازنة والمواءمة.. مثلاً لا يملك الزوج أن يسافر إلا بإذن زوجته -إذا تجاوز السفر مدة معينة- وكذلك الزوجة أمام الزوج.. حرية السفر مهمة لكن حق العلاقة الزوجية مهم أيضاً.. وهكذا..

أعتقد أن هذا المنطق يعنينا كثيراً اليوم، نحن ننتمي لبلاد وثقافات أسست أرضية صلبة للحقوق والحريات.. من الذكاء أن نتابع فيها بطريقتنا وبما يلائم مجتمعاتنا وشروطنا وعالمنا الراهن.. دون أن يكون هاجسنا “إثارة إعجاب” فلانة من الثقافات أو فلان من القوانين..

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط