الدكتور منيـر غنـدور .. عميـدُ الوَجَـاهـة الحَمَـويّة

1٬526

▪️ استهـلال:
• تلقَت حمـاةُ بكافـةِ شرائحِهـا الاجتمـاعيّةِ و نُخَبِهـا العلميـةِ و الثقافيـةِ و رجالِ فِكـرهـا و دعاتهـا و مبدعيهـا ليلةَ الجمعـةِ [2 ذو الحجّة 1446 هـ ||30 أيار 2025مـ] خبـرَ رحيـل العَلَـمِ المعمّـرِ صلاحـاً “الحـاج الدكتور الصيدلانيّ منيـر مصبـاح غنـدور” رائـدِ المجتمعِ الحَمَـويّ خُـلُـقاً و تزكيـةً و علمـاً و فكـراً و خَيـرِيّةً… نعـم لقـد جمـعَ علَـمُنـا كل هذا و زادَ على ذلك ذوقـاً و تواضعـاً و إشراقـاً في الـوجه و الروح… كيف لا و هـو الذي تعتّقتْ روحُه تربيةً و تزكيةً في دوحةِ علماء ربّانيين سرتْ أحوالُهـم في أوصـال المجتمع الحَمويّ فكيفَ بمَـن لازمَ و عاصـرَ و ثنى الرُّكَبَ و نهـلَ من فيوضِ ذوقِهـم و علومِهم و نسغِ إخلاصِهـم كحـال علَمِنـا الأنقى “الحـاج الدكتور أبي أنس منيـر غندور” حيثُ أدركَ طبقةَ العلماء الرّبّانيين ممّن أرسَوا لحمـاةَ حضورَهـا و رِيادتهـا في العصر الحديث بدءاً من عميدِهـم رائدِ النهضة “العلّامة محمد سعيد النعسان” و مدرستـه الحضارية العلمية التي قامت على ركائزَ ثلاثٍ متوازنـة؛ ركائزِ العلـم و التزكيـة و الفكـر الحركَيّ الحضاري الذي يعيدُ للأمّة ألقَ الخَيريّة و الإبـداع و الإنجـاز؛ مروراً بعلمـاء آل المـراد و شيخـه الذي لازمه و أكثـرَ الحديثَ عنـه في مجالسـه و لقاءاته بل و مقتبساً من حالـه ألا و هو العلامـة محمـد الحامـد..

اقرأ أيضاً: تعزيز التعاون الرقمي بين دمشق وأنقرة

▪️ الغنـدور وجيـهُ حمـاةَ الأرقـى:
• إذاً.. لا نبالـغُ إذا قلنـا بأنّ علَـمَنـا “الحاج منيـر غندور” هو عميـدُ الوَجَـاهـة الحمَـويّـة المخضّبةِ بالتأثيـر و الحضـور و الإنجـاز..
فعلى صعيـدِ العلـمِ و التميـز كانَ نابغـةَ تخصُّصـه الدوائي في علـم الصيدلـة مُذْ كان الدواء يُحضَّرُ في المخابر البدائية بما فيهـا الكبسولات و الحبوب و ذلك قبل التطور التقنيّ و الإنشائي لمعامل الأدوية و منشآتـه المتطورة وفق معايير الجودة؛ بل وصلَ في تخصُّصه العلميّ -الذي جمعَ الطبَّ إلى علم خواصِّ المواد الخـام الأوليـة للدواء إلى علـم الكيميـاء- إلى ابتكار مستحضراتٍ و تركيبات دوائيـة من إبداعـه لازالت حتى اليـوم مقصدَ المرضى و وصيةَ الأطباء لاستخدامهـا استطبابـاً بهـا؛ بل كـانَ -رحمه الله- الصيدليَّ الكيميائيّ الأثيـر لوجيـه حمـاة و طبيبِهـا في زمانـه “الدكتـور وجيـه الباروديّ” الذي صافاه الودادَ؛ ودادَ العلـم و التخصُّص وَ ودادَ الأخـوة و الصداقـة و الأُنس… و كم حدَّثنـا عن مآثـرَ و لطائـفَ بينَـه و بينَ الدكتور البارودي -رحمهمـا الله-.
• و إذا ما وقفنـا سريعـاً على وجاهتـه الاجتماعية فإنني أقولهـا و بثقة تامّة لا يماريهـا ضعفٌ و لا ريب: لقـد كان الدكتور الغندور وجيـهَ حمـاة الأولَ و عميـدَ إحسانِهـا على امتداد الأربعين سنـةً الماضيـة؛ عمـادةَ حضـورٍ و إخـلاص؛ يعملُ و يبذلُ مالَـه و جاهَـه و وقتَـه و معروفَـه لكلِّ من يطرقُ بابَه مُؤمِّلاً رِفدَه و إحسانَـه؛ فحدِّثْ ما شئتَ عن أعدادِ الأراملِ و الأيتام و الأُسَر المتعفِّفة التي كان وجيهُنـا الغندور سببَ عونِهـم و كفالتهـم بعد أحداث الثمانينيات، بل حدّثْ و زدْ و كرّرِ الحديثَ عن عنايتـه الخاصـة بالعلـم و شغَفِه الناصـعِ بسيادتـه على مستوى المجتمـع الحمويّ فجعـلَ همَّه الإستراتيجيّ الأنضجَ منصبّاً لدعـم طلابِ العلـم و تحفيزهم نحو البحث و التحصيل العلميّ حتى كفلَ الآلافَ -نعم الآلاف- من طلاب العلم في مختلف التخصُّصات العلمية الأكاديمية الذين نراهم اليومَ في واقعنـا نواةَ الصدارة و العمـل؛ و إنْ كانت له عنايةٌ خاصةٌ تجاه طلاب العلم الشرعيّ لينهلوا العلوم من مظانّهـا بين يدَي و فكرِ علمائهـا، و قد حدّثني في ذلك مراراً حيث قال لي هامسـاً -رحمه الله-:

«عانت حمـاةُ حتى نهاية التسعينيات بعد أحداث حمـاة 1982 مـ من فقـدان العلماء المربّين و أهل العلـم و الأكاديميين بعد أنْ سحقهم نظامُ أسد و مجرموه و أعوانُه من مدرسة الاشتراكية و البعث الحاقدين على قِيم المجتمع و أصالته؛ لذلك بمجرد تيسرت لنا انفراجةٌ بظهور جيل جديد من أبنائنا دفعناهم باتجاه العلم و استبشرنا بهـم و بعودتهم لأخذ دورهم في ضبط المجتمع دينيّاً و أخلاقيّـاً و تربويّـاً، لأننا مررنا بفـترة أصبحنا نبحثُ فيها عن أهل العلم و نتشوّقُ لإحياء حضورهم في مجتمعنا الحمويّ كمـا الشامي».
و طالما أننا في مقام وجاهةِ إحسانِه لا يفوتنا أنْ نستحضرَ دورَه الفاعلَ الأميز بعودة إحياء جمعية أعمال البِـرِّ الإسلاميّة التي أسسها “النعسان” من خلال تأسيس صنـدوق العافيـة التابع للجمعيـة، حيث كان من المؤسِّسين الباذلين المنفقين برفقة زميلـه الدكتور نديم سالمـة -رحمه الله- و الدكتور ياسر العبد الرزاق -حفظه الله- و قد كان محطّ ثقة المتبرعين و المنفقين فيقدّمون و يبذلون مع الاطمئنان فكان الخـازنَ الماليَّ الأمينَ المؤتمنَ بحقّ؛ فضلاً عن إنفـاقٍ في جوانب الخيرات لا يحيطُ به حدّ؛ بل لا يساوره شكٌّ من شُحٍّ و فقـر؛ بل يعمل و يقدّم بصمت و خفـاء بعيـداً عن بهارجِ الظهـور و بريق الكميره المؤذي لروح الإخلاص.
• و إذا ما وصلنـا إلى وجاهتـه التربويـة التزكويـة فإنّـه المُـربّي الأرقى الذي أُشرِبَـتْ روحُـه الأدبَ و الذوقَ و اللطـفَ و الدمـاثـةَ و الهمّـةَ؛ فإذا بـه يعطيك من سَمتـه و بريقِ روحِـه حديثـاً رائقـاً وَ فكـراً متزنـاً وَ لُطفـاً أنيقـاً ينثرُه في قلوبِ وَ سلوكِ حُضَّـارِه دونمـا استئذان، فإذا بروحِه الهائمـة المشرقةِ بحبِّ الله -سبحانه- سحَـراً في قِيامـه، و الواجـدةِ بحبِّ الحبيب المصطفى -صلى الله عليه و سلم- تسري في أوصالِ المجلس و الروح سكينـةً و تربيةً و تأثيـراً ليجـدَ الحاضرُ نفسَه في مقامٍ سامٍ من التربيـة في مدرسـة المربّي الأديب المتواضع سُمواً مدرسـة عمّنـا “أبي أنس منير غندور”؛ و أنعـمْ بـه من مربٍّ..
و رغـم كل هذا اللطف و الذوق و الجمال الروحيّ تراه يتحرَّقُ غيـرةً لدين الله -سبحانه- عندهـا تظهر رجولـة الإيمـان و هو يحذّرُ من أفكار الهدمِ و الانحدار القِيمي و الحضاريّ؛ باثّـاً الوعيَ و محذّراً ممْن كانوا سبباً رئيساً في سرقة سوريـة العلـمِ و الأصالـة و العلماء من متبني مدرسة الاشتراكية “الحلامسة” و البعثية المظلمة المفسـدة… و لولا أنْ يطولَ بي المقال لسردتُ لكم غيرتـه و ألمه لحال ما جرى في الثمانيينات، و في غزة و فلسطين و تأثـره العميق الذي أمرضَـه و هو يتابعُ حالَ الأمّـة.

▪️ مؤلفاتُـه مسكُ الختـام:
لقـد أخّرتُ الحديثَ عن مؤلفاته لتكـونَ خاتمـةَ اللقـاء و ذلك حتى يستجلي القارئُ سماتِ هذه الشخصية النقيـةِ و تتبلور الرؤيةُ حـول حقيقةِ الصـدقِ الذي عاشـه سجيةً دونمـا تكلُّـفٍ في كل أوقاتـه و مع كل عمـل، و لذلك عندمـا نصلُ لمؤلفاتـه نجـده قد كتبَهـا و جمعَهـا من منطلقٍ تفاعليّ صـادق مع واقع الأمّة و المجتمع المسلم، حيثُ كان مؤمنـاً بتلك الأفكار و القِيـم و الرؤى مطبّقـاً و ناشراً لهـا بسلوكـه و حالـه و مقالـه؛ فهـو يجمعُ ما يؤمنُ بـه و يعتقـده و يطبّقُه و يعيشُه في كل أحوالـه و بالتالي لم يكن هدفُه أنْ يكتبَ و يجمعَ لمجردِ الكتابـة و أنْ يشارَ إليـه بالبنـان بل أعدّ مؤلفاته لتسدَّ ثغرةً في بناء المجتمع قِيميـاً و أخلاقيّـاً و إيمانيّـاً و تحديداً الجيل الجديد كمـا كان يرددُ دائمـاً: «لقد جمعتُ الكتب و المؤلفات لأسَهِلَ على جيل اليوم العبارة و أهذّبَ الفكرة و أُجمّلَهـا و أقرّبهـا لعموم شبابنا و فتياتنـا ليعرفوا تاريخَهـم و يرتقوا بأخلاقهـم و إيمانهـم…» فجاءت كُتُبُـه لتسد هذه الحاجة كما في عناوين كتبـه (رياضُ المحبّة الخالـدة محبةُ الله و رسولـه، وَ عبيـر الأبـرار، وَ دعاء و ابتهـال وَ مناجـاة)، ثمّ يغوصُ في عمق المجتمعِ متفرّساً و معاينـاً واقعه من خلال تخصُّصه الطبيّ فيخرج بعلاجـه التخصّصي في كتابه الماتع النافع الأثيـرِ إلى قلبي (الإسلامُ .. الحصنُ الأمين من أمراض العصـر)، و لا ننسى كتابـه الأجمـل و هو يحدِّثُكَ عن الشام التي لازمَهـا و رابطَ فيهـا ثباتـاً و حُبّـاً، معرّجـاً على بركتـهـا و المهمة الرِّسالية المناطة بأهلهـا في كتابه الأخير الذي أعدّه بصحبة والدي (محمد علي زينو -رحمه الله-) الذي نقّحه و نشرَه و قد كان آخرَ كتابٍ ينشره والدي قبل وفاتـه و هـو (أهلُ الشّام.. الصفوةُ المختارة من خلقـه).. و غيـرها من المؤلفـات التي يضيقُ المقامُ لذكرهـا.

… و أخـتـم هذا اللقاء لأستذكـرَ معكـم قرّاءنـا الأكارمَ حيثُ أتيتُه إلى صيدليته العامرة يوم هروبِ الطاغيـة [8- 12 – 2024 مـ] مع مجموعـة من الشباب الثائر المجاهـد و أهل الفضلِ بعد غربـةِ اثني عشرَ عامـاً ليستقبلنـا استقبالَ أهل الوُدّ و الذوق مردداً مرات في المجلس: «الحمـدُ لله الذي أراني هذا اليـوم…»
رحـمَ اللهُ الرجـلَ العلَم المربّي الخفيَ الزكيَ المجاهـدَ ببِره و جاهه و علومـه و أخلاقـه عميـدَ حمـاةَ و وجيـهَ الفضـل فيهـا عمَّنـا أبا أنس منيـر بن مصبـاح غنـدور [1934 – 2025 م] و ثبَّتَنـا بعـدَه على طريق الإنجـاز و التغييـر لعودة حضاريـة لسورية الشام على امتداد أرضهـا و إنسانهـا.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط