في ثقافة منطقتنا تُعتبر النصيحة للسلطة أحد أعمدة النظام السياسي والاجتماعي..
فالرسول حين قرر أن “الدين النصيحة”
قرر معها أن المجال السياسي والشأن العام ميدان رئيسي لتلك النصيحة: “لأئمة المسلمين وعامتهم”.
فقهاؤنا العالميون يشرحون أن النصيحة تمتد على خطين:
النصيحة تخيط ما تمزق من البلد والدولة
جذور هذا المعنى من “نصح الثوب” إذا خاطه وسد مواضع الخلل، والمنصحة الإبرة التي تخيط الثوب..
فالنصيحة للسلطة تعمل عمل الإبرة التي تخيط موضع التمزق الوطني.. وترمم النظام السياسي والاجتماعي حين تمزقه أخطاء الإدارة أو مكائد الفاسدين..
اقرأ أيضاً: جدل في مصر بعد حرمان طلاب سوريين من الامتحانات
وتخيط الجرح النازف في جسد الدولة والمجتمع حتى يبقى ملتئماً متماسكاً، وتجبر ما انكسر من النسيج الاجتماعي..
قد تكون مؤلمة لكنها تحافظ على حياة الدولة ورداء الوطن من أن تتهالك..
النصيحة تصفي البلد من الغش والأخطاء
مأخوذ من “نصح العسل” أي تصفيته من الشمع المخالط له وتخليصه من الشوائب حتى يبقى نقياً صافياً.
وبناء عليه تتحرك النصيحة ضد الغش السياسي والتزلف،
فهي تنقية للمجال العام ومؤسسات الدولة من الأخطاء والزيف والخداع.. لتحافظ على توهج الحق والعدل والحقيقة في الفضاء العام للبلد.. قدر الإمكان..
ومن الطبيعي مع حركة السلطة أن تحدث أخطاء وشوائب تحتاج إلى نظام تصفية سريع وفعال..
انطلاقاً من هذين المعنيين يشرح العلماء العالميون مفهوم النصيحة للحكام والولاة بأنها تقتضي كما يقول النووي وغيره:
“تنبيههم عند الغفلة، وتعليمهم إذا جهلوا، وتحذيرهم ممن يريد السوء بهم.. وأمرهم بالحق وإهداء النصائح إليهم دون المدائح التي تغر”.
ويبدع الإمام ابن حجر في تحديد أعظم النصيحة:
“من أعظم نصحهم دفعهم عن الظلم”.
يشرح العلماء أمثال الغزالي وابن الأزرق أن النصيحة جزء من العقد السياسي.. وأن الصلاح العام لا يحصل إلا بها..
ويؤكدون على ثنائيات ترسم خارطة النصيحة:
النصيحة بالقول والفعل فهي ليست مجرد القول وإبداء الرأي.. بل أفعال ومؤسسات وقوى حقيقية قادرة على التأثير الفعلي..
النصيحة بالدعم والمعارضة فيها نصيحة تأييد ودعم للسلطة والتزام بالقوانين الصادرة عنها.. وفيها نصيحة معارضة ومدافعة ومحاولة تغيير القوانين غير العادلة..
والنصيحة واجبة على من هو داخل مؤسسات الدولة ومن هو خارجها.. كلهم يخيطون ما تمزق ويتحرون الحقيقة والصدق تجاه مصلحة البلد..كلنا نرتدي ثوب الدولة.. وعلينا أن نخيط ما تمزق بسرعة قبل أن نصبح جميعاً في العراء..