أصل وجود الإنسان على هذه البسيطة هو الاستخلاف في الأرض، وذلك لقوله تعالى: “وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة” (البقرة: 30)، ووظيفته هي العبودية لله سبحانه وتعالى، وربما ثمة فئة من الناس لا تعرف أن الإنسان مُكرَّم عند الله ومرتبته تعلو مرتبة الملائكة، وبدليل أن الله سبحانه وتعالى أمر الملائكة بالسجود له، وذلك بقوله جلا وعلا: “وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ” (البقرة: 34)
إلا أن سطوة الحياة الدنيا وسيطرتها على النفس البشرية تنسي الإنسان مهمته التي خُلِق لأجلها، ومنه سُمي الإنسان إنسانًا، وفي ذلك يقول الشاعر:
لا تنسينْ تلك العهود فإنما… سُميت إنسانًا لأنك ناسي
إن مصدر نسيان المُهمة التي خُلق الإنسان لأجلها مردها إلى إغواء إبليس الذي لم يسجد للإنسان الذي خُلقه الله من طين وهو من نار فتكبَّر وعصا، بدليل قول الله تعالى على لسان إبليس: “قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ” (سورة ص: 82، 83).
الطريق إلى الله له وجه واحد طبَّقه عباد الله المخلصون المعنيون في الاستثناء السابق الذين لم يستطع إبليس إغوائهم واستثناهم، والسؤال الذي يفرض نفسه: ما هو الوجه الواحد للوصول إلى الله؟
اقرأ أيضاً: تفاصيل تعرض طلاب جامعة حلب للاعتداء على أحد حواجز الجيش الوطني
بادئ ذي بدء الطريق إلى الله يكون بالقلب لا بالأقدام، لأن صلاح الجسد كله يكون بصلاح مضغة القلب، لقوله صلى الله عليه وسلم: “أَلاَ وَإِنَّ في الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ” رواه مسلم.
وبما أن صلاح القلب يعني صلاح الجسد الذي جبله الله على مهمة الاستخلاف والعبودية لله فهذا يعني صلاح طريق الله وعدم الانحراف أو الحيد عنه، والعكس صحيح.
إن أصول الوصول إلى الله سبحانه وتعالى بعد الإغواء كثيرة، وربما أهمها أن يكون الإنسان بوجه واحد فقط، إذ إن وحدانية الله تتطلب بالضرورة شخصية الإنسان الواحدة، والسير على طريق واحد، للوصول إلى الواحد الأحد الفرد الصمد.
وإذا أردنا تفصيل معنى الوجه الواحد، فهذا أوضح من أن يُستدل عليه أو أن نفصل فيه، لكن هاكم السؤال التالي: هل تعرفون شخصًا بوجهين؟ سأحاول الإجابة بمثال: ربَّ رجل تراه في رمضان قائمًا مصليًا الأوقات في المسجد، إلا أنه مجرد أن يذهب إلى عمله تراه يُخسر الميزان، وهنا صار له وجه آخر، وإذا حدَّث بأمر كذب، وإذا ائتُمن خان، وإذا أُشهد زوَّر، وإذا تزوج جعل الزوجة عبدًا، وإذا رُزق بابنة ظل وجهه مسودًا، وإذا رزقه الله حمد، وإذا أمسك عليه رزقه نفر وغضب.. إلخ، وبذلك يكون ذلك الرجل بعدة وجوه لا تعينه على معرفة نفسه فضلًا عن معرفة طريق الوصول إلى الله الواحد.
وربما من السعيد والجميل أن يوجد شخص بوجهين أو ثلاثة أوجه، وربما من الفريد أن يكون في زماننا رجل بوجه واحد فقط.
الخلاصة أن الله تعالى قال: “وأن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله” (الأنعام: 153) الصراط المستقيم تقرأه في اليوم على الأقل خمس مرات في الصلاة، هو ذاته طريق العبودية لله بحق، هو ذاته أن تكون وجهًا واحدًا لرب واحد لا شريك له، هو ذاته أن تستوصي بالنساء خيرًا، وأن تصدق في أقوالك وأفعالك، وأن تصنع محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي لا يضر النفوس ولا يفسدها ويعين إبليس على الإغواء،.. هو ذاته صراط الذين أنعمت عليهم به من قبلنا، اللهم أنعمنا به وأكرمنا إنك سميع قريب مجيب.