العبث المستمر بالتعليم في شمال سورية

أحمد وديع العبسي

1٬000

لا تكاد تمرّ فترة قصيرة أو طويلة هذه الأيام إلا ونضطر للحديث عن التعليم فيما يشبه البلاد التي نسكنها في شمال سورية، وفي كل مرة ومهما تحدثنا بلين أو قسوة أو اعتدال لا نلمس أي رغبة من القائمين على التعليم ومؤسساته في تغيير الأوضاع وإصلاحها، بل على العكس من ذلك يزداد الأمر سوءاً، ويزداد الجهلة المنتفعين المتسلطين المستبدين تحكّماً في الملف التعليمي، سواء في قطاع التربية والتعليم المدرسي أو الجامعي، وما بين ذلك من مراحل أساسية وانتقالية خاصةٍ بشهادة التعليم الأساسي أو شهادة التعليم الثانوي المؤهل لدخول الجامعات في حاراتنا أو مدننا المحررة التي صار لها مجالس للقيام بأمور العباد، وكل مجلس يشبه دولة صغيرة تفرض قوانينها وأنظمة التعليم فيها وشهاداتها، وهذا لم يعد غريباً، وإنما للأسف أصبح واقعاً مستساغاً لا يجد من يقف في وجهه فضلاً عمّن يحاربه.

وقد تطورت هذه الأنظمة حتى أصبحت لا تشترط فقط الثانوية العامة لدخول الجامعات، وإنما تجري امتحانات أخرى لها أسماؤها التي لا تنتمي للغتنا ولا لثقافتنا، وإنما لدولة جارة صارت وصية علينا وعلى أنماط التعليم في بلادنا، حتى تدخلت في وضع المناهج وأحدثت الكوارث في ذلك عندما وسدت الأمر لغير أهله من أبنائنا الذين يدينون لها بالولاء والبراء.

والتعاون بين الجيران أمرٌ حسن، يزيد أواصر الترابط والتحبب والتآخي الذي يسرح ويمرح من جانب واحد، عسى أن يكتب الله له قبولاً من الجانب الآخر في يوم ما قرُب ذاك اليوم أو بعُد.

ولكن التعاون لا يكون بالاستنساخ والتبعية العمياء، ولا يكون بنسف شخصية ما يشبه البلاد من أجل الجيران، ولا يكون بتسليم تلك المجالس لمديريات التربية التي تتبع لها في الدولة الجارة صلاحيات وضع الأسئلة وامتحان الطلاب دون أن تعرف هذه الجارة الرقيقة أوضاع طلابنا وما يتعلموه في تلك الدويلات الصغيرة المتفرقة التي من المفترض أنها تتبع حكومة مؤقتة أو مؤجلة تشرف عليها وعلى أعمالها، وهذه الحكومة تتعاون أيضاً، مع المصادر ذاتها في الدولة الجارة!

وهنا نأتي إلى لبّ القضية أو المقال، فمن المعيب فعلاً ما جرى في امتحان اللغة التركية، حيث وجد الطلاب أنفسهم في مواجهة أسئلة من كوكب آخر أو من دولة أخرى، تدل على أنهم يُمتحنون في لغتهم الأم، وكأن هناك من أخبر تلك الدولة أن سكان المناطق الشمالية كلهم من التركمان أو تركمنوا مع الوقت فصارت التركية لغتهم دون العربية، وعلى هذا توضع أسئلة الثانوية وكأنها أسئلة لطلاب أتراك يجيدون اللغة ويتعلمون آدابها ونحوها وصرفها وشعرها ونثرها.

وليس هذا بالمستغرب لو كان المنهاج فعلاً ينص على هذه المستويات، ولكن المنهاج هو من مستويات المعرفة الأولى باللغة، بينما الامتحان من المستويات العليا، وكأن من يضع المنهاج في واد، ومن يمتحن الطلاب في زقاق داخلي مسقوف من واد آخر، والأنكى من ذلك أن المستبدين المتسلطين في مجالس دويلات الشمال لا يستجيبون لنداءات الطلاب وذويهم، ولا لاستفسارات المتسائلين عن هذه الإشكاليات وأسبابها، وغالب الظن أنهم من الجهل بحيث لا يعرفون أسباب ذلك.

فلا استهبال أكبر من أن تنظم هذه المناطق امتحانات بخمسة أو ستة مصادر للشهادات الثانوية، كل مصدر له مرجعية خاصة!!، وهذا هو أصل المشكلة وفرعها الذي يجب أن ينتهي بأي شكل.

طبعا وفي البلاد وزيري تعليم، وضِعفهم أو أكثر مدراء للتربية، وفي كل مجلس مسؤول تعليم بمرتبة وزير لا يأبه لغير نفسه، والجامعات بعضها أو كلّها كومة من المرتزقة يقبلون بكل وثيقة ما دام صاحبها يحمل في يده أقساط التعليم الجامعي بالدولار، ولا يهمهم ما دون ذلك، لأن هذه الأقساط من شأنها أن تؤمن مصاريف الجامعة ورواتب الأساتذة والمنتفعين فيها على السواء، ثم تمارس هذه الجامعات استبداداً آخر على الطلاب تحدثنا عنه في غير مرة، ليس هذا وقته ولا أوانه.

أعان الله الطلاب وذويهم وفرج عنهم ما هم فيه من شظف العيش وضيق الحال وسطوة الجهلة واستبداد الحمقى بالتعليم والمتعلمين، …

 

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط