كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن إعادة السوريين في تركيا إلى بلادهم، وهذه المرة على صعيد الحكومة والمعارضة على السواء، وصدرت بعض التصريحات التي تتوعد السوريين الذين غادروا تركيا لقضاء إجازة العيد بعدم السماح لهم بالعودة من حلفاء الحزب الحاكم ومن وزير الداخلية في أحد لقاءاته الصحفية كما ترجمت بعض وكالات الأنباء، وتزامناً مع ارتفاع وتيرة هذه التصريحات وادعاء الجهات التركية أن سورية أو على الأقل مناطق الشمال السوري أصبحت آمنة، وبإمكان السوريين العودة إليها، قامت الطائرات الحربية الروسية ليلة أمس بقصف أكثر من ثماني مناطق على امتداد الشمال السوري، ووقع عدد من الضحايا جراء هذا القصف مما يعزز فكرة أن الشمال السوري لا يعتبر منطقة آمنة، والاتفاقيات التي تمّت بصدده ليست بالصلابة التي تسمح بعودة اللاجئين إليه، وأن تخفيض التصعيد لا يعني أبداً إيقاف الحرب، وإنما هي مساحة لالتقاط الأنفاس وإعادة رسم مناطق الحرب الجديدة.
على التوازي يصرّ مسؤولو الحكومة أنهم سيقومون بمشروعات من شأنها تأمين العودة الطوعية لللاجئين تحت الحماية المؤقتة، ولن يقوموا بإعادة السوريين إلى مناطق قد تتعرض فيها حياتهم للخطر، ولكن السوريين في تركيا إلى اليوم وبحسب كثير من الاستطلاعات لا يرون أن الشمال السوري يصلح لعودتهم، خاصة مع عدم وجود بنية مؤسسية تدير هذه المناطق، وتتلخص مخاوفهم في عّدة نقاط أبرزها:
- الهيمنة الفصائلية على المناطق وتعدد الأقطاب الحاكمة
- فوضى انتشار السلاح
- ضعف جهاز الشرطة أمام الفصائل، والتحكم به من قبل بعض المتنفذين مع غياب الطابع المؤسسي عنه
- عدم وجود نظام تعليم موحد والاختلاف الكبير في التعليم وأنظمته بين قرية وأخرى بحسب المجالس المحلية
- الاقتتالات بين الفصائل وانتشار الخطف والجريمة
- عدم قدرة القطاع الصحي على التعامل مع الكثير من الأمراض التي تصنف في الفئة المتوسطة ناهيك عن الأمراض المعقدة والخطيرة، وعدم توفر المشافي العامة بالعدد الذي يمكّنه من خدمة المنطقة
- ضعف الرواتب للموظفين والعمال وعدم وجود فرص عمل كافية في ظل ضعف الاستثمار الزراعي والصناعي بسبب هجرة المستثمرين إلى تركيا ودول أخرى
- عدم وجود القدرة على التصدير لمن يقومون ببعض الصناعات الخفيفة إلا في مجالات ضيقة جداً، بسبب عدم موافقة الجانب التركي
- ارتفاع مستوى المعيشة وارتباطه بالدولار رغم أن العملة المستخدمة هي الليرة التركية
- غلاء السلع الاستهلاكية بما يفوق قيمتها في تركيا بنسبة جيدة رغم أن تركيا هي المصدر لمعظم هذه السلع بسبب عدم وجود رقابة تموينية، وسيطرة بعض المتنفذين على كثير من السلع الأساسية بالإضافة إلى الاحتكار، وما يتم دفعه من أتاوات لبعض الجهات المسيطرة
- انتشار التهريب بين مناطق النفوذ المختلفة مما يهدد الاستقرار الاقتصادي وتوفر السلع الأساسية
- انتشار تجارة وتعاطي المخدرات في بعض المناطق في الشمال السوري، والتي تديرها عصابات عابرة لمناطق النفوذ
- عدم توفر المساكن الكافية لعودة اللاجئين، وغلاء أسعار البناء، وعدم رغبة اللاجئين بالعودة للخيام، خاصة أن غالبيتهم دُمرت منازلهم في مناطق يسيطر عليها النظام.
والكثير من الأمور الأخرى التي يصعب ذكرها أو التعبير عنها، بسبب تقلّص مساحة الحرية، والحد من حرية التعبير، وصعوبة الوصول إلى بيئات آمنة حقيقة بسبب اختفاء الطابع المؤسسي من معظم مؤسسات الداخل وارتباطها إمّا بمؤسسات خارجية أو بقوى أمنية.
كل هذه الأمور وغيرها يجب أن تفكر الإدارة التركية والشركاء السوريون بحلّها قبل الحديث عن عودة طوعية، وإلا فإن العودة الطوعية ستكون بالإكراه على الورق، كما جرى في بعض المرّات السابقة، والمناطق الآمنة لا تكون آمنة بشكل فعلي مالم يتوفر فيها شروط الأمان الداخلي والبنية المؤسسية الموحدة، بالإضافة إلى الأمان من قصف النظام وحليفه الروسي