القانون حمار

غسان الجمعة

الأمم المتحدة- جنديرس
3٬117

عندما يحمّلنا القانون ذنباً لجريمة لم نرتكبها أو يطبَق من قبل أصحاب السلطة بغباء فإنَّ أشهر ما يمكن أن يوصف به هو عبارة الكاتب الإنكليزي (تشارلز ديكنز) في روايته أوليفر تويست “القانون حمار”، وذلك بعد أن وقعت المسؤولية على رجلٍ بسبب جريمة ارتكبتها زوجته في الرواية التي جسدت بظروفها وأحكامها القانونية والاجتماعية الحقبةَ الإنكليزية السائدة في بدايات القرن الثامن عشر.

ويبدو أنَّ الأمم المتحدة والآلية الدولية الحالية تمارس تطبيقاً جديداً لهذه العبارة من خلال استجابتها لكارثة الزلزال في شمالي غربي سورية بتمسكها بالقواعد الدولية في التعاطي مع هذه الكارثة.

إسرائيل تشن غارات عنيفة على مواقع إيرانية في دمشق والسويداء

يتّسم الوضع الإنساني اليوم في شمالي غربي سورية بأزمةٍ إنسانية مركبة حيث تعاني المناطق المنكوبة أصلاً من تداعيات حملات التهجير والقصف الممنهج خلال السنوات الأخيرة تحت أعين الأمم المتحدة والدول الأخرى، ليضيف الزلزال للظروف الصعبة وضعاً معقداً على مختلف الأصعدة للنازحين والمهجرين في هذه المنطقة.

على الرغم من التجربة التي تتجاوز العقد للمنظمات الأممية في المنطقة المنكوبة وعلمها الجلي بحيثيات الصراع وأطرافه بين معارضة مسلحة قائمة بالدوافع التي تكفلها المواثيق الدولية في الحرية والعدالة وتقرير المصير، وبين نظام قائم بالقانون متهم بارتكاب جرائم حرب ومدان باستخدام أسلحة كيمائية ضد مدنيين عزّل، ويخضع لعقوبات دوليّة فإنها لا تزال لليوم تتمسك بشرعية النظام السوري في الساحة الدولية وتعتبره الطرف الوصي على الأراضي السورية بالعموم.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على واتساب  اضغط هنا

قد يستغرب البعض إصرار الأمم المتحدة على الحصول على موافقة من النظام السوري لإغاثة المنكوبين من خلال معابر محاذية للمناطق المتضررة من الزلزال لا يوجد فيها للنظام السوري أي سيطرة أو تحكم إلا أن بيروقراطية القانون الدولي تقتضي من المنظمات الدولية تحت بند احترام السيادة الوطنية حصولها على موافقة الجهة السيادية على تلك الأراضي من أجل الدخول إليها وممارسة أنشطتها.

من هذه النقطة فإن الأمم المتحدة التي طالبت في الأيام الأولى للزلزال تحييد الاعتبارات السياسية يمكن كشف زيف مطالبها المقنعة للأسف بقانون “حمار” ساهم في تعويم طرف سياسي على حساب آخر في ظرف كارثي تُحسب فيه الأنفاس بالدقائق وليس هناك أي منطق لحسابات السياسة والقانون التي تذرعت بها الآلية الأممية في التأخر لإنقاذ الأرواح من تحت الأنقاض.

إن التكيّف القانوني للتعامل مع كارثة الزلزال شمالي غربي سورية من قبل المنظمات الأممية ينبئ عن تصنيف الأمم المتحدة لوجود ضحايا شرعيين وضحايا غير شرعيين في أي منطقة نزاع مسلح غير دولي، نظراً لاعتباراتها القانونية دون الإنسانية، وهو ما يتعارض مع مبدأ أساسي لغرض وجود هذه المنظمات، وهو عدم التمييز بين البشر لاعتبارات سياسية أو عرقية أو دينية.

لا يوجد أدنى شك عن أهمية تطبيق القوانين الدولية والتعامل الدولي على أسس واضحة ومجردة مع الكيانات ذات السيادة، وتميّزها عن غيرها من المنظمات والجماعات و المؤسسات الأخرى وهو ما يمكن تفهمه في الإجراءات الإدارية والبروتكولات الرسمية والخطابات الدبلوماسية وغيرها إلا أن تعريض الحياة الإنسانية للمدنيين للخطر و خصوصا في ظل الكوارث والحروب لذريعة تطبيق (القانون) يعد خرقاً لأبسط قواعد العدالة الإلهية، والوضعية فليس هناك قانون يملي على السلوك الإنساني ما هو عادل بل على العكس تماماً فإن القواعد القانونية تُستقى من العدالة وضروراتها التي تفرض نفسها على قواعد القانون في أي وقت وفي كل مكان.

فالشرعية الدولية التي تتبناها الأدبيات الأممية في سياساتها تستلهم قواعدها من المشروعية التي تحفظ الإنسان وكرامته، أولاً فوق أي اعتبار وهو ما يمكن محاسبة أجهزة الأمم المتحدة عليه اليوم في تطبيقها المنحاز عن سوء نية لآلياتها القانونية التي كنا نظن أنها مقتصرة في طبقة إدارية من الأشخاص على تماس مباشر مع أجهزة النظام السوري تواطأت بطبيعة علاقتها بدرجات مختلفة من الانحياز والفساد لصالح أجندة النظام السوري.

إلا أن تعليق أوسمة الشكر من قبل الأمين العام للأمم المتحدة في مجلس الأمن على صدر الرئيس السوري يورط تلك المنظومة من رأس هرمها إلى أصغر موظفيها بشراكة منحازة مقننة مع نظام سياسي متهم بارتكاب العديد من الجرائم التي يحظرها قواعد القانون الدولي بشكل يتنافى مع قواعد المنطق السليم وقواعد العدالة والتي في أبسطها عدم تحكيم الجلاد في رقبة الضحية فأين القانون والعدالة في تحكيم الجلاد بشخصٍ يجمع صفة المنكوب والضحية؟

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط