المنشد محمد العزاويّ و تأبينُ المجرمَين سليماني وَ المهندس | “قـراءةٌ فكـريّة لابـدّ منهـا”

ملهم الشريف

1٬460

• قبل أيام توفيَ الأستاذ المنشد “محمد ناصر العزاويّ” في بغـدادَ [27 أكتوبر 2023مـ] إثرَ نوبةٍ قلبيّةٍ مفاجئةٍ و قد نعيتُه في منشورٍ خاص من خلالِ صفحتي على “الفيس بوك” كحـال كثيرٍ ممّن نعاه؛ غيرَ أنّي نعيتُه من منطلقِ معرفةٍ سابقةٍ سيما خلال فترة زيارته لسورية بعيد الغزو الأمريكي للعراق حيثُ كانت له علاقاتٌ اجتماعيةٌ شخصيةٌ مع عددٍ من الأعلام السوريين و في مقدمتهم الطبيبُ الشاعرُ (د. عبد المعطي الدالاتي -صاحب القصيدة الأجمل “حار فكري”-) و قد زارَ “العزاويُّ” مدينةَ حمصَ و أحيا فيها حفلاتٍ راقيةً في بعض المزارع الخاصة بضيافة عدد من أعيانِ حمصَ آنذاك …
– فضلاً عن إعجابي بأسلوبه الفنّيّ الجميلِ الرائعِ على مستوى اختيـارِ الكلمةِ و المعاني التي تحملُهـا، و المواضيـع التي تتنـاولُهـا ليأتيَ الأداءُ المتمكّنُ و الذوقُ في حُسنِ اختيـارِ النَّغَـمِ و التنقُّـلِ بين مقامـاتِـه؛ و الإحساسُ الذي يحملُـه بروحِـه التي تتذوقُ المعانيَ و القِيَـمَ لتكونَ إلى المتلقي أقربَ و أبلغَ تأثيـراً ليُظهِرَ بذلك “العزاويّ” رسالتَـه من خلال هذا الفنِّ الذي يُبدعُ في إيصالـه و تسويقِـه جمـاليّاً..
ولعلّ هذا ممـا لا يختلفُ عليه أحدٌ من أهل الفنّّ المتمكنين فضلاً عن جمهورِه العريضِ الذي يتابعُه و يتأثر به .. فهو ‘أستاذٌ” في هذا الباب و أكادُ أجزمُ أنّه امتلكَ كافةَ أدواتِه عن علمٍ و خبرة و ممارسة حتى طاعتْ له الأنغامُ و المقامات.
• لكنْ… و بعدَ نشري لمنشورِ النعيِ تواصلَ معي أحدُ الأساتذة الأفاضل من أهل الوعي و الفكرِ و المتابعة و نبّهني إلى أمرٍ كنتُ أجهلُه تماماً؛ و لا أخفيكم سِرّاً لقد فاجأني و آلمني في آنٍ معاً!! و قد رَفَضَتْه نفسي بدايةً لا لأمرٍ سوى أنّني كنتُ أريدُ أنْ تبقى صورةُ الأستاذ “العزّاوي” نقيةً في ذاكرتي و ذاكرة التاريخ بصورة عامّة.. و لكن بعد بحثٍ توثّقَ الأمرُ لديّ و هو مشاركةُ الأستاذ “محمد ناصر العزاوي” بتأبين المجرمَين (قاسم سليماني) وَ (جمال إبراهيمي الشهير بكنية أبو مهدي المهندس) الّلذينِ اغتيلا بتاريخ [3 يناير 2020]، وذلك بدعوة من قيادة هيئة مليشيا الحشد الشعبي/الشيعيّ العراقيّ الطائفي التابع لإيران -ممثلةً برأس إجرامها الحاقد خامنئي- أيديولوجياً و تخطيطاً و إجراماً و الذي تقومُ أدبياتُ مشروعِهم النظريّةُ أصلاً على قتلِ المسلمين السُّنّة في العالَـم لا سيمـا في العراق و سورية و لبنان و اليمن و أفغانستان و إحداثِ التغيير الديمُغرافي في النُّسُجِ الاجتماعيّة لتلك الدول، و كم نفذوا في سبيل هذا المشروع من مجازرَ لا يسعُ المقامُ لسردِها .. و قد ارتأيتُ نشرَ موقفي عبر منصةٍ إعلاميّةٍ ليصلَ إلى أوسعِ شريحةٍ؛ فليستِ القضيةُ مجردَ نشرٍ لنعيّ و حذفه بل للموضوعِ أبعادٌ أخرى لابد من الوقوف عندهـا لنضعَ الحدثَ في سياقـه الفكـريّ الصحيح.

▪ أوّلاً: توصيف المشاركة:
لقد شاركَ الأستاذ “العزاوي” -كما هو موثقٌ في التسجيل المرئي و المنشور على معرّفاتِ و قنوات الحشد الشعبي– مفتتِحاً الحفلَ التأبيني الثاني للمجرمَين الحاقدَين بتلاوة عدة أيات من سورة البقرة بما فيها آية الشهادة {و لا تقولُوا لمَنْ يُقتَلُ في سبيلِ اللهِ أمواتٌ؛ بل أحياءٌ و لكن لا تشعرون} ثمّ انتقلَ لسورة الأحزاب ليختمَ تلاوتَـه تلك بكل “جرأة” بآيةِ {من المؤمنين رجالٌ صدقُـوا ما عاهدُوا اللهَ عليه، فمِنهم مَن قضى نحبَه و منهم مَنْ ينتظرُ، و ما بدّلُوا تبديلاً} مقدّماً رسالةَ ختامِ تلاوتِه بأنهمـا ليسوا فقط من المؤمنين بل يسوِّغُ لنفسِه أنْ يرفعَهمـا لمقام “الرجـال الذين صدقـوا” ؛ و كأنّ صفةَ “الشهادة” التي أسبغَهـا عليهمـا ليست كافيـة!!
…و قد أصبحَ معلوماً للقاصي و الداني أنهمـا مجرمَين طائفيَين تُحرِّكُهمـا أحقادُهمـا الباطنيةُ السوداء المرتكزةُ على خلفيةٍ فكريةٍ أيديولوجية توسُّعيّة فضلاً عن انحدارِهم بإنكار ثوابتَ من الدين و شتمِهم لأعلام الصحابة الكرام و أعلام و علماء الدين الذين حملوه..، فنعتُهم بالشهادة أوِ بالرجال الصادقين الذين ثبتوا دونما تبديل ففيه “جـرأةٌ” على الله -سبحانه-؛ و العالَمُ يرى إجرامَهم و أحقادَهم التي أصبحَت جَهاراً نهاراً من غير أدنى تحفُّظ أو خجـل؛ بل أمسى إجرامُهم بابَ افتخارٍ لهـم و تنافُسٍ موثَّقٍ بالصوت و الصورة فيما بينهم من غير ممارسة أيّة تقيّة!! فهل جهلَ الأستاذ “العزاوي” هذه الحقائقَ الواقعيةَ أم أرادَ تجاهلَهـا.. حُكمـاً لقد تجاهلَهـا .

▪ ثانياً: لمـاذا هذا المقـال؟!
و لعلّ معلِّقاً يقول من باب البساطة العاطفيّة: لقد توفيَ الأستاذ “العزاوي” و أفضى إلى ما قدّم.. فما الغايةُ من نشرِ هذا المقال؟!
– نعم لقد توفيَ الأستاذ “العزاوي” و أفضى إلى ما قدّم و لكنّ الرجلَ ليسَ شخصيةً هامشيةً من عامّة الناس؛ و إنّما هو من الشخصياتِ المؤثِّرةِ التي تتابعُها شريحةٌ عريضةٌ من المتأثِّرين و المهتمين على تنوُّعِ طبقاتِهم الثقافيةِ و شرائحِهم الاجتماعيّة، فتأبينُه للمجرمَين هو إقرارٌ منه بقَبول نهـجِ هاتين الشخصيتَينِ الطائفيتَينِ الحاقدتَين على العرب أصلاً بل يعتبرونَ العربَ عدوّاً تاريخيّاً أزالَ أمجادَ إمبراطوريتهم الفارسية؛ و المجرمُ “سليمانيّ” هو المهندسُ الحركيُّ للمشروع الفارسيّ في المنطقة بنسخته المعاصرة بمساعدة ذراعه “المهندس”.
– فتأبينُ “العزاوي” لهمـا فيه تدليسٌ و تشويشٌ و خلطٌ للمفاهيم و القِيم و ثوابت الدين على عامة الناس التي تتابعُه و تتأثرُ به و بسلوكه و مواقفه؛ و افتتاحُه التأبينَ للمجرَمين ما هو في حقيقتِه إلّا موقفٌ، و ليتَه ما كانَ في سِجلِ الأستاذ “العزاوي” -مع إحسان الظنّ-، فلا مبرّرَ له -كما يحاولُ البعضُ تبريرَه و التقليلَ من أثرِه على طريقةِ البرغماتية السياسية- ؛ و لو عُدنـا إلى ڤيديو الاحتفال سنشاهدُ أنّ الأستاذ “العزاوي” قد تعمّـدَ الوقـوفَ على كلمة {رِجـال} في أدائـه الآيةَ من غير أيّ اضطرارٍ للـوقـوف عليهـا!! و هذا بحدِّ ذاتـه تفاعلٌ مع الحدث و تمريرُه لرسالـة أرادَ إثباتَها.
– و قد جاء البيانُ الربّانيّ في مُحكم التبيان بصيغةِ النهي محذِّراً من الركونِ إلى الظالمين بقوله: ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾[هود-113]، و قد فسّر العلماءُ “الركونَ” بمجاملة الظالمين و المداهنةِ لهـم ، و الميلِ إليهم محبةً و مودّةً، ذلك لأن الركونَ إليهم إنما يُشجِّعُهم على التمادي في الظلم و استشرائه في المجتمع. و قد تابعَ العلماءُ في بيان مراتب هذا “الركون للظالِـم”؛ فبيَّنوا أدنى مراتبِ الركون إلى الظالِم ألّا تمنعَه من ظلمِ غيرِه، وأعلى مراتبِه أنْ تُزيّنَ للظالِـم ظلمَه؛ و تزيّنَ ظلمَـه للناس.
و قد جاءَ عن سفيان الثوريّ: «منْ دَعَا لِظَالِـمٍ بِالْبَقَـاءِ فَقَدْ أَحَـبَّ أَنْ يُعْصَى اللهُ تَعَالَى فِي أَرْضِه!!».
– إذاً هذا الوعيـد و التحذير لمَن جاملَ ظالماً و داهنَ له أو دعا له فما هـو توصيفُ مَنْ يتودّدُ و يترحّمُ على مَن يعامُلكَ بـ “التقيّة” و يُحاربُك عَقديّـاً و فكرياً و ثقافيّاً و عسكريّاً ساعياً جُهدَه لاستئصالِكَ و طمسِ هُويّتَك… نافثاً أحقادَه على النساء و الأطفالِ و الشيوخ جازّاً رِقابَهم بالسكين -كما فعل في سورية و العراق-!!!

▪ثـالثـاً: التمـاهـي مع الحدث:
و مَن يتابعُ جزئيات الحدث في حفل التأبين يجدُ أنْ الأستاذ “العزاوي” قد تماهى في تشبُّهه بالفرس الإيرانيين بدءاً من الصورة الشكلية لِلباسِه حتى ليُخيَّلُ للناظرِ أنّه أمامَ شخصيةٍ إيرانيّةٍ تتبعُ لإحدى المستشاريات الإيرانيّة؛ فقد ارتدى قميصاً أسودَ و سترةً سوداءَ قريبةً في تصميمِها من سترة “سليماني” مع اختلاف في اللونِ فقط بين (الأسود و البيج)، و من غير ربطة عنق “كرافة” كحال السياسيين الإيرانيين و أعضاء مستشارياتهم الثقافيةِ في العالَم.. فلو بقيَ الأستاذ “العزاوي” مرتدياً لِـزِيّه الأنيق الأشهر ذي الوَقارِ الذي عُرِفَ به في أغلب ظهوره في حلّه و أسفارِه و مقابلاته الإعلاميّة و المؤلَّفِ من الثوب الأبيض “الجلابية البيضاء” و كوفيته العراقية الحمراء لَكُنّـا ربّما تغاضينا عن هذا التفصيل؛ لكنّ التماهيَ تشبُّهاً في السلوك و اللباس و الكلام بخلط السلوك السياسيّ المبتذلِ المُجانبِ للمبدأ و الفكرِ و المميعِ للهُويّة بـالمواقفِ التي يترتبُ عليها حضورُ هُويّةِ الأمّـة و وجودِهـا لَهـو تمييعٌ و تشويش و خلط للمفاهيم و زعزعةٌ للثوابت في النفوس المفضي في المحصلة النهائية لتلك المشاريع ذات العناوين الورديّة من قبيلِ (حوار الحضارات – حوار الأديان – الديانة الإبراهيمة-…) الهادفة في أصل إحداثها إلى طمسِ هُويّة الأمّة و محاربة قِيمها و تمييع معتقدهـا و سلبِهـا عن حاضنتِهـا و تراثها الحضاريّ وصولاً للتطبيـع الاستسلاميّ مع عدوِّهـا بغض النظر عن طبيعة هذا العدو أو ذاك … و إنّ هذا التشويشُ على العامّة في المجتمـع ليس بجديدٍ فقد عايناه في دمشقَ و عرفنا دعاتَه على أيدي مروّجي مدرسة كفتارو و يتجدّدُ حالياً برعايةٍ إيرانية تحت اسم المجلس العلميّ الفقهي الذي تقوده إيران مباشرة من خلال وزارة الأوقاف ممثلة بوزيرها “محمد عبد الستار السيد”، فالتشويش و التشكيك بالثوابت دائماً يبدأ من شخصيات محسوبة على نسيجنا السُّنّي و هنـا يكمنُ الخطرُ؛ اختراق و تهديد من الداخل، و بأمثلة حيّة على شخصياتِ تلك المشاريع نذكر مثلاً ( حسام الدين الفرفور و محمد حبش و أخته رفيدة حبش ….) و القائمة تطول في عالَمنـا العربي و الإسلاميّ.
– فهل كانَ الأستاذ “العزاويّ” -بتماهِيهِ هذا- من المروِّجين عبر تأثيرِه في منصاته و متابعيه لهذا المشروع أو ذاك؟!!
– أم هل كانت لدولة الإمـارات و إقامتِه فيها لسنوات طويلة دورٌ في ذلك كما يجري من استقطاب كثيرٍ من المؤثّرين إليها عبر الإقامة الذهبيّة و بالتالي توجيهُ تأثيرهم و لجمُ الآراء الواعية و إزهاق استقلالية تلك الشخصيات؟!
طبعـاً لا أستطيعُ الجزمَ في ذلك أبداً و لا أُوجِّه إليـه لأنّنا تعوَّدنـا أنْ نرى الدروشةَ المعجونةَ بالبساطةِ العاطفيةِ -و يُؤسفني هذا التوصيف- عند كثير ممن تصدَّرَ للعلم و معاينةِ الشأنِ العام من أبناء جِلدتنـا -و خصوصاً في العقدَين الأخيرَين- و ما ذلك إلّا لغيابِ الأرضيّةِ الفكريّةِ التربويّـةِ الأصيلة فتراهـم سلوكاً و قولاً و موقفاً يقفون على أرضيةٍ ضحلةٍ من الرؤية و البصيرة و القراءات التاريخية الواعية -إلّا ما رحمَ الله- و إذا ما أحرجتَهـم نقاشاً و تفنيداً يُعاجلونك بسلاحهم الحاضرِ دومـاً: “نحن نمارسُ سيـاسـة أو نحنُ نُخـدَعُ في الله”!! فلا يكتفون بسذاجة طرحهم و فراغِهم الفكريّ و الانبطاحِ البراغماتي عند بعضهم؛ بل لا يميّزون بين المواقف كَهُـويّةٍ و وجود و بينَ السياسة كسلوك يُظهِرُ تلك الهُويّة، فلا هـم أحسنوا الأولى و فشلوا في الثانية.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط