تعاني العائلات في الشمال السوري من تحديات كبيرة في تأمين “المونة” السنوية، والتي تعتبر جزءًا لا يتجزأ من التراث الغذائي في سوريا. هذا التقليد الذي كان لسنوات عديدة ركيزة أساسية في الحياة اليومية، أصبح اليوم عبئًا ثقيلاً على العديد من الأسر في ظل الأوضاع الاقتصادية المتدهورة.
كما أن ارتفاع الأسعار، غياب الرواتب المناسبة، وتزايد الفقر جميعها عوامل جعلت من تأمين المونة تحديًا يوميًا، خصوصًا مع التضخم وانهيار العملة المحلية.
الواقع الاقتصادي وتأثيره على تأمين المونة
يعيش عدد كبير من الأسر في الشمال السوري تحت خط الفقر، مما يجعل تأمين المونة أمرًا بالغ الصعوبة. ومع الاعتماد على الليرة التركية في التعاملات اليومية، ازدادت أسعار المواد الغذائية بشكل كبير، مما أثر بشكل مباشر على إمكانية تأمين المونة. فقد كانت العائلات سابقًا تحضر كميات كبيرة من المونة لفصل الشتاء، أما اليوم، فإنهم بالكاد يستطيعون شراء كميات قليلة بسبب غلاء الأسعار.
اقرأ أيضاً: فريق الوعد التطوعي..دورات منوعة وخدمة مجتمعية
في حديث مع أحد بائعي المونة في سوق إدلب يقول: “الأسعار ارتفعت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. الناس كانوا يشترون كميات كبيرة، لكن الآن يضطرون إلى تقليل الكميات بسبب الغلاء. الفليفلة، الباذنجان، والزيت أصبحت مواد يصعب تأمينها، مما جعل تحضير المونة حلمًا للبعض.”
التأثير على الزراعة المحلية
من جانبه، يعاني المزارعون في الشمال السوري أيضًا من ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعي. على سبيل المثال، زراعة الباذنجان، المكون الأساسي لإعداد المكدوس، أصبحت مكلفة جدًا. تحدث أحد المزارعين في ريف إدلب قائلاً: “الأسمدة والمياه والكهرباء الضرورية للزراعة ارتفعت أسعارها بشكل كبير، مما أثر على أسعار المنتجات في الأسواق.” هذا بدوره يؤثر بشكل مباشر على أسعار المواد المستخدمة في إعداد المونة.
أصناف المونة وتكاليفها المتزايدة
تشمل المونة السورية مجموعة متنوعة من الأطعمة التي يتم تخزينها لفترات طويلة. من هذه الأصناف:
الفليفلة: 120 ليرة تركية للكيلو.
دبس البندورة: 65 ليرة تركية للكيلو.
دبس الفليفلة: 80 ليرة تركية للكيلو.
قطرميز البازيلاء: 80 ليرة تركية للكيلو.
مربى الفريز: 140 ليرة تركية للكيلو.
مربى المشمش: 120 ليرة تركية للكيلو.
مربى الورد: 120 ليرة تركية للكيلو.
الحصرم المملح: 80 ليرة تركية للكيلو.
الجبنة: 100 ليرة تركية للكيلو
على سبيل المثال، إعداد المكدوس، الذي يُعتبر من الأطباق التقليدية الأساسية، أصبح مكلفًا بشكل كبير مع ارتفاع أسعار الباذنجان والفستق أو الجوز وزيت الزيتون.
الباذنجان: 5 ليرات تركية للكيلو.
الفستق: 180 ليرة تركية للكيلو.
الجوز: 240 ليرة تركية للكيلو.
زيت الزيتون: الأسعار متغيرة، ولكن المتوسط حوالي 150 ليرة تركية للكيلو.
تكلفة تجهيز المونة لعائلة من 5 أفراد
في ظل الارتفاع المتزايد للأسعار، قد تصل تكلفة تجهيز المونة لعائلة مكونة من 5 أفراد إلى أكثر من 10,000 ليرة تركية سنويًا. هذه التكلفة تُعتبر عبئًا كبيرًا على العائلات التي لا يتجاوز دخلها الشهري بضعة مئات من الليرات.
التحديات التي تواجه الأسر في تأمين المونة
إضافة إلى ارتفاع الأسعار، تعاني العديد من الأسر من غياب فرص العمل المناسبة وضعف الرواتب، مما يزيد من صعوبة تأمين المونة. وتحتاج العائلات إلى حلول مبتكرة لتقليل الاعتماد على شراء المواد من الأسواق، مثل الزراعة المنزلية أو اللجوء إلى بدائل محلية أقل تكلفة.
المونة والحفاظ على الهوية الثقافية
رغم كل التحديات، تظل المونة رمزًا للتراث الغذائي السوري. فهي ليست مجرد وسيلة لتخزين الطعام، بل تمثل جسرًا يربط بين الماضي والحاضر، وتحافظ على الهوية الغذائية للسوريين عبر الأجيال.
وفي ظل الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها العائلات في الشمال السوري، يصبح تأمين المونة أكثر تعقيدًا. ارتفاع الأسعار، تدهور الأوضاع المعيشية، والاعتماد على المساعدات الإنسانية يجعل الحفاظ على هذا التقليد تحديًا يوميًا. ومع ذلك، تبقى المونة عنصرًا مهمًا للحفاظ على التراث وتعزيز التكافل الاجتماعي في مواجهة الأزمات.