النسوية الإسلامية انشغالاتها وقراءتها للنص الديني

د. رغداء زيدان

656

مقدمة حول نشأة المصطلح:

ترجع بدايات ظهور مصطلح النسوية الإسلامية إلى تسعينيات القرن العشرين. ولعل بداية ظهوره كانت في إيران على يد العديد من النساء والرجال من خلال الكتابة في صحيفة زنان النسائية، التي أسستها شهلا شركت في 1992، فكانت الباحثة الإيرانية زيبا مير حسيني من أوائل من استخدم هذا المصطلح. وبرزت أيضاً أفسانة نجم آبادي.

وظهر المصطلح أيضاً في الوقت نفسه تقريباً في تركيا فقد استخدمه يشيم أرات Yeşım Arat  وعائشة فريدة آجار Feride Acar في مقالاتهما، وكذلك نيلويفر غويل Nilüfer Göl في كتابها الحداثة الممنوعة والذي نشر بالتركية عام 1991 وبالإنجليزية عام 1996، للإشارة إلى نموذج معرفي نسوي جديد آخذ في الظهور في تركيا. كما استخدمت مي يماني، الباحثة السعودية، المصطلح نفسه في كتابها المعنون الإسلام والنسوية عام 1996. أما في جنوب أفريقيا، فقد استخدمت الناشطة النسوية شميمة شيخ المصطلح ذاته في تسعينيات القرن المنصرم.

د. رغداء زيدان

والملاحظ أن ظهور المصطلح واستخدامه كان في بلدان لها خصوصية من حيث التعامل مع الدين الإسلامي، فإيران دولة شيعية، تحكم وفق ولاية الفقيه، مما يعني سيطرة نموذج تدين واحد، أما تركيا فهي دولة علمانية، كانت تمنع الدين من الظهور في الفضاء العام، والسعودية بلد سيطر فيه الفكر الوهابي وهيمن على المظهر الديني، وفي جنوب إفريقيا كان هناك نظام الفصل العنصري، الذي يميز بين الناس. إذاً كان هناك نوع من الانغلاق والتضييق على التنوع في تلك البلاد التي ظهر فيها المصطلح، مما أوجد تربة خصبة لظهوره فيها. ومع منتصف التسعينيات بات مصطلح النسوية الإسلامية في طريقه نحو الصك المفاهيمي، مع أن الدراسات التي طورت المفهوم وحددته ظهرت منذ عام 1980.

عوامل ظهور وانتشار النسوية الإسلامية:

النسوية الإسلامية تيار فكري طَوّرته شبكة من الناشطات في سياقات سياسية اجتماعية وثقافية متباينة كثيراً. وكن يهتممن بإعادة قراءة النصوص بغية إيجاد تأويل ديني يدعم وجهة نظرهن النسوية. ويهدفن بهذا إلى التميُّز عن النسويات العلمانيات اللاتي يبتعد نظرهن عن أي شكل من أشكال المرجعية الدينية.

ويجب الانتباه إلى أن النسويّة العلمانية في حقيقتها فضاء معرفي علماني؛ تحاول قبل كلّ شيء إعادة تعريف الهوية الوجودية للذكر والأنثى على حدّ سواء، وهي تهديم للهرم المستند إلى اللغة، الدين، التراث، التاريخ…الخ. النسويّة ليست اتجاهاً خاصاً بالأنثى فقط، إنها تأخذ موقفاً من الموروث التاريخي (الديني، السياسي، الاجتماعي، الثقافي…). وهو موقف يعني إحداث قطيعة كلية مع ذاك الموروث، بكل حوامله المفهومية والإيديولوجية التي أنتجت الاستحقاقات المعرفيّة التي يعيش الناس انعاكساتها التطبيقية في حياتهم. وبالتالي، النسويّة لا تسعى لإجراء إصلاحات داخل التراث، لكنها باختصار قطع معرفي مع حوامله الدينية، وهي قطع مع بنيته التي صاغت أشكاله الإيديولوجية.

أما بالنسبة للنسوية الإسلامية فهي محاولة لتقديم قراءة جديدة للقرآن، إذ تهتم النسويات الإسلاميات بتطوير قراءة جديدة للقرآن والسنّة، بُهدف إيجاد تأويل ديني يدعم وجهة نظرهنّ النسوية. فمشروعهن يركز على إنتاج خطاب إسلامي جديد. ومن أهم العوامل التي أدت لظهور النسوية الإسلامية:

  • الظلم الذي تعاني منه النساء في البلاد المسلمة باسم الإسلام.
  • انتشار أفكار المدرسة النسوية الغربية.
  • الخصوصية الثقافية والدينية للمجتمعات المسلمة وضرورة احترامها.
  • الضعف و”التخلف” الذي يعاني منه المسلمون، والدعوات “التنويرية” والرغبة بالتخلص من الاستعمار.
  • ظهور الإسلاموفوبيا وانتشار مصطلح الإرهاب الإسلامي.

لذلك ركزت النّسويات المسلمات على فكرتين أساسيّتين هما حجر الأساس الذي يجب أن تبنى عليه كلّ نسويّة تريد أن تكون إسلاميّة. وهما: النّسويّة والإسلاميّة. فهي نسويّة لأنها حركة للدفاع عن حقوق النّساء المهضومة باسم الإسلام، وسعياً إلى مجتمع تشارك المرأة في بنائه بشكل فعال. وهي إسلاميّة لأنّهنّ جعلن من القرآن والسّنّة مرتكزات لفكرهنّ. لكن مع ذلك هناك اختلاف بين الناشطات في استعمال مصطلح النسوية الإسلامية.

فبينما نجد من تستخدمه وتحاول تعميمه من الباحثات النسويات كمارغو بدران، نجد مثلاً أن آمنة ودود ترفض هذا المصطلح ولا تستعمله إلا بحذر شديد. وكذلك تفعل أسماء بارلس لأنها تراه مصنوعاً من قبل النسوية الغربية. وترى أخريات أن الإسلام لا مكان فيه لـ”ابيستومولوجيا” (نظرية) مثل النسوية، لأنها تتناقض مع روح الإسلام، وتحرير المرأة يتحقق من خلال الكتاب والسنة، ومثل هذه التسمية قد تُعرقل تقدمَ المرأة المسلمة.

وهناك من تشير إلى أن في هذا الموقف تجاهل لما حققته البحوث والدراسات النسوية من إنجازات، ومن بدهي ذلك أن ترى وجهات النظر المختلفة في قبولية النسوية في أنحاء العالم. كما أن هناك كاتبات يستعملن مصطلح علم اللاهوت المسلمة بدلاً من مصطلح النسوية الإسلامية. كل هذا يظهر أن هناك تيارات أو وجهات نظر مختلفة ضمن هذا المصطلح، وبالتالي من الخطأ أخذ الجميع في سلة واحدة.

أبرز الباحثات والتكتلات النسوية الإسلامية

ضمت الحركة النسوية الإسلامية مجموعة كبيرة من الباحثات من مختلف البلاد الإسلامية، بعضهن عملن ضمن تجمعات وجمعيات، وكان لبعضهن نشاط خاص، ومن أهم هؤلاء:

1 ـ زيبا مير حسيني: عالمة أنثروبولوجيا إيرانية مقيمة في بريطانيا، وباحثة متخصصة في الفقه الإسلامي والنوع والتنمية. حصلت على الإجازة في علم الاجتماع من جامعة طهران سنة 1974، وعلى الدكتوراه في علم الأنثروبولوجيا الاجتماعية من جامعة كامبردج سنة 1980. عملت أستاذة باحثة مشاركة بجامعة لندن وأستاذة زائرة، كما شغلت منصب مستشارة في قضايا النوع والتنمية.

بعد إعلان الثورة الإيرانية سنة 1979، أجرت بحثاً ميدانياً في محاكم الأسرة بطهران، وتابعت التطورات التي عرفتها قضايا النوع في الجمهورية الإسلامية من خلال تتبع النقاشات التي تناولت قانون الأسرة، وواصلت إنجاز بحوث ميدانية بشكل مكثف في محاكم الأسرة في كل من إيران والمغرب ما بين عامي 1985 و1989، ويعدها بعض الباحثين أول من نحتت مصطلح النسوية الإسلامية، وهي من المؤسسين لحركة مساواة. وتعتبر زيبا النسوية الإسلامية “الابن غير المرغوب فيه” للإسلام السياسي فالهوة التي تفصل الإسلام السياسي عن حقوق الإنسان أدت إلى ظهور الحركة النسائية الإسلامية.

وترى زيبا أن النسوية الإسلامية تواجه مجموعة من الخطابات من مواقع مختلفة: خطاب الإسلام السياسي الذي يدعو إلى العودة إلى النصوص الذكورية وإقامة دولة إسلامية؛ والخطاب التقليدي الإسلامي الذي يعتبر الفقه نصاً مقدساً لا يجب الخوض فيه؛ والخطاب الأصولي العلماني الذي يرى الدين غير عادل ويستبعد إمكانية إنجاز قراءة نسائية للدين؛ والخطاب الغربي الذي ينتقد الإسلام؛ وخطاب الحركة النسائية الغربية المهيمنة الذي يرى ضرورة علمانية المناصرين لها.

2 ـ أسما أفسار الدين: أكاديمية أمريكية، أستاذة في الدراسات الإسلامية بجامعة إنديانا في بلومنغتون، ومحررة رئيسية في “موسوعة أوكسفورد حول الإسلام والمرأة”، حاصلة على الدكتوراه في اللغة العربية والدراسات الإسلامية من جامعة جون هوبكنز، مارست العمل الأكاديمي في جامعات عدة، ولها مجموعة من المؤلفات، والمقالات والمحاضرات. مختصة بالتأويل القرآني والأحاديث النبوية، والمساواة بين الجنسين، من مشاريعها البحثية بحث فاز بتمويل من المعهد الأمريكي في تركيا، وهو عن الجهاد والشهادة في الفكر الإسلامي.

ومن البحوث التي قدمتها الدكتورة أسما في أحد المؤتمرات النسوية، بحث “شركاء في الإيمان: مفهوم الولاية في القرآن”: وهو تفسير نسوي للآية القرآنية الكريمة في سورة التوبة: “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”[التوبة، 71]. وفيه تبيّن أن الإسلام ساوى مساواة كاملة بين النساء والرجال، وأن تفسيرات المفسرين الذكور خرّبت المقصد الأصلي لهذه الآية.

3 ـ لالا بختيار: أكاديمية أمريكية من أصل إيراني، مواليد 1938م، ولدت من أم مسيحية وأب شيعي، وتربت في وسط سني، وهي، كما تقول، مسلمة “تسعى لإيصال رسالة التسامح في القرآن إلى الأمريكيين عبر ترجمة جديدة له، نافية بشدة أن تكون من ناشطات الحركة النسائية الغربية، ومشددة على أنها ترفض استهداف الإسلام أو انشقاقه، وتسعى لتقريب المذاهب”.

ظهرت ترجمتها للقرآن الكريم باللغة الانكليزية وفقاً للفقه الحنفي، والمالكي، والشافعي في طبعة أولى، شيكاغو، العالم الإسلامي ودار القاضي للنشر، 2007م، في 710 صفحة، وفي طبعة ثانية عن مكتبة الإسلام عام 2011م، في 683 صفحة.

وأهم ما جاء في ترجمتها تلك، هو تقديمها لمعان جديدة لبعض الكلمات القرآنية مثل كلمة “اضربوهن” الواردة في قوله تعالى: “وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ”[النساء، 34]، فكتبت في مقدمة ترجمتها للقرآن متسائلة عن سبب اختيار المعنى الظاهري لكلمة “الضرب”، بينما يمكن أيضاً أن تعني “امض بعيداً”.

4 ـ أمينة ودود: ولدت في ولاية ماريلاند في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1952م، كان أبوها قسيساً، تعلمت وحصلت على بكالوريوس العلوم من جامعة ولاية بنسلفانيا، بين عامي 1970 و1975م، وحصلت على الماجستير في دراسات الشرق الأدنى، والدكتوراه في الدراسات العربية والإسلامية من جامعة ميشيغان في عام 1988م. أسلمت عندما كانت في العشرين من عمرها، وعملت في الحقل الأكاديمي، واهتمت بقضايا المرأة والمساواة بين الجنسين وتفسير القرآن.

في يوم الجمعة 18 آذار/ مارس 2005، أمّت أمينة ودود جماعة من المصلين والمصليات منهم حوالي 60 امرأة و40 رجلاً صلوا معاً، بجانب بعضهم بعضاً، وأذّنت للصلاة امرأة، وأقيمت هذه الصلاة في كنيسة تابعة للكاتدرائية الأسقفية للقديس يوحنا، في مانهاتن، بعد أن رفضت ثلاثة مساجد استضافة المصلين. وقد أوضحت أنها لا تريد تغيير المسجد المسلم، لكنها تريد بيان أن الإسلام هو دين المساواة بين الرجال والنساء.

5 ـ أسما بارلس: أكاديمية باكستانية، من مواليد 1950م، نشأت في باكستان وغادرت بلادها عام 1983م، لتحصل على حق اللجوء السياسي في أمريكا، حاصلة على بكالوريوس بالأدب الإنكليزي والفلسفة، وماجستير في الصحافة، كما حصلت على درجة الماجستير والدكتوراه من كلية الدراسات العليا للدراسات الدولية من جامعة دنفر. تعمل حالياً في كلية إيثاكا في نيويورك. اهتمت بالمعرفة الدينية، وبالتفسير الأبوي أو الذكوري للقرآن، وألفت كتب، وكتبت مقالات عديدة عن الموضوع.

ترفض أسما بارلس التفسير الذكوري للقرآن، وتعدّ أن هذا التفسير هضم حق المرأة المسلمة، وحرمها من كثير من المزايا التي منحها الله لها، باعتبارها مخلوقاً مكرماً من رب العالمين. وكتابها النساء المؤمنات في الإسلام – نَسْخ التفسير البطرياركي للقرآن”، تعرض فيه لأهم أفكارها حول التفسير الذكوري، وأخطاء المفسرين، وحول المساواة بين الرجل والمرأة، وتكريم الله للمرأة، وكيف أن التفسير الذكوري هو من حرف مقصد النص القرآني، وقدّم صورة غير صحيحة عن المرأة في الإسلام.

وهي تنكر استخدام ضمير التذكير لله سبحانه وتراه شيئاً يدعو للسخرية؛ فكيف يرفض المسلمون تذكير الله، وفي الوقت ذاته يستمرُّون في استخدام صِيغة التذكير له ويرون في ذلك إشارة إلى تفوُّق الذَّكر على الأنثى؟!. أو كما قالت: “إنَّ التفكير في الله سبحانه مِن خلال الضمائر مثل الضمير: “هو”، يضفي عليه شبهة الذُّكورة، وهذا يؤدِّي إلى أن يضع الرجل المسلم نفسه تحت الله وفوق المرأة، فهو حاكم على المرأة مثلما أنَّه سبحانه حاكم عليه هو”.

6 ـ حركة مساواة: تم إطلاق مشروع “مساواة” من قبل “أخوات في الإسلام” في فبراير 2009 في اجتماع عالمي في كوالالمبور، ماليزيا، حضره أكثر من 250 امرأة ورجل من 47 دولة، بما في ذلك 32 دولة من دول منظمة التعاون الإسلامي. رؤية مساواة هي عالم أساس جميع العلاقات الإنسانية فيه هو المساواة وعدم التمييز والعدل والكرامة. تؤمن مساواة بأن المساواة والعدالة في الأسرة المسلمة ضرورية وممكنة.

نحن نعمل من أجل النهوض بحقوق الإنسان للمرأة في السياقات الإسلامية، في كل من حياتها العامة والخاصة. حان وقت المساواة والعدالة. أما عملها فيقع ضمن:

  • مشاركة المعرفة التي تدعم المساواة والعدالة في الأسرة المسلمة باستخدام نهج شمولي يجمع بين المبادئ الإسلامية والفقه والمعايير الدولية لحقوق الإنسان والقوانين الوطنية والضمانات الدستورية للمساواة وعدم التمييز، والواقع المعيشي للمرأة والرجل.
  • ربط الناس لبناء كتلة من المنظمات والجماعات والأفراد الذين يدعمون ويستخدمون ويعززون إطار عمل مساواة ويتم تمكينهم من المشاركة في الخطاب العام حول الإسلام وحقوق المرأة.
  • الانخراط على الصعيد الدولي لدعم عمل آليات حقوق الإنسان وكذلك الجماعات والأفراد الذين يعملون مع هذه العمليات على المستويات الدولية والإقليمية والوطنية لتعزيز المساواة والعدالة في الأسرة المسلمة.

7 ـ مبادرة المرأة المسلمة للروحانية والمساواة: ومهمتها:

  • تثقيف النساء والرجال، المسلمين وغير المسلمين، على مبادئ المساواة بين الجنسين والعدالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في الإسلام.
  • الطعن في صحة التفسيرات التعسفية في القانون والنصوص الإسلامية الأساسية من خلال تقديم التحليلات التي هي في الوقت نفسه ممتثلة للفقه الإسلامي ورؤية تمكين المرأة.
  • توظيف خبرة واسعة في الموروث القانوني الإسلامي والعلوم الإنسانية والاجتماعية، والسياقات المحلية من أجل التواصل معه، وتطبيق الموروث القانوني الإسلامي على القضايا الأكثر إلحاحاً التي تواجه المرأة المسلمة اليوم، ووضع استراتيجيات لخلق تغيير اجتماعي بنّاء.
  • الترويج لمواقف المجلس والمعرفة الدينية لأعضائه عبر وسائل الإعلام العالمية”.

وكما جاء في تعريف جماعة المبادرة WISE عن نفسها: “هي برنامج عالمي، وشبكة اجتماعية، وحركة شعبية للعدالة الاجتماعية تقودها المرأة المسلمة. كما أنها تمكين النساء المسلمات من المشاركة الكاملة في مجتمعاتهن المحلية وبلدانهن وتعظيم أصواتهن الجماعية. لقد تمتعت المرأة المسلمة بتراث غني بالتميز في أدوارها كقائدة ومهنية وراعية وناشطة، فالتاريخ الإسلامي سجل حافل بمساهماتها المشهودة كمعلمة وعالمة في الكتاب المقدس وقانونه. تمثل وايز حركة رسمية للنساء المسلمات لاستعادة هذه التركة”.

اهتمامات النسوية الإسلامية وحدودها

تؤمن النسويات المسلمات بالقرآن والوحي، لكنهن تنبهن للعوائق التي تقف في وجه تحررهن، والتي تمثلت وفق وجهة نظرهن بعائقين:

  1. إسلام محافظ يعرقل ولوج النساء إلى المعرفة الدينية، ويمنع تحقيق المساواة القرآنية،
  2. الحركة النسائية الاستعمارية التي رأت النور في دول الشمال (أوروبا) واختلطت بالاستشراق، وتملي على نساء الجنوب طرق تحررهن، لأنها ترى من المستحيل أن يجتمع الخضوع لله والتحرر من سلطة الرجال في آن واحد.

لكن في الطرف المقابل نجد مجموعة من النساء اللواتي اتهمن الإسلام نفسه بالظلم، واعتبرن أنه دين ذكوري ظالم للمرأة، سالب لحقوقهن، متطرف، إرهابي….إلى آخر هذه الاتهامات فأعلنَّ الهجوم عليه من خلال كتابات عنيفة، بل وقحة في أحيان كثيرة، تفتقر إلى الحد الأدنى من الموضوعية والحيادية. وقد أطلق بعض الباحثين عليهن اسم “النسوية الإسلامية الرافضة”، وفي نسب هؤلاء للإسلام ظلم؛ لأنهن يعلنَّ صراحة تبرؤهنَّ من الإسلام نفسه، إذ تنطلق نسويات الرّفض لممارسة نوع من النقد “الهدمي”، بلغة لا تخلو من العنف اللفظي والغضب الهائج، بل الخروج لدى بعضهن عن منطق النقد ولغته.

يتميز خطاب النسوية الإسلامية كما تعلن صاحباته بمزايا عدة منها:

  • أنه خطاب يؤمن بالنص الديني، لكنه يرى أن المشكلة في التفسيرات الذكورية له.
  • خطاب نقدي إصلاحي، هدفه تصحيح المفاهيم المغلوطة، والدفاع عن الإسلام.
  • هدف النسوية الإسلامية دمج النساء في المجتمع، وعدم تهميشهن، ومن ثَمَّ المساهمة في البناء الحضاري كما أمر الله.
  • الخطاب النسوي الإسلامي خطاب حر، واثق، يؤمن بإمكانات المرأة، وبقدرتها على الفهم والتطبيق.
  • منضبط بالمرجعية الدينية، ولا يحاول هدمها أو الانتقاص منها، بل يخضع لمقاصدها وإطارها العام.

لكن بنظرة عامة فإن أهم ميزة للخطاب النسوي الإسلامي برأيي هي محاولته استنطاق النص الديني بما يتوافق مع أفكار النسوية عامة، والتي تنكر وجود أي فوارق بين الجنسين، وكذلك لغته الهجومية على التراث وعلماء الدين والفقه والتفسير، بحجة ذكوريتهم. فالنسويات الإسلاميات يرون أنّ القرآن أكد المساواة بين سائر بني البشر، بيد أنّ الفقه الذكوري انتهك المساواة بين الرجل والمرأة والتي بلغت أوجها في القرن التاسع وتشبعت بدرجة كبيرة بالأفكار الأبوية التي سادت تلك الفترة.

فهذا الفقه الذكوري استطاع لي عنق الرسالة، وكان السبب في الوضع الذكوري للشريعة والمجتمع. وكذلك لم تسلم الأحاديث النبوية هي الأخرى من هذه المشكلة، كونها تظل في النهاية موضع تساؤل وبحث في صحتها ودقتها وصحة نسبتها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، بالإضافة إلى اقتطاعها في العديد من الأحايين من سياقاتها، ما يمهد لاستخدام العديد منها لدعم الأفكار الأبوية وتحويلها لممارسات شرعية تصبّ في النهاية في غير مصلحة المرأة حسب رأي النسويات المسلمات. ولذا تكمن أولويات النسوية الإسلامية في التعامل المباشر مع النص المؤسس للإسلام، وهو القرآن الكريم. وهناك من ركزت على البحث في القوانين الدولية الداعمة للشريعة، وبعضهن ركزن على الحديث الشريف.

من المهم التركيز على فكرة أن النسوية الإسلامية تحرص على بيان اختلاف توجهها عن مشروع الإسلام السياسي، وفكره المحافظ النمطي بشأن علاقات النوع الاجتماعي. كما أنها تؤكد على ابتعادها عن “سطحية وانغلاق الفكر السلفي”، وعن الفكر الأبوي التقليدي للمؤسسة الدينية الرسمية، والأجندة الليبرالية الغربية في توظيف واستخدامات استعمارية وعنصريةٍ، وعن الفكرة العلمانية المتطرفة التي تقصي المرجعية الدينية تمامًا في أمور قضايا المرأة وغيرها.

ورغم ادعاء النسوية الإسلامية التزامها بالأدوات البحثية في الاجتهاد والتفسير والأدوات الخاصة باللغويات، التاريخ، النقد الأدبي، الاجتماع، الأنثربولوجي.. إلخ. إلا أن النسويات الإسلاميات في مقاربتهن للقرآن أضفن تصوراتهن النسوية فقط، معللات غيابها في السابق بسيطرة التفسيرات الأبوية التي تتسم بالمركزية الذكورية.

الأساس النسوي له الأولوية عند النسويات الإسلاميات لا الإسلام، ولكن عندما تتقابل قضاياهن مع الإسلام يؤكدن على إسلامية توجههن.

من ضمن ما تعاني منه النسوية الإسلامية، أنها ردَّ فعلٍ على النسوية الغربية، لكن ردّ الفعل لا يمكنه المبادرة، وبالتالي لم تتمكن من صياغة رؤيةٍ خاصة متكاملةٍ. بالإضافة إلى عدم دراية النسوية الإسلامية بما تعاني منه المرأة المسلمة عموماً، سواء في البلاد الإسلامية أو بلاد الاغتراب، فالمرأة المغتربة مثلاً مشكلتها ليست مشكلة حقوق فقط لكن هناك أزمة العنصرية مثلاً، وأزمة خطاب الكراهية والإسلامفوبيا.

النسوية الإسلامية والنص الديني

لجأت الكاتبات النسويات إلى التعامل مع النص الديني تعاملاً خاصاً، فهن لم يكتبن تفسيراً كاملاً للقرآن ولا تفسيراً جزئياً مثل ما قامت به بنت الشاطئ أو زينب الغزالي، بل يخترن فقرات من القرآن ذات صلة بالنساء ويحاولن أن يكشفن عن طبيعة سياسية الجندر التي يقدمها القرآن من خلالها. وهناك مجموعة من النماذج لتعامل النسويات مع النص الديني مثل:

1 ـ التخريجات اللغوية:

كما فعلت لالا بختيار مع الضرب، وكذلك لم تستخدم لالا بختيار في ترجمتها الإنكليزية للقرآن كلمتي مسلم وإسلام أبداً، وإنما استخدمت كلمة أخرى بديلاً عنهما، وهي الطاعة. وأوضحتْ: “عندما نستخدم كلمتي “مسلم وإسلام” بالإنجليزية يجب أن نحدد قبل ذلك إن كانتا بحرف كبير أو صغير، وعندما نستخدم حرفاً صغيراً لسنا بالضرورة نشير إلى الطريقة التي نؤدي فيها الفروض ونتعبد، وإنما نشير إلى معنى آخر هو طاعة إرادة الله والخضوع لها.

فإذا خضع شخص لإرادة الله فإنه يتبع نهج طاعة الله، وهنا يكون المسلم هو الشخص الذي يطيع ربه”. وكذلك فعلت مع كلمة كافر فترجمتها بمعنى “العَقُوق أو الجاحد”. وقالت: “لأن القرآن عالمي ولكل إنسان، اخترت استخدام كلمة تقرّب الناس إلى الإسلام ولا تبعدهم عنه. وهذه ترجمة مختلفة تماماً عن كل الترجمات، فهذه كلمة مفهومة لجميع الناس من كل الأديان، …..والقرآن يوصينا أن نتحدث إلى الناس بلغتهم. وإذا أردت من الناس أن يفهموا الإسلام يجب أن تحدثهم بلغتهم”.

2 ـ القراءة القرآنية على ضوء الحديث:

فمثلاً تقرأ فاطمة المرنيسي آية الحجاب في سورة النور على ضوء الأحاديث النبوية وهي تعتمد رئيسياً على شرح البخاري فتح الباري للعسقلاني. وتوصلت إلى أن الحجاب أُسدِل بين رجلين، وليس بين رجل وامرأة. كان الحجاب بالدرجة الأولى حماية لحدود الرسول-الرجل، الذي يتخذ من الجامع (مكان عام) منزلاً له ولزوجاته (مكان خاص). يقال إن الفاصل بين غرفة عائشة وبين بهو الصلاة في الجامع كان عبارة عن ستارة، وكان بعض الناس يدخلون عليه من دون استئذان. ليس غريباً إذن أن يدافع الرسول عن خصوصيته.

3 ـ القراءة القرآنية في السياق التاريخي:

كما تفعل أمينة ودود التي تؤكد بأن الآيات القرآنية لا تُقرأ بمعزل من ذلك السياق. وتدّعي أسماء بارلس أن هذه القراءة تفتح آفاق الإمكانية لقراءة القرآن وفقاً للظروف المتغيرة، تقول أمينة ودود: “نحن نشهد حالياً حركة عالمية من أجل إصلاح قوانين الأحوال الشخصية الإسلامية لصالح المرأة. وفي ذلك تعتبر مراراً وتكراراً رسالة القرآن الأساسية الداعية إلى المساواة هي المرجع الأهم لهذا الإصلاح.

ولم يتسن في عهد النبي تطبيق هذه الأفكار الداعية إلى المساواة. وكذلك توجد مواضع في القرآن لا تتفق مع المساواة. ولكن على الرغم من ذلك ليس لأحد الحقّ في تطبيق هذه المواضع بصورة مطلقة. ولا يمكن لأحد الاستحواذ على القرآن – ولا حتى أن يجرِّده من سياقه التاريخي. ولكن في الحقيقة لقد نشأ الكثير من الناس في ثقافة كان يستخدم فيها القرآن من أجل تفسير الإسلام تفسيراً ضيِّقاً ومحدوداً، وأنا أعتبر هذا أمراً خاطئاً. فالتفسير لا يمكن أن يكون كاملاً قطّ. وإذا قال أحد ما إنَّ المعنى مُحدَّد إلى الأبد، فسوف أعارضه في هذا الرأي”.

4 ـ القراءة التفككية:

كما فعلت أسماء المرابط التي رفضت التعميم في قراءة الآية “إن كيدكن عظيم” في سورة يوسف وهي تصر على القراءة المقاصدية، وقراءتها تربط التصورات الأخلاقية الإنسانية العالمية بمُثل الإنسانية العليا في الإسلام. ولهذا ترفض المرابط التمِّيزَ في قانون الميراث، وتقول بأنه ما دامت العلة التي تقال في آية “للذكر مثل حظ الأنثيين” موجودة فلا مانع منه، لأن الأخ هنا مسؤول مادياً عن أخته، فذلك عادل رغم عدم التساوي ما دام يتكفل بها، ولكن تَطرح السؤال أين يُطبَّق هذا الآن؟ وتقول إن مشكلتنا اليوم أن علماءنا لا يحتكمون إلى الواقع، بل يظلّون لصيقين بالنص الحرفي، ولا يعترفون بحقيقة أن المجتمع  قد تغير، وأن النساء أصبحنَ يشاركنَ بشكل كبير في التدبير الأسري؛ تسأل: “فمن يتكفّلُ اليومَ بأخته؟ إنهم يعلّلونَ ذلك بأنها ستتزوجُ. وحتى وإن تزوجتْ، فهي مطالبة اليوم، بحكم مدونة الأسرة والإكراهات السوسيو- اجتماعية، المشاركة في مصاريف البيت مع زوجها، فهي إذن شأنها شأن أخيها الذي سيتزوج أيضا.

كل ما في الأمر، إننا مع تطبيق الآية بمفهومها المقاصدي، ومن استطاع التكفل بأخته فذلك أمر جيد، وإن لم يستطع، فليُعطها حقّها. وهنا تجدر الإشارة أن من يلوم على عدم المساواة في قانون الميراث الإسلامي هم أنفسهم يُسِنّون قوانين لإرغام الزوج السابق على نفقة زوجته المطلقة. وفي هذه الحالات كثيراً ما تنقلب القرءات المقاصدية إلى قراءات على هوى النفس”.

النسوية الإسلامية والفقه

تقول الباحثة في شؤون المرأة ريتا فرج: “المرأة التي صنعها الفقه التقليدي تعدد الزوجات، الحضانة، الميراث، بنى عدّته على منظومة أبويّة صلبة تجاه النساء، فهو لم يرَ في المرأة إلا صورة الجسد، في وقتٍ ساوى النصّ القرآني بين الرجال والنساء”. وفي كتابها “امرأة الفقهاء وامرأة الحداثة.. خطاب اللّامساواة في المدوّنة الفقهيّة” تفرّق ريتا فرج بين ما تسميه الإسلام القرآني والإسلام الفقهي، وتصف النبيّ صلى الله عليه وسلّم بأنّه “النبيّ النّسويّ”، وتتحدث عن تيار “النّسويّة النبويّة” الذي كانت تقوده عائشة رضي الله عنها وتصف أمّ سلمة رضي الله عنها بأنّها رائدة النّسويّة النّبويّة. ثم تتهم عمر بن الخطّاب بأنه مؤسس الذّكوريّة في الفقه التي ترسّخت في المذاهب الفقهيّة الأربعة فيما بعد.

وهذا الذي تقوله ريتا تردده كثير من النسويات الإسلاميات، إذ يرون أن الفقه “الذكوري” هو الذي حط من قيمة المرأة وقدم الأعراف والتقاليد على النص الديني. ويقولون إن الفقه الإسلامي منتَج بشريّ، وإنّ الفقهاء إنّما كتبوه بناءً على ميولِهم الشخصيّة، ورغباتِهم الذّكوريّة، لذلك لابد من العودة للنص القرآني وإنتاج فقه نسوي يناسب العصر ويساوي بين المرأة والرجل.

وهذا الاتهام فيه تجني كبير برأيي، فالمرأة كانت موجودة دائماً، وتواجدها كان له أشكاله المختلفة، مثلاً هناك مخطوط لكتاب صحاح الجوهري مكتوب بخطّ جميل لامرأة تسمى مريم بنت عبد القادر، من أواخر القرن السادس الهجري، وقد كتبت في ختامه “أرجو من وجد فيه سهوًا أن يغفر لي خطئي؛ لأني كنت بينما أخط بيميني كنت أهزُّ مهدَ ولدي بشمالي”. وذكر ابن سعد في كتاب “الطبقات الكبرى” كثيرًا من الصحابيات والتابعيات الراويات. وخصص ابن الأثير جزءًا كاملًا للنساء في كتابه “أسد الغابة”، وذكر ابن حجر العسقلاني في “تقريب التقريب” أسماء (824) امرأة ممن اشتهرن بالرواية حتّى مطلع القرن الثّالث الهجري، وأورد السخاوي في موسوعته الضخمة “الضوء اللامع لأهل القرن التاسع” أكثر من (1070) ترجمة لنساء برزن في ذلك القرن، معظمهن من المحدثات الفقيهات الّلواتي اشتغل كثير منهن بالتّفسير والفقه.

لكن عدم اشتغال المرأة بالفقه والتّفسير لا يحمل مسؤوليته العلماء، لكنها منظومة اجتماعية، وظروف سياسية، وخصوصية أنثوية، فالمرأة بطبعها مشغولة ببيتها وأولادها، واهتمامها بالعلم وتحصيله، وقدرتها على الانقطاع لطلبه لا يقارن بما عند الرجل، ليس فقط من ناحية جسدية نفسية، بل أيضًا لأسباب اجتماعية سياسية تاريخية فرضت على المرأة عزلة لم تفرضها الحدة نفسها على الرجل. فالانحطاط الحضاري الّذي أصاب المجتمعات الإسلامية لم يقع وزره على الرجل وحده أو على المرأة وحدها، بل كان تأثيره واضحًا في المجتمع كله بأنظمته وعاداته وتقاليده وتحصيله العلمي وحتّى طريقة تعبده. ومع ذلك وفي أشد العصور انحطاطًا كان هناك عالمات فقيهات قارئات مفتيات، وقد خص ابن أبي الوفاء القرشي في كتابه الجواهر المضية بابًا صغيرًا لترجمة النّساء، واعتذر من أنه لم يقع له من العلماء النّساء من الحنفيات إلّا القليل جدًا من ترجماتهن، ورد سببه إلى أنّ مبنى حال النّساء على الستر والتعفف، إلّا أن تكون الواحدة منهن في مقر بيتها، مستغنية بعلماء بيتها، كزوج وعم وخال وجد وأب، إلى غير ذلك من الألزام… ثم قال: وقد بلغنا عن بلاد ما وراء النهر وغيرها من البلاد، أن في الغالب لا تخرج فتوى من بيت إلّا وعليها خط صاحب البيت وابنته وامرأته أو أخته”.

وقد قامت باحثة وأكاديمية ومستشرقة أمريكية تدعى روث رودد بتتبع مجموعة من التراجم والسير النّسائيّة، في محاولة منها لمعرفة حال المرأة المسلمة عبر العصور من خلال ما كتب عنها في كتب التراجم، فكان من المميز أن نقرأ قولها: “يدهش المرء حين قراءته لآلاف تراجم النّساء، بالدليل الّذي يتناقض مع مشاهدة النّساء المسلمات مهمشات، ومنعزلات، ويعانين من القيود المفروضة عليهن”، مضيفة: “إنني لست مسلمة، ولا أستدعي لهذا العمل عاطفة النسويات المسلمات اللاتي يدرسن التاريخ الإسلامي والمراجع الثقافية، كما لا أشعر أنني مضطرة للدفاع عن سجل الإسلام حيال مكانة النّساء، رغم أنني مدركة تمامًا أنه تم تصوير دور النّساء في المجتمع الإسلامي التقليدي بصورة سلبية للغاية لا تبررها الحقيقة التاريخية”.

وأخيراً:

يأخذ الحديث عن حقوق المرأة اليوم منحيين:

  • منحى دفاعي: يركز على تكريم الإسلام للمرأة، ويتجاهل المشكلات الكثيرة في المجتمع والتي تنعكس بتبعاتها على المرأة بشكل واضح، كالعنف، والظلم، وهضم الحقوق، وغياب تكافؤ الفرص، والحرمان من المشاركة في الحياة العامة…. إلخ، فيبدو كأنه يتحدث عن عالم فاضل متخيل، لا يوجد إلا في ثنايا الكتب.
  • منحى هجومي: يحمّل الإسلام وتعاليم الدين مسؤولية ما تتعرض له المرأة من مشكلات، ويخلط بين الدين والتقاليد والاستبداد وسوء الإدارة، ويتعامل مع الموضوع تعاملاً تجزيئياً، فيفصل مشكلات المرأة عن سياقها، ويصور المرأة مظلومة محرومة، تصارع مجتمعاً ذكورياً لا يرحم، يستبد باسم الدين ليسرق أحلام النساء بالحرية والعدالة والمساواة، وكأن الرجال في مجتمعاتنا لا يعانون، وكأن القوانين العاملة في المجتمع تعكس تعاليم الدين حقيقة.

إن هناك واجب على المسلمين والمسلمات اليوم لدراسة مشكلات المجتمع، ومنها مشكلات المرأة المسلمة، ودراسة الحلول المستمدة لها من القرآن والسنة، والتي تحقق الرؤية الإسلامية لمهمة المسلم والمسلمة في الحياة وهي العمران والاستخلاف بعيداً عن الأسر المعرفي الذي يُمارس على الفكر والرؤية الإسلامية للكون والحياة والتي تجعل المعيار المعرفي الغربي أساساً وقاعدة. ولا يجب التعامي عن مشكلاتنا، وخاصة ما يتعلق بالنساء، لكن بالوقت نفسه لا يجب أن يكون العلاج ذاته مشكلة، أو أن يكون الحل غير واقعياً ولا قابلاً للتطبيق، أو متأثراً بأفكار وتشخيصات عليها كثير من الملاحظات التي تُظهر تطرفها وتداعياتها الكثيرة الهادمة لا البانية.

المراجع:

  1. تعتبر الرجل حساباً بنكياً والمرأة عاملة منزلية، رشا دويدار، موقع رضيف 22، 19/5/ 2020.
  2. الثروة المشتركة بين الزوجين، رشا دويدار، موقع رصيف22، 22/ 1/ 2021.
  3. الرجولة المتخيلة، إعداد مي غضوب وايما سنكيرويب، دار الساقي، بيروت، ط1، 2002.
  4. القراءات النسوية للنصّ القرآني: سـؤال اللغة، منى علي علام، جريدة السفير، 2/ 11/ 2019.
  5. قراءة في المدرسة النسوية وتياراتها، سلمى عبد الستار أبو حسين، المركز العربي للبحوث والدراسات.
  6. القضاء على زواج الأطفال، مساواة، ورقة سياسات 2.
  7. ما الذي يجعل مطلب إصلاح قوانين الأسرة ضرورياً ولماذا الآن؟، مساواة، ورقة سياسات 1.
  8. المرأة وقضاياها، مجموعة مؤلفين، بيروت، ط1، 2008.
  9. المساواة في حقوق إنهاء الزواج، مساواة، ورقة سياسات 3.
  10. النسوية الإسلامية قراءة في النقد ونقد النقد، أحمد عبد الحليم عطية، مجلة الاستغراب، صيف 2019.
  11. النسوية الإسلامية ودورها في التنمية السياسية في فلسطين، خلود المصري، جامعة النجاح، 2014.
  12. النسوية الإسلامية: التنوع والتعقد والمستقبل لـ أم الفائزة، فيلابوراتو عبد الكبير.
  13. النِسوية الإسلامية: هل من تناقض في المصطلحات، غالية جلول، 26/11/2020، نُشر النص الأصلي بالإنكليزية في موقع EUROZINE.
  14. النسوية الإسلامية، مجموعة مؤلفين، مؤمنون بلا حدود، 2016.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط