بقرات الحجي والمنظمات والحكومة

أحمد وديع العبسي

966

هذا يا سادة يا كرام، كان يا مكان في هذا الزمان، في حكومة من حكومات هالبلد الفلتان، وفي بلدة نائية أكل عليها وشرب الزمان، كان الحجي عنده شوية بقرات، حليباتهم مناح بس كلفتهم عالية، يعني يادوب مطالعة القصة همها، ولكن كما يقال السترة أحسن من الفقر وانكشاف الحال، … والبقرة يلي ما بتغني بتستر .. الله يستر عليها ويحميها من العين.

وفي صبيحة ذات يوم فجأةً! كما يقول أصحاب الحكايات، يأتي موظف من وحدة من هالحكومات والتي لها المسؤولية الكاملة على رعاية هذه القرية النائية، وتدبير شؤونها والاهتمام بسكانها، جاء الموظف وقال: يا حجي ما رأيك أن تؤجر لنا البقرات مدّة ستة أشهر، والدولة تكفيك الاهتمام بهم وإطعامهم وتعطيك ما تتوقعه من أرباحهم، وتريحك من هم العمل والرعي وتأمين العلف الذي يرتفع ثمنه باستمرار …

ولأن الحجي ما بيفهم منيح الكلام المرتب والمنمق يلي بينكتب ع الورق وبيحكيه الموظف ردّ عليه متسائلاً:

يعني بدك تضمنِن .. ضمنك ياهن

رد الموظف: أي يا حجي بدها تضمنن الحكومة، لمدة ستة أشهر، ومنعطيك حق الحليبات ومنريحك من الشغل والتعب والتعتير …

بصراحة انبسط الحجي .. وقال للموظف موافقاً .. أي شو عليه، هدول البقرات بيطالعوا بالشهر بحدود كيت وكيت، وبعد المفاصلة اتفق الطرفان وتمّت عملية الإيجار أو الاستثمار، أو الضمان كما قال الحجي بطل قصتنا، أو ضحيتها لا فرق .. بالآخر تتضح الأمور.

وبعد فترة شهر، وإذا بالحجي يعلم أن الحكومة قد ضمنت أغلب البقر بالمنطقة، وضمنت أيضاً العديد من الأراضي الزراعية بمساحات منيحة وبمختلف القرى والبلدات التي تقع حول الضيعة، وطاش حجر الحجي بدو يعرف السالفة، إذ ليس من المعقول أن الحكومة الكريمة ستترك العمل على رعاية العباد، وتتفرغ لرعاية البقر وزراعة الأرض وتقليبها بالسماد، وليس من المعقول أيضاً أن المنتفعين في الحكومة سيتركون تجارة السلاح الآثار والمخدرات والعملة والعقار، وسيلتفتون للزراعة وحفر الآبار ورعي الأبقار. …!!!

ولم يدم الأمر المحيّر طويلاً، واتضح بعد فترة وجيزة أن هناك عدداً من المنظمات قد أتت بمشاريع لدعم المزارعين ومربي الحيوانات، عبر تأمين السماد والأعلاف ومصاريف حفر الآبار وتأمين التمويل للمشاريع الزراعية والحيوانية كنوع من دعم الاقتصاد المحلي وتشجيع الناس على البقاء في أراضيهم واستثمارها، وبدورها قامت الحكومة والمنتفعون من حولها باستغلال هذا الأمر ليكسبوا الأرباح وحدهم، بعد دفع القليل فقط من الأموال لأصحاب الأراضي والبقر المستحقين لهذا الدعم، والمنظمات قالت بأنها مضطرة للموافقة على القوائم التي ترسلها الجهات شبه المعنية بالأمر، وإلا لن يستطيعوا تنفيذ المشروع وسيخسرون دعمه ووظائفهم.

وهكذا يا سادة يا كرام عرف الحجي السالفة وكيف تم استغلاله دون أن يدري، ولكن لم يحزن كثيراً، لأنه وكما أخبرنا فإن الحكومة العتيدة، قامت بالتكويش على كل الدعم، والناس يلي ما ضمّنت بقراتها ما أجاها دعم .. وهيك تدار البلاد اليوم، والقصة هذه قصة خيالية، ولكنها ليست من الخيال، وإنما من الواقع الذي خيل العباد وأيّ خيلة!

والسلام ختام …

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط