تحضيرات العيد حاضرة في ذاكرة السوريين وشبه غائبة عن موائدهم

أميمة محمد

0 557

أميمة محمد |

تبدأ السيدات خلال الأيام الأخيرة التي تسبق عيد الفطر، الذي ينتظره الصائمون بعد صيام شهر كامل بالتحضيرات والتجهيزات على كافة النواحي، من صنع الأطعمة والحلويات المحببة وإعادة ترتيب منازلهنَّ وشراء حاجيات العائلة من لباس ولوازم وغيرها.

والأمر الأهم من بين تلك الترتيبات يكمن في تحضير الأكلات المفضلة لدى أفراد الأسرة والمرغوبة عندهم، التي تعدُّ من الطقوس الخاصة التي تشعرهم حقًا بقدوم العيد، فهي تتعلق بعادات وتقاليد المنطقة المنحدرين منها، فهي وسيلة لإدخال البهجة على قلوب أطفالهم واستقبالًا لائقًا لزوارهم.

وتختلف أصناف الحلويات بين مكان وآخر في المحافظات السورية، وكل يحبذ ذوقه والعادات التي نشأ عليها، ومع اختلاف الآراء تبقى طقوس تحضيرات العيد في ذاكرة السوريين ممَّن لم يتمكنوا هذا العام من إحيائها، فاكتفوا بالقليل منها حسب استطاعة كل عائلة.

تخبرنا (أم الحارث) وهي نازحة من ريف إدلب بأنها قبل نزوحها كانت تعتمد أسلوبًا يتبعه غالبية الأهالي في بلدتها وهو توزيع الحليب الذي تنتجه الحيوانات التي تربيها في آخر ثلاثة أيام من شهر رمضان بدون أجرة، وذلك لصناعة (المهلبية) وهي مكونة من الحليب المضاف إليه النشاء والسكر والقليل من ماء الزهر، وتحضَّر قبل يوم العيد وتوضع في البراد لتقدم باردة صباح العيد للزوار، وكذلك لأفراد الأسرة، فهي الأكلة المفضلة والمشهورة لديهم، إضافةً إلى أنواع الحلويات الأخرى من كعك العيد الحلو والمالح والمعمول والبرازق.

 

تتنهد (أم الحارث) تنهيدة طويلة وتقول لنا: “العيد بعد النزوح مختلف تمامًا عن السابق.” مضيفة بأنها لم تستطع هذا العام صناعة الكعك، وحبذت شراء القليل منه من السوق كون التكلفة أقل من صناعته بالبيت، واقتصرت في تحضيراتها بالقليل من المعمول (قراص بعجوة) بناءً على رغبة أطفالها.

اقرأ أيضاً: الفرات يحتضر.. والأهالي مغلوب على أمرهم

وبالانتقال للحديث مع (أبو الوليد) وهو من مدينة حلب، يسترجع لنا ما في ذاكرته من عادات وتقاليد كانوا يمارسونها وقفة العيد وصباحيته قبل مغادرة حلب، حيث يحمل العيد بالنسبة إليهم طابعًا خاصًا، يحاول إيصاله لأطفاله ليصنع البهجة في قلوبهم ويستذكر معهم طقوسه كل عيد بعد سنوات من التهجير.

 

فيحدثنا بأن أكلات العيد في حلب دسمة جدًا وأغلبها تعتمد على الكبب كالسفرجلية والسماقية التي غالبًا ما يُحضَّر معها نوع آخر من الكبب، أما في الوقت الحالي اختصرنا تفاصيل كثيرة وباتت السفرة على حسب القدرة المادية.

 

ويكمل حديثه بقوله: “تنتظر الأهالي في وقفة العيد سماع التكبيرات حتى ينطلقوا للأسواق لشراء مأكولات العيد من حلويات وكعك وتشكيلة المكسرات والفواكه، بحيث نأكل في كل يوم طبقًا جديدًا وطبخًا جديدًا، ليس في منازلنا فحسب، بل في بيوت الأقارب، فمن منا يجرؤ على رفض دعوة الجدة أو العم والعمة أو الخال والخالة.”

 

أما اليوم فيقتصر العيد على حد تعبيره، على التواصل مع الأقارب في شتى أنحاء المعمورة، نبدأها بالسلام الحار وغالبًا ما نختمها بالبكاء لقسوة الفراق، وعدم إدراكنا إن كنا سنلتقي مجددًا أم لا.

 

يختم حديثه قائلاً: “لست افتقد الطعام فحسب، فهذا أمر يعوض لكن ما لا يمكن تعويضه جولتنا مع أعمامي وأبنائهم من المقبرة لزيارة الأجداد وبقية الاقارب، فقد اقتضت العادة أن نزور بيوتهم كلها بيوم واحد ونحن أشبه بقافلة قرابة 30 شخصًا بين صغير وكبير.”

وإن كان أهل حلب يستقبلون العيد بأكلاتهم الشهيرة وتجمعاتهم، أيضًا في دير الزور الأمر ثمة أكلات خاصة، ففي صباحية يوم العيد تحضر أكلة تعرف عندهم بـ (الفورة) المكونة من الكشك واللوبية، بينما عند الغداء يُحضر (ثارود بامية باللحم) أو ثارود الدجاج المكون من خبز التنور المفرود في منسف وفوقه الرز والحمص والبصل والدجاج المسلوق وبجانبه اللبن، أما بالنسبة إلى الحلويات فلا تختلف عاداتهم كثيرًا عن إدلب وحلب وحمص، فالمعمول والكعك دائمًا في المقدمة، ولا يخلو الأمر من رائحة القهوة المرة المدقوقة بالمهباج، حيث يكون اجتماع الأفراد الكبار والصغار يوم العيد دائمًا عند كبير العائلة بحسب من التقيناهم.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

أما بالنسبة إلى أهالي حمص تقول السيدة فاطمة: “ينبغي علينا أن نحافظ على بهجة العيد ونفرح به، وبالرغم من كل المآسي التي تعرضنا لها إلا أنني أحاول قدر الإمكان الاحتفاظ بعادتنا رغم قسوة الظروف وغلاء المعيشة، فأقتصد ما استطعت بمكونات الطعام، فمثلًا أستعيض باللحمة الحمراء بلحوم الدجاج لصنع الكبة المشوية والصفيحة ومحشي اليبرق الأساسيات عند أهل حمص في يوم العيد، وكذلك الأمر من جانب الحلويات التي لا يمكن الاستغناء عنها كالمعمول بعجوة والكعك المالح.”

 

ويبقى الخلاف على المعمول بالسميد والمعمول بالطحين قائمًا بين نسوة أهالي الشام وأهالي إدلب الذين يفضلونه بالسميد غالبًا، بينما تتصدر البرازق الشامية سفرة العيد لشهرتهم بصناعتها وتفننهم بها، حيث كان سابقًا قرص البرازق كبيرًا وبدأ الناس بتغيير حجمه للأصغر، بالإضافة إلى الغريبة وأقراص المعمول بالجوز و بالفستق الحلبي وأكلات السوق كالبلورية والمبرومة والمدلوقة والوربات وكول وشكول التي كانت حاضرة على موائدهم، بينما ربما ستغيب تمامًا عن سفرة العيد لهذا العام لغلاء أسعارها وضعف الإمكانيات كما يقول من صادفناهم.

 

ولكل بيت ولكل بلد عاداته وتقاليده في طريقة الاحتفال بالعيد، خاصة في تقديم الحلويات وتجهيزها، والتي كانت تعدُّ شيئًا أساسيًا في الأعياد، فلا يخلو بيت منها، إلا أنها اقتصرت على الأشياء الأقل تكلفة هذا العام، فقد تختلف الأنواع المقدمة من مكان لآخر حسب طبيعة الثقافات والعادات وتبقى النكهة السورية في الأطعمة طاغية ومتفوقة على غيرها.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط