فاقم حق النقض الفيتو الروسي من حجم المعاناة لدى أهالي شمال غرب سوريا بتقليص المساعدات الإغاثية التي كانت تعد من عوامل الحياة وتأمين سبل المعيشة لديهم فاعتماد الأسر على ما يقدم لهم من مساعدات تقيهم حد الفقر الذي يجتاح المنطقة بسبب الحرب المستمرة وغلاء المعيشة وتدهور الحالة الاقتصادية بشكل عام.
“إداري في إحدى المنظمات : المنظمات تعاني من تقليص المساعدات”
قال عامل إداري في إحدى المنظمات العاملة في الشمال السوري(طلب عدم ذكر اسمه لأسباب خاصة): إن أغلب المنظمات تعتمد بشكل أو بآخر على الدعم الدولي المقدم من الأوتشا وبعض المنظمات تتلقى الدعم من أفراد حسب مرجعية تلك المنظمات فمنها من يتلقى الدعم من المشايخ والتجار ومنها من يتلقى الدعم من مغتربي وجاليات منطقة ما في المهجر طبعًا أغلب المنظمات لها برنامج شبه ثابت وتعمل على قسميّن
القسم الإغاثي وهو تقديم المساعدات بشكل مباشر للأفراد، والقسم التنموي الذي يقوم ببناء مشاريع تساهم في تشغيل اليد العاملة ضمن فروع مختلفة من تعليم وصحة ودعم نفسي وغيره.
ويسهم نقص الدعم الدولي بشكل كبير في تراجع الخدمات التي تؤديها المنظمات العاملة سواء في سوريا أو في منطقة تحتاج للدعم على مستوى العالم حيث أن العمل الإغاثي مسيس وبشكل مباشر وهذا يؤدي إلى انخفاض أو ارتفاع وتيرة ضخ الإغاثة، فعلى سبيل المثال تحاول روسيا جاهدة منذ أعوام أن توقف اتفاقية دخول المساعدات عبر معبر باب الهوى ومثال آخر انخفض مستوى الدعم بشكل ملحوظ بعد العام 2017 حيث قررت معظم الدول تجفيف الدعم القادم إلى سوريا وملاحقة المؤسسات والأفراد التي تقدم الدعم للسوريين وتأطير الدعم ضمن منظمة المنظمات المرخصة تحت ذريعة تجفيف منابع الإرهاب.
البديل الوحيد وضع قوانين تموينية تطبق على الجميع بلا استثناء وتوزيع موارد المعابر بشكل عادل بعيداً عن يد الفصائل العسكرية وتعديل بعض القوانين الناظمة للاستيراد والتصدير والأهم من هذا كله الاستقرار السياسي الذي يسمح للمستثمرين بإرساء المشاريع بعيداً بلا خوف. ووفقًا للأمم المتحدة، أدت الزلازل إلى نزوح 265,000 شخص في شمال غرب سوريا، وفاقمت محنة الفئات الضعيفة أصلًا من السكان الذين يقيمون في مخيمات مكتظة.
“خبير اقتصادي: أي انخفاض بحجم المساعدات سينعكس على المواطن بشكل مضاعف”
ونوه الأستاذ يونس الكريم محلل وخبير اقتصادي عن تلك العقبات التي تواجه الأهالي والمنظمات على حد سواء بقوله: إن الحقيقة أن المساعدات تلعب دوراً كبيراً ومهمًا من أجل تمويل العمليات الأساسية للمجتمع الذي يسكن في مناطق غرب الفرات سواء كانت الصحية أو التعليم حتى الأمور المعيشية وقد زادت الحاجة إلى تلك المساعدات مع ارتفاع مستوى التضخم الذي انعكس من الدولة التركية على الاقتصاد المحلي في مناطق غرب الفرات أو حتى التضخم القادم من مناطق النظام حيث بات يكثر الطلب على القطع الأجنبي لتمويل العمليات اليومية وشراء السلع والبضائع التركية بشكل رسمي أو بعض السلع المهربة من مناطق النظام وميليشيا قسد لذلك فإن أي انخفاض بحجم المساعدات سواء كانت المالية أو العينية هذا ينعكس على المواطن بشكل مضاعف من ناحية الاحتياجات الحالية ومنذ شهر شباط نتيجة التضرر الناتج عن الزلزال وهذا الأمر ألقى بظلال كبيرة على قدرة المواطنين السوريين بتأمين أبسط مقومات الحياة على توفير الخدمات الصحية و التعليمية إضافةً إلى أن هذه المساعدات تلعب دوراً اقتصادياً هاماً لاستقرار الحياة هناك لما لها من دور يمكن تلخيصها :
_أولاً تأمين السيولة للمشاريع الناشئة في مناطق غرب الفرات وبالتالي عندما تنخفض السيولة لدى المنظمات التي تعمل هناك سوف ينخفض الطلب على تلك المشاريع الناشئة التي يكون معظمها خدمية أو تصنيعية بسيطة بالتالي هذا الامر سوف يقود الى إغلاقها نتيجة عدم طلب السلعة وهذا الأمر يقود أيضاً إلى الفشل ،وفشل هذا الاقتصاد الذي يحاول أن يؤمن فرص عمل لأبنائه.
_النقطة الثانية عندما تنخفض المساعدات فإن كثيرًا من المنظمات سوف تُخفّض من عدد موظفيها الذين يفقدون رواتبها التي تشكل أحد أهداف المشاريع الاقتصادية الناشئة للمنطقة من خلال شراء السلع.
_أيضاً انخفاض أو توقف المساعدات الإنسانية فإن المجتمعات المحاذية لمجتمع غرب الفرات وهنا نقصد تركيا التي تعمل فيها نشاطات كثيرة لخدمة أنشطة هذه المنظمات التي تتلقى المساعدات وبالتالي هي الأخرى سوف تغلق أبوابها وهذا الأمر سوف يزيد من حدة الصراع من السوريين المقيمين بتلك المدن .
كل هذا يجعل أي ضغط على المجتمع المحلي بالمساعدات الإنسانية قد يخلق فجوة تترجم بعودة بإنهاء حالة السلم الهش بها و تجبر المواطنين لتأمين أساسيات الحياة والعودة إلى المليشيات المسلحة التي تعتبر هي أكثر الأعمال استقراراً في مناطق الحروب.
وبحسب الإحصائيات “هناك ما لا يقل عن أربعة ملايين شخص يعتمدون على مساعدات الأمم المتحدة للبقاء على قيد الحياة، بما في ذلك 2.8 نازح داخليًا يقيمون بشكل أساسي في خيام دون إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية.”
“الخوذ البيضاء: غياب الجدية في التعاطي مع الملف السياسي في سوريا”
قال الأستاذ أحمد يازجي عضو مجلس الإدارة في الدفاع المدني: إن التوظيف السياسي من قبل نظام الأسد لملف المساعدات الإنسانية دون أدنى اعتبار للقيم الإنسانية، جاء مستفيداً من الوضع الدولي الراهن وغياب الجدية في التعاطي مع الملف السياسي في سوريا، ويشكل هذا التوظيف عامل تهديد للوضع الإنساني في شمال غربي سوريا ويفرض شللاً وحالة من العطالة على عمل المنظمات الإنسانية، وغياباً للاستقرار في تدفق المساعدات المنقذة للحياة بما يهدد حياة أكثر من 4 ملايين مدني نصفهم مهجرون.
الاتفاق الأخير بين النظام والأمم المتحدة نقل موافقة عبور المساعدات الأممية عبر الحدود من صلاحيات مجلس الأمن إلى الاعتماد على موافقة النظام السوري الذي حصر العمليات الإنسانية عبر الحدود في معابر حدودية محددة لفترات زمنية محددة ودون أي ضمانات لاستمرار هذه الموافقة، مما يضع العمل الإنساني تحت تهديد مستمر بإيقافه. هذه الموافقة من النظام السوري المعروف بتاريخه في انتهاكه المستمر لحقوق الانسان، يدخل العمل الإنساني في شمال غرب سوريا في دوامة من التعقيد والروتين القاتل الذي سبق أن دفع السوريون ثمنه من أرواحهم خلال الزلزال المدمر، كما يضع هذا العمل الإنساني تحت تهديد مستمر لمبادئه السامية واستمراريته في تقديم الخدمات للمتضررين في شمال غرب سوريا
مسألة حجم التغير بالمساعدات ترتبط بالأمم المتحدة وعمليات التمويل والدول المانحة، ولا يوجد لدينا بيانات بهذا الصدد، يمكنكم التواصل مع الأوتشا هي الجهة المعنية، ولكن بالتأكيد هذه المساعدات لا تكفي أبداً في ظل الاحتياجات الهائلة للمجتمعات المتضررة.
وبحسب يازجي فإن الاحتياجات الإنسانية في سوريا تزداد بشكل كبير في ظل ضعف البنى التحتية، وغياب مقومات الحياة خاصةً في المخيمات، وتهديد الكوليرا حياة السكان، واستمرار الهجمات العسكرية وتهديدها استقرار السكان ومصادر دخله، ودخول فصل الشتاء والحاجة لمواد الدفئة.
كان نحو مليونا شخص يعيشون في مخيمات التهجير القسري قبل الزلزال المدمر، لقد زاد الزلزال من المعاناة. أصبح المزيد من السكان الآن مشردين، بلا مأوى وبدون إمدادات طبية للناجين.
وأشار السكان في سوريا بحاجة ماسة إلى كل شيء وهم يعيشون في كارثة إنسانية حقيقة، بحاجة للمساعدات المنقذة للحياة ولتحقيق الاستقرار والتعافي والتنمية المستدامة للمجتمعات المتضررة، لكن ما هم في أمس الحاجة إليه هو أن يوقف نظام الأسد وروسيا القصف والهجمات القاتلة، وهم بحاجة للعودة إلى ديارهم بأمان وكرامة، هم بحاجة للاستقرار، بحاجة لأن لحل سياسي حقيقي يحاسب فيه نظام الأسد الذي ارتكب الجرائم، بحاجة لأن يطلق سراح المغيبين في أقبية نظام الأسد….باختصار هم بحاجة للعدالة.
وشرح عن آلية عمل المنظمات لسد هذه الثغرة : تقليل الفجوة بالاحتياجات يحتاج لاستقرار ومشاريع تنمية مستدامة تحقق حالة من الاكتفاء للسكان وتكون عبر مبادرات ومشاريع تنموية اقتصادية إنتاجية توظف المساعدات بشكل صحيح لتحقيق هذه المسار الذي يحقق استدامة في الاستجابة الإنسانية بعيداً عن الاعتماد على المساعدات إلى كمالا نهاية.
وأضاف أنه قبل كل شي تحتاج أمر أساسي وهو الإرادة بالحفاظ على أرواح السكان، الخطط الاحتياطية موجودة لدى الأمم المتحدة ولا تطبقها بسبب البيروقراطية، ورأينا ما حصل بالزلزال الأخير وعدم اتخاذ الأمم المتحدة قراراً صحيحاً بإدخال فوري للمساعدات لنا كفرق بحث وإنقاذ واستجابة طارئة بسبب البيروقراطية، ما أثر على أرواح العالقين تحت الأنقاض.
يوجد دراسة قانونية تؤكد إمكانية إدخال المساعدات من قبل الأمم المتحدة ومنظماتها دون قرار مجلس الأمن، سوريا هي منطقة صراع فيها مناطق نفوذ تخضع لدول، وروسيا طرف في الحرب على السوريين فكيف يسمح لطرف في التحكم بمساعدات تدخل إلى مناطق خارج نفوذه، كما يمكن للأمم المتحدة الاعتماد تعتمد على المنظمات المحلية والتي أثبتت جدارتها وتستطيع إدخال المساعدات دون الحاجة لتفويض أممي عبر المعابر التجارية.
ونوه أن الإرادة في الحفاظ على أرواح ملايين السوريين وحياة أطفالهم، يجب أن تكون المحرك وكفى لصبغ الملف الإنساني بصبغة سياسة من قبل روسيا إن التركيز على احتياجات السوريين ونزع الصبغة السياسية عن العمل الإنساني في سبيل توفير مزيد من الموارد و وصول المساعدات الإنسانية المستدام إلى السوريون يجب أن يكون أولوية للمجتمع الدولي والأمم المتحدة ومؤسساتها، دون الخضوع للابتزاز السياسي في ظل وجود سند قانوني يعطي الأمم المتحدة الحق في إدخال المساعدات الإنسانية دون الحاجة للتصويت في مجلس الأمن الدولي، بما يضمن استجابة سريعة وفعالة للمجتمعات المتضررة.
تقليص المساعدات وتفاقم الأزمة بحسب منظمات أممية
وفي إحصائية لمنظمة الأوتشا: فإن هناك 3.4 مليون شخص نازح داخليًا مع ازدياد من 2.9 مليون شخص في العام الماضي وما يقارب من نصف الأشخاص ذوي الاحتياج البالغ عددهم 4.2 مليون شخص أطفال، ويعيش الكثير منهم في مخيمات مكتظة. كما يحتاج 89% من الأطفال في شمال غرب سورية إلى المساعدة في الحماية.
ومع استمرار دعم التعافي المبكر لتلبية الاحتياجات التي طال أمدها. وقد تمّ نقل أكثر من 31,000 أسرة من الخيام إلى وحدات سكنية (مأوى كريم) على مدى العامين الماضيين.
وتواجه الاستجابة عبر الحدود أسوأ أزمة تمويل في تاريخها. فقد تمّ تعليق الوظائف الحيوية لتسعة مستشفيات بشكل مؤقت في العام الماضي بسبب نقص التمويل.
ويعتبر معبر باب الهوى الشريان للمناطق المحررة شمال غرب سوريا والتحجيم في تقديم المساعدات سيزيد الكوارث الصحية والغذائية والخدمية للسكان، الذين يعتمدون على المساعدات بشكل أساسي في معيشتهم.
تمديد فترة دخول المساعدات الإنسانية إلى شمال غربي سوريا
ويوم أمس كشفت مصادر في الأمم المتحدة عن قرار حكومة الأسد بالموافقة على تمديد التصاريح الممنوحة للأمم المتحدة لإدخال المساعدات الإنسانية إلى شمال غربي سوريا، باستخدام معبري “باب السلامة” و”الراعي”، لمدة ثلاثة أشهر إضافية.
في بيان صحفي، أكد نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة، “فرحان حق”، أن عمليات الأمم المتحدة عبر الحدود تعتبر شريان حياة لملايين السكان في شمال غربي سوريا، حيث يتلقى الناس شهرياً المساعدات والخدمات الحيوية التي تشتد الحاجة إليها، ويصل عدد المستفيدين منها إلى 2.5 مليون شخص.
ومع تصاعد الأزمة الإنسانية، طالب الائتلاف الوطني السوري المجتمع الدولي بإيجاد آلية منصفة تمنع تسييس القضايا الإنسانية وتضمن دخول المساعدات بشكل آمن ودون تمييز للمحتاجين في جميع مناطق سوريا، مع وجود نظام رقابة لضمان التوزيع العادل.
هذه التطورات تؤكد التحديات الكبيرة التي تواجه الجهود الإنسانية في سوريا، وتعزز دعوات لمعالجة الأسباب الجذرية للأزمة من خلال دعم العملية السياسية وتطبيق قرارات مجلس الأمن لإيجاد حلول قابلة للتطبيق والاستدامة.