في مشهد مفعم بالعاطفة والحنين، استقبلت مدينة حمص القافلة الثانية من الأسر السورية المهجّرة قسريًا، العائدة من مخيم الأزرق في الأردن، وسط أجواء احتفالية اتّسمت بالزغاريد والأهازيج التراثية التي تعكس فرح الأهالي بعودة أبنائهم بعد سنوات من الغياب القسري.
وجاء تنظيم القافلة الجديدة في إطار مبادرة “العودة الطوعية”، بالتنسيق بين مؤسسة وقف فرح ومحافظة حمص، حيث أوضح يحيى الرفاعي، ممثل المؤسسة، أن هذه الخطوة تأتي استكمالًا للجهود التي بدأت سابقًا لإعادة العائلات السورية من مخيمات اللجوء إلى مناطقهم الأصلية، مؤكدًا أن المؤسسة تسعى لتأمين ظروف إنسانية ومعيشية ملائمة للعائدين.
وأشار الرفاعي إلى أن التنسيق جاء عقب زيارة ميدانية إلى الأردن أجراها مؤسس المؤسسة، الدكتور محمد رهيف حاكمي، هدفت إلى تسهيل إجراءات العودة وتعزيز سبل الاستقرار للعائلات المهجرة.
وضمّت القافلة 235 أسرة، أي نحو 730 شخصًا، تم تهجيرهم قسرًا من محافظة حمص خلال سنوات الحرب. وقد تم تأمين عودتهم بحافلات مجهّزة، ترافقها شاحنات خاصة لنقل الأمتعة والأثاث، ما يعكس حرص القائمين على المبادرة على تأمين انتقال سلس وكريم للعائدين.
ولدى وصول القافلة، قامت مؤسسة “وقف فرح” بتوزيع سلال غذائية وملابس على جميع أفراد العائلات العائدة، في خطوة تهدف إلى تخفيف الأعباء المعيشية عنهم ومساعدتهم في خطواتهم الأولى نحو إعادة الاندماج في مجتمعاتهم المحلية.
وتزامن وصول القافلة مع حملة شعبية إلكترونية تحت وسم “قافلة العودة”، شهدت تفاعلًا واسعًا من السوريين في الداخل والخارج، حيث عبّر كثيرون عن تضامنهم مع العائدين واعتبروا الخطوة رسالة وطنية تتحدى مرارة النزوح، وتجدد الأمل في عودة المهجرين إلى وطنهم.
وفي سياق متصل، كانت محافظة حمص قد استقبلت، في وقت سابق، دفعة من نحو 80 عائلة قادمة من مخيم زوغرة في ريف جرابلس شمالي حلب، ضمن مبادرة إنسانية أطلقها نادي الوثبة الرياضي تحت اسم “قافلة العز”.
وقال رئيس النادي، نجيب الفرا، إن هذه المبادرة تأتي انطلاقًا من الدور الاجتماعي والإنساني الذي يضطلع به النادي، مضيفًا أنه تم العمل على تأمين نقل العائلات التي لم تكن تملك القدرة المالية على العودة إلى ديارها.
من جانبه، عبّر أسامة الجنيد، منسق القافلة، عن امتنانه لإدارة نادي الوثبة، مشيرًا إلى أن التعاون أثمر في تمكين العشرات من العائلات من تحقيق حلم العودة بعد سنوات من المعاناة في ظروف قاسية داخل المخيمات.
وعبّر العائدون عن مشاعر مختلطة من الفرح والحنين والحزن، حيث قال عبد الرحيم البقاعي، أحد سكان حي الوعر، الذي أُجبر على مغادرة المدينة قبل سبع سنوات:
“لا توجد كلمات تصف ما أشعر به.. عدت إلى الأرض التي كبرت فيها، وبين الناس الذين أُجبرت على فراقهم ذات يوم.”
كما وصف الدكتور خالد أبو زيد، وهو صيدلاني عاد ضمن القافلة، لحظة الوصول إلى حمص بأنها “لحظة لا تُنسى”، مطالبًا بتسريع عودة باقي العائلات العالقة في المخيمات، ولا سيما في مخيم زوغرة، حيث لا تزال أوضاعهم الإنسانية حرجة.
تسلّط هذه المبادرات الإنسانية الضوء على استمرار معاناة المهجرين السوريين في الخارج، وتؤكد على أهمية تكثيف الجهود المحلية والدولية لضمان عودتهم الكريمة، بعيدًا عن التسييس أو الابتزاز الإنساني، وعلى ضرورة توفير البنية التحتية والدعم اللازم لإعادة اندماجهم في وطنهم بأمان واستقرار.