خيارات الأكثرية والأقليات

أحمد وديع العبسي

0 604

يبدو العنوان بعيدًا عن أي صيغة وطنية، إذ يفترض في بلدان المواطنة التي نطمح إليها أن تصبح هذه المصطلحات طيّ النسيان، وأن تكون خيارات الشعب مبنية على أساس دستوري قانوني يحترم كل ثقافته بعيدًا عن هذا المنطق، ولكن لماذا يبقى هذا الموضوع مطروحًا؟!

عاش السوريون استبدادًا طويلاً بأقلياته وأكثريته، وكان هذا الاستبداد يمارس حينًا باسم الأقليات، وأحيانًا أخرى عن طريق اضطهاد الأقليات، ممَّا جعل الأكثرية دائمًا تتخوف من وصول أقلية أخرى إلى السلطة تُعيد ممارسة الاستبداد السياسي بدعم دول خارجية عادة ما تفضِّل الاعتماد على الأقليات لفرض هيمنتها على الدولة ومواردها، كما جعلت الأقليات في خوف من وصول أقلية واحدة أو الأكثرية إلى السلطة بسبب التهميش والاعتداء الذي تمت ممارسته عليها في الفترة السابقة.

المشكلة أن الأقليات تجنح اليوم إلى سلطة متوازنة من وجهة نظرها، وهي التي تضم الجميع بشكل متكافئ، وهو مالا يتفق مع منطق الأكثرية التي ترى أنها ستكون مظلومة تمثيليًا ودستوريًا فيما لو استطاعت الأقليات إنفاذ رؤيتها.

الأكثرية ترى أن الوسائل الديمقراطية كافية لها لتحقيق ما تريده، فهي تشكل 75% من مجموع الناس، وهي نسبة كافية لها لتحقيق ما تريده، بينما تحاول الأقليات فرض ما تراه عن طريق الاستقواء بالدول الخارجية، بحجة أن الديمقراطية في سورية بدون محددات دستورية تحمي حقوقها ستجعل الديمقراطية ظالمة، دون أن تلقي بالاً إلى أن الكثير ممَّا تطالب به الأقليات يحرم الأكثرية من كثير من حقوقها الأساسية في تحديد ما يريده الغالبية.

كثير من الإشكاليات تبرز هنا، المهم فيها أن تعلمَ الأقليات أن أي استقواء بالخارج هو استبداد بشع، وأن الحوار والنقاش مع أبناء الوطن الواحد هو الطريق الوحيد لتحصيل الحقوق بالإقناع من أجل بناء مواطنة حقيقية، وأن تعلمَ الأكثرية أنها يجب ألَّا تحاول إيجاد أجوبة جاهزة لمخاوف الأقليات قبل أن تستمع إليهم، وألَّا تحاول التماهي مع ضغوطات الدول، فممثلو الأكثرية في أي عملية تفاوض لن يستطيعوا إنفاذ ما لا يناسب الجماهير إلا لفترات مؤقتة سرعان ما تنفجر بعد أن تنشر الكراهية والاحتقان بين الناس.

علينا أن نصل إلى تمثيل حقيقي للجميع وفق مبادئ وطنية لا تصدر من الخارج، وتاريخ البلاد كفيل بإخبارنا أن الشعب السوري عاش منذ القدم شعبًا واحدًا قبل أن تفرّق بينه مصالح الدول التي هي حجرة الأساس بين إشكالية الأكثرية والأقليات.

المدير العام | أحمد وديع العبسي  

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط