رغم المنع والخوف.. “بتول” تخوض معركة التعليم سرًا

رؤى الزين

صورة تعبيرية
1٬298

 

في مدينة معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي، تلمع حكاية “بتول”، فتاة في السابعة عشرة من عمرها، تخوض بصمت معركتها ضد القيود التي كبّلتها من أقرب الناس إليها.

خلف جدران بيتها، وبين سكون الليل، تُشعل في قلبها نورًا لا يراه أحد، وتنسج من العتمة دربًا نحو الحلم.

قد لا تبدو قصة “بتول” استثنائية للوهلة الأولى، لكنها تروي جانبًا خفيًا من معاناة فتيات كثيرات في مجتمعات ترى في الطموح عبئًا، وفي الاجتهاد خطرًا. في بيئة يغيب عنها الدعم النفسي وتُهيمن عليها المخاوف التقليدية، تصبح الكتب أعداء، والتعليم لعنة، والحلم ترفًا ممنوعًا.

ومع ذلك، قررت بتول أن تُجرب، أن تخدع الواقع قليلًا، وأن تسرق وقتًا من الليل لتكتب سطور مستقبلها.

البيت الذي صادر كتبها

بدأت حكاية بتول منذ أن أبدت شغفًا مبكرًا بالدراسة. إلا أن حادثة قديمة وقعت لأحد أقاربها، حيث أُصيب شاب من العائلة باضطراب نفسي بعد ضغط دراسي شديد، وتطور هذا الاضطراب حتى الجنون. تركت تلك الحادثة أثرًا عميقًا في وجدان العائلة، فربطت العلم بالخطر، والإجهاد العقلي بالمرض.

اقرأ أيضاً: جدل في مصر بعد حرمان طلاب سوريين من الامتحانات

في لقاء خاص مع صحيفة “حبر”، قالت بتول: “حين بدأت أُظهر تفوقًا في دراستي، صاروا يخفون كتبي، ويدّعون أنني قد أُصاب بالجنون مثل قريب العائلة، لكنني كنت أشعر أن الدراسة هي الشيء الوحيد الذي أملكه لأغيّر حياتي”.

امتحان التاسع سرًا

لم تستسلم بتول للضغوط، بل وجدت طريقها لتقديم امتحان الصف التاسع دون علم عائلتها. استعانت بجارتها التي كانت تشجعها سرًا، وكانت تستعير منها الكتب لتدرس بها خلال زيارتها اليومية، وساعدتها في التسجيل للامتحان النهائي.

استخدمت بتول الحيلة على أهلها في أيام الامتحان، فكانت تذهب إلى مركز الامتحان بثياب المنزل حتى لا يُكشف أمرها.

تضيف: “ذهبت للامتحان بحجة زيارة جارتي. كنت أرتجف، ليس خوفًا من الأسئلة، بل من انكشاف أمري”.

ورغم كل الظروف المحيطة بها، حصلت بتول على معدل جيد جدًا، مما جعلها تتمسك أكثر بحلمها، ولو من خلف الستار.

قبو الأحلام

في وقت يكون فيه الجميع نيامًا، تبدأ بتول دراستها في قبو مهجور خلف منزلها. هناك، وبمصباح يدوي صغير، تدرس لساعتين يوميًا، من الثانية فجرًا حتى الرابعة.

تقول: “أحفظ حوالي 70 صفحة كل ليلة، ثم أراجعها ذهنيًا وأنا أساعد أمي خلال النهار. القبو صار عالمي، مدرستي، ومكان راحتي”.

خداع إيجابي

طورت بتول استراتيجية ذكية لتجنّب شكوك أهلها؛ فهي تتظاهر باللامبالاة، وتتصرف كأنها تخلّت عن فكرة الدراسة تمامًا.

تقول: “صرت أُظهر وكأنني نسيت كل شيء عن الدراسة، أساعد أمي، أشارك في الحديث معهم، وأتجنّب الجدال… لكن ذهني في مكان آخر تمامًا”.

حلم لا يموت

رغم كل ما تواجهه، ترفض بتول التخلي عن حلمها بالحصول على شهادة الثانوية العامة، ومن ثم دراسة الطب النفسي، لتُساعد من يعانون مشكلات وأمراضًا نفسية.

تقول: “رسالتي لكل فتاة في حالتي: لا تستسلمي. نحن نولد أحيانًا في أماكن خطأ، لكن يمكن أن نصنع الطريق الصحيح بأنفسنا”.

قصة “بتول” ليست مجرد تجربة فردية، بل صرخة صامتة باسم كل فتاة تُحرَم من حقها في التعليم، وتُجبر على دفن أحلامها في الظلام. لكن، كما أثبتت بتول، فإن للعلم ضوءًا لا يُطفئه خوف، ولا تمنعه قيود.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط