على الرغم من الانخفاض الحاد في أسعار السيارات في سوريا بنسبة وصلت في بعض المناطق إلى 80%، يعاني سوق السيارات من ركود كبير، وسط عوامل معقدة تتعلق بفقدان الثقة بالمركبات المطروحة، وعوائق قانونية وفنية، إلى جانب تدني السيولة لدى المواطنين.
وكان سوق السيارات قد شهد انتعاشاً مؤقتاً وغير مسبوق عقب إسقاط النظام السابق، حيث تحركت عجلة البيع والشراء بعد سنوات من الجمود، إلا أن هذا النشاط تراجع بشكل ملحوظ مع دخول شهر آذار، رغم تراجع الأسعار بنسبة تراوحت بين 50% إلى 70%، بحسب ما أفادت به مصادر اقتصادية متطابقة.
أسباب الركود: وفرة العرض وفقدان الثقة
ويقول مصطفى الشعراني، وسيط تجاري في مدينة سلمية بحسب موقع شام إن الركود الحالي في السوق يعود إلى تجاوز العرض للطلب نتيجة فتح باب الاستيراد وخفض الجمارك، ما دفع العديد من الراغبين بامتلاك سيارة إلى الشراء مبكراً.
وأضاف الشعراني أن “الأسواق أغرقت بسيارات مستوردة من إدلب وسرمدا بعد التحرير، بمواصفات مغرية وأسعار تتراوح بين 8000 و15000 دولار، لكنها في الحقيقة كانت تُباع قبل ذلك بأسعار لا تتجاوز 2000 إلى 5000 دولار”، وهو ما أثار شبهات حول جودتها ومصدرها.
وأشار إلى أن معظم هذه السيارات غير نظامية، حيث تفتقر للشهادة الجمركية الرسمية، وبعضها يحمل صفات مثيرة للريبة مثل “لفة حلال” أو “مقصوصة”، ما يشير إلى أنها إما غنائم حرب أو مركبات تم تجميعها من قطع مستعملة دون إجراءات قانونية، وهو ما يجعلها غير قابلة للتسجيل أو نقل الملكية إلا في مواصلات إدلب، الأمر الذي يعرقل عملية البيع والشراء بشكل كبير.
أعطال مكلفة وفساد في الاستيراد
وبيّن الشعراني أن العديد من السيارات القادمة من تلك الأسواق تعمل على الديزل، ما يزيد من كلفة إصلاحها بشكل يفوق في بعض الأحيان سعرها الفعلي، مما يدفع الزبائن للعزوف عن الشراء.
من جانبه، كشف الحاج سليمان مبارك، شريك في معرض سيارات كبير في مدينة حماه، عن فساد في استيراد السيارات عبر معبري نصيب وباب الهوى، حيث تم إدخال سيارات تعرضت للغرق في فيضانات الخليج خلال السنوات الماضية، وتمت صيانتها بشكل سطحي لإخفاء الأضرار، لكنها تعود وتظهر لاحقاً، ما يُكبّد الشاري خسائر كبيرة.
وأوضح أن مشاكل السوق لا تقف عند هذا الحد، بل تشمل أيضاً تعطيل عمليات نقل الملكية من قبل مديريات المواصلات، إلى جانب تقلص السيولة المالية لدى المواطنين، وهو ما فاقم الخسائر التي طالت أصحاب المعارض.
انخفاضات قياسية في الأسعار باللاذقية
وفي محافظة اللاذقية، وصل انخفاض أسعار السيارات إلى 80% مقارنة بالفترة التي سبقت إسقاط النظام السابق، وفقاً لما أكده عدد من تجار السيارات. فعلى سبيل المثال، انخفض سعر هونداي توسان من 750 مليون ليرة إلى أقل من 250 مليون، وسوناتا من 35 ألف دولار إلى 8000 دولار، وكيا سيراتو من 300 مليون إلى 85 مليون ليرة، مع استمرار التراجع في معظم الموديلات الأخرى.
قرارات حكومية تقلب السوق
وتُعزى هذه الانخفاضات إلى مجموعة من القرارات الحكومية المؤثرة، أبرزها:
تخفيض الرسوم الجمركية
إلغاء ضريبة الرفاهية
السماح باستيراد السيارات المصنّعة اعتباراً من عام 2010 فما فوق
إلغاء نظام الوكالات الحصرية
ووفق الخبير الاقتصادي والمستشار في وزارة الاقتصاد، الدكتور مازن ديروان، فإن هذه الإجراءات كانت حاسمة في كسر احتكار السوق وخفض الأسعار، مؤكداً أن الأسعار ستبقى عند مستوياتها المتدنية بفعل المنافسة القوية بين التجار والمستوردين.
وأضاف ديروان أن النظام السابق كان يقيد الاقتصاد المحلي بشكل خانق، مشيراً إلى أن تأثير تلك القيود كان أقسى من العقوبات الدولية التي طالما استخدمها النظام كـ”شماعة” لتبرير فشله في تحسين الواقع المعيشي للمواطنين.
مستقبل السوق مرهون بالثقة والإصلاح القانوني
وختم ديروان حديثه بالتأكيد على أن استقرار سوق السيارات السوري لا يرتبط فقط بانخفاض الأسعار، بل يعتمد بشكل جوهري على تحقيق الثقة القانونية والفنية في المركبات المتوفرة، وضمان سهولة التسجيل ونقل الملكية، إلى جانب استمرار خفض الضرائب والرسوم لتبقى السيارة حلماً ممكناً للمواطن السوري.