(قصي الشبيب) 29 عامًا من ريف حماة، شاب نازح يسلط الضوء على قضايا المهجّرين وساكني المخيمات عبر تطبيق (تيك توك) من خلال تصوير مقاطع فيديو قصيرة؛ لإيصال رسالة الناس وحالهم إلى العالم الخارجي.
نزح قصي من ريف حماة منذ عام 2013 باتجاه الحدود السورية التركية منطقة المخيمات (مخيم كفرلوسين ومخيم أطمة) التي أصبحت مشهورة على مستوى العالم والمنطقة بشكل عام في شمال سورية، حيث يوجد فيها 1475 مخيمًا بحسب الأمم المتحدة، ويعيش في أحد هذه المخيمات.
في عام 2013 كان يدرس في السنة الثالثة بكلية الهندسة المدنية بجامعة تشرين، وفي بداية الحراك الثوري كان اسمه ضمن قائمة الأسماء المطلوبة للنظام، فاضطر للهرب من الجامعة مع أصدقائه واتجهوا للمناطق المحررة. التصوير هواية قصي من قبل الثورة، حيث كان يصور فيديوهات لأصدقائه أثناء رحلاتهم ويمنتجها لتظهر بشكل احترافي ومميز.
بداية وصول قصي لمناطق الشمال السوري، بدأ بالتصوير بشكل عام من خلال تصويره تهجير ونزوح الناس من قراهم، وتوثيقها وإرسالها لمنصات أو جهات مهتمة بالثورة.
وفي عام 2019 عند تضخم النزوح بعد تقدم النظام وحليفته روسيا باتجاه مناطق جبل الزاوية وسهل الغاب، بدأ قصي بطريقة جديدة في التصوير والتوثيق من خلال تطبيقات أهمها تطبيق (تيك توك) الذي لاقى فيه انتشارًا واسعًا وشهرة؛ لسرعة انتشار الفيديوهات ووجود جمهور متابع لأحداث الناس في المخيمات.
قصي يتحدث لصحيفة حبر عن عمله وكيف بدأه على تطبيق تيك توك بقوله: “في عام 2019 بعد حملة النظام الأخيرة على ريفي حماة وإدلب، أصبح النزوح على شكل أرتال تمرّ عبر الطرقات، كان الطريق 3 كم يستغرق النازحون لقطعه مدة 3 إلى 4 ساعات، وفي هذه الفترة فكرت بطريقة غير اعتيادية لنشر الفيديوهات، فاتجهت إلى تطبيق (تيك توك) الذي به سرعة بانتشار الفيديوهات، ووجود جمهور متابع لأحداث الناس في المخيمات، وكانت طريقتي بالتصوير غير روتينية، حيث اتجهت إلى تصوير تفاصيل لم تصلها الكاميرات لحياة الناس بالمخيمات، فرأيت أنه يوجد اهتمام كبير من المتابعين لهذا المحتوى، مما زاد من عزيمتي وشجاعتي بالاستمرار لوجود آلاف التعليقات الإيجابية وملايين المشاهدات لفيديوهاتي، وتغير حياة بعض العائلات للأفضل عند مشاهدة الجمعيات للفيديوهات بعد انتشارها تواصلوا معي، وطلبوا مني الوصول إلى العوائل، ومن طبيعة عملي كل عائلة أصورها وأنشرها على التطبيق أرفق معها رقمها وعنوانها، ودائمًا أرى وجود فاعلي الخير ووصولهم للناس ومساعدتهم، وهناك من تغيرت حياته بشكل كامل، فمثلاً صورت مُسنة تبلغ من العمر 105 سنوات لديها ابنتين بسن السبعين لم تتزوجا وتيتمتا بعمر العشر سنوات، وهما معيلتان لوالدتهما، فنشرت فيديو لهما حقق ملايين المشاهدات، وتم مساعدتهم ببناء منزل لهم وتأمين كفالة شهرية وبعض الحاجات المنزلية، وهذا الأمر مفرح جدًا بالنسبة إلي ويشجعني دائمًا”.
وأضاف قصي: “أردت من خلال نشر الفيديوهات على تطبيق تيك توك أولاً سرعة الوصول، و الخروج من الوسائل المتداولة (فيس بوك، ويوتيوب)، وثانيًا تسليط الضوء على تفاصيل أعمق من التي نراها في الخارج، مثل طُرق الطبخ والأكل والشرب، وحر الصيف داخل الخيم وبرد الشتاء والطين، والخيم المهترئة التي ترممها النساء، وعدم وجود صرف صحي، ونقل المياه بشكل يدوي من مكان بعيد عن المخيم من قِبل النساء والكبار والفتيات، وصورت لحظات لا أنساها أبدًا في شتاء العام الماضي لرجل يحمل خيمته بعدما غرقت بالمطر والطين، كان يمشي بها ووراءه أولاده ويخرج من المخيم بدون أن يعرف إلى أين يذهب. وأيضًا صورت امرأة تحاول إطفاء جرة الغاز المنزلية أثناء تدريب للنساء على إطفاء الحرائق المحتملة الحدوث وكادت أن تحترق المرأة لكن المدرب أظهر حرفية عالية وتدارك الأمر بإبعادها وتعليمها الطريقة الصحيحة للإطفاء”.
ويتابع قصي حديثه لصحيفة حبر: “لاحظت من خلال الفيديوهات التي أنشرها وجود أناس في الخارج لا تعرف ما هي إدلب، ولا مأساة الناس في المخيمات، فهذه الفيديوهات توضح لهم جزءًا من الحدث ببلدنا وما تعرض له، ودائمًا نشر هذه الفيديوهات يوصل الصورة لكل شخص لم يشاهد مأساة وحال الشعب السوري، الذي خرج بثورة ضد النظام الحاكم، وأفضت إلى تهجير معظم سورية مقابل بقاء النظام على رأس حكمه”.
وعن وصع قصي الحالي يوضح: ” أنا متزوج ولدي ثلاثة أولاد، وبعد ثماني سنوات انقطاع عن الدراسة أكمل حاليًا دراستي في جامعة إدلب في كلية الهندسية المدنية”.
ويختم حديثه بقوله: “تصويري للعائلات وحالهم في المخيمات بدون مقابل هو مجرد واجب أخلاقي وإنساني تجاه أبناء بلدي، وأحيانًا أقطع مسافات طويلة لأصل إلى عائلة لتسليط الضوء على حالتها، وهذه الأمور مكلفة، وأنا مستمر بالتصوير والتوثيق، وهذا وعد قطعته على نفسي أن أبقى إلى جانب هؤلاء الناس حتى رجوع آخر نازح إلى بيته”.