كشفت “مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا” عن بدء عدد من الفصائل الفلسطينية المرتبطة بالنظام السوري إعادة تموضعها خارج سوريا، في خطوة تعكس تغييرات تنظيمية عميقة تجري داخل هذه الفصائل، بالتوازي مع ضغوط أمريكية متزايدة على دمشق تطالب بطردها ومنع أي نشاط سياسي فلسطيني على الأراضي السورية.
طلب أمريكي مباشر لطرد الفصائل من سوريا
ووفقاً للمجموعة، فقد قدّمت الإدارة الأمريكية طلباً رسمياً للحكومة السورية يقضي بإنهاء الوجود السياسي والعسكري للفصائل الفلسطينية في سوريا، ووقف نشاطها بشكل كامل، وذلك ضمن ما وصفته واشنطن بـ”إجراءات بناء الثقة” في سياق حوار غير معلن مع دمشق.
اقرأ أيضاً: تحركات أممية لفتح قنوات التمويل الدولي لسوريا
ويأتي هذا التحرك ضمن رؤية أوسع تتماشى مع خطة الشرق الأوسط التي طُرحت خلال ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والتي تضمنت تصفية الملفات العالقة، وعلى رأسها ملف اللاجئين الفلسطينيين، عبر إعادة توطينهم خارج مناطقهم الأصلية، بما يتوافق مع المخاوف الأمنية الإسرائيلية من النشاط الفلسطيني في دول الجوار.
تفكك داخلي في صفوف الفصائل الموالية
وبالتزامن مع الضغوط السياسية، تشهد الفصائل الفلسطينية داخل سوريا تفككاً تنظيمياً واضحاً. فقد أعلنت “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة”، المقربة من دمشق، عن تعليق عضوية خالد جبريل، نجل مؤسس التنظيم، من اللجنة المركزية، متهمة إياه بمخالفات مالية وتنظيمية خطيرة.
وتداولت مصادر قريبة من الجبهة معلومات عن دراسة نقل مقرات التنظيم خارج سوريا، بعد تزايد الضغوط ووجود مخاوف من الملاحقات على خلفية الانتهاكات التي ارتكبها بعض عناصره خلال سنوات الحرب.
تحولات قيادية وهيكلية في فصائل أخرى
في السياق ذاته، أعلنت “حركة فتح الانتفاضة” عن عزل أمينها العام زياد الصغير لأسباب تنظيمية، مع قرار بنقل مقر الأمانة العامة إلى لبنان، بينما أجرى فصيل “قوات الصاعقة” تعديلات قيادية وصفها بـ”الهيكلية” لتكييف نفسه مع المشهد الفلسطيني الجديد، دون أن يصدر بيان رسمي يوضح طبيعة هذه التعديلات.
تفكك فصائل الحرب وانهيار المعسكرات
أما الفصائل التي نشأت خلال الحرب السورية، مثل “لواء القدس” و”حركة فلسطين حرة” و”حركة فلسطين الديمقراطية”، فقد تفككت سريعاً، في ظل فرار قادتها إلى لبنان، وسعي بعضهم لتسوية أوضاعهم مع السلطات السورية. وقد أُغلقت معسكراتهم، وتم سحب الأسلحة الثقيلة منها، مع السماح فقط بحمل السلاح الفردي داخل المكاتب في مخيمات اللاجئين.
سيطرة عسكرية سورية على مقرات الفصائل
وذكرت صحيفة “العربي الجديد” أن إدارة العمليات العسكرية في دمشق سيطرت على عدد من المقار التابعة للفصائل الفلسطينية، أبرزها مقر “قوات الصاعقة” في حي العباسيين، ومكتب أحمد جبريل الذي انتقل إلى ابنه “أبو العمرين”، إضافة إلى مقر العقيد زياد الصغير في ساحة التحرير، والذي كان سابقاً يُستخدم كمكتب للرئيس الفلسطيني محمود عباس.
تفكيك البنية العسكرية وتسليم المعسكرات
وبحسب مصادر مطلعة، تم إخضاع معسكرات “القيادة العامة” في سوريا لسيطرة الإدارة العسكرية السورية، مع فتح الباب أمام عناصرها للانضمام كمتطوعين في صفوف الإدارة الجديدة. وفي لبنان، قامت الفصائل بتسليم المعسكرات والأنفاق إلى الجيش اللبناني، في خطوة تُعد بمثابة نهاية لبنية الفصائل المسلحة خارج إطار الدولة.
بداية مرحلة جديدة في العلاقة السورية-الفلسطينية
تعكس هذه التحولات بداية مرحلة جديدة في العلاقة بين الدولة السورية والفصائل الفلسطينية، خصوصاً تلك التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالنظام خلال العقود الماضية. ويبدو أن دمشق تتجه نحو إعادة هيكلة الملف الفلسطيني داخلياً، بما يتماشى مع متطلبات إقليمية ودولية، أبرزها ضبط السلاح غير الشرعي، وإعادة صياغة التمثيل السياسي الفلسطيني داخل البلاد.
كما تُشير هذه التطورات إلى تراجع الدور السياسي والعسكري للفصائل الفلسطينية داخل سوريا، لصالح سلطة مركزية تسعى للظهور أمام المجتمع الدولي كدولة ضابطة لمجمل الفاعلين على أراضيها، تمهيداً لعودة تدريجية للعلاقات مع الأطراف الإقليمية والغربية.