عام جديد على عهد الحرية

أحمد وديع العبسي

0 638

 

في حارات حلب، وبين أزقة دمشق القديمة، وتحت أشجار الزيتون في إدلب، وعلى رداين نواعير حماة، وفوق جسر دير الزور، وفي قلب درعا، وكل المدن السورية وبلداتها وقراها تلمّس الناس أهداب الحرية، فأحرقوا أصابعهم، وعندما أصابتهم فتنتها، رمُوا أنفسهم في أوار عشقها، فسُكبت دماؤهم في سبيلها رخيصةً على يد الطغاة الذين اعتادوا وضع الحرية في زنازينهم وقتل كلّ الذين يفكرون في الوصول إليها.

أشرق عامنا العاشر منذ أشرقت الحرية في داخلنا في هذا الشرق الكبير، الذي لا يمتلك من الوضاءة إلا بعض اسمها، وما دون ذلك فالظلام والعتمة والليل والطغيان، كأن عيون الناس هنا قد فقأها القهر والجوع والاستبداد والتشرد، فلا ترى إلا الرغيف، ولا تستشعر حاجة إلا لما يسدّ الرمق، ومن امتلك قوت يومه انشغل عن ضوء عينيه بنزوات نفسه وشهوات بطنه، فكيف استطاع حبُّ الحرية أن يتسلل إلى قلوبنا وسط زحمة القهر والذل والنزوات؟! الله وحده يعلم …

هذه هي الحرية التي وضعناها نصب أعيننا يوم صرخنا من أجلها منذ عشر سنوات، ما خبا بريقها، ولا تغير الإيمان بها، وهي اليوم في نفوسنا متقدةٌ بعزم الأيام الأولى، لا تنال منها هزيمة ولا يحط قدرها انكسار

أما وإنه قد حدث فهو شيء كالمعجزة التي أوجدت تاريخنا منذ أربعة عشر قرنًا، نحن الذين كنّا على هوامش الحضارة، وفي حاشية الزمان، صرنا متنه وصفحته الناصعة بالنور والبيان، وصارت الدنيا كلها ترجمانًا لرسالتنا العظيمة.

واليوم وعلى قدر تلك الغربة التي بدأت في جوف الصحارى تعود الرقاب لتتطاول باتجاه النور وتبعث رسالتها من جديد، وتعلن أنها ستستعيد الحرية البكر، فهي جذر الرسالة السامية وأصلها يوم دخلت قلوب ملايين الناس بعد أن كانت في قلب رجل واحد أودعها الله فيه.

ليس نضالنا في سبيل الحرية شيء نستطيع اختيار تركه، إنما هو قدر يلازم جباهنا الساجدة لربها، وأفئدتنا الساعية لرضاه، إمّا أن نبلغه أو نهلك دونه، ونحن الذين لم نخلق لشيء إلا لأجله، فليس في رسالتنا حياة بلا غايات عظيمة وأهداف كبيرة، وأسمى تلك الغايات وأعظم الأهداف هي إعادة الكرامة الإنسانية للناس جميعًا، ذلك الشيء الذي تميز به البشر، وكّرم الله به الإنسان (الحرية) إرادة الاختيار الخالصة، فبها وحدها امتلك الناس كلّ ما يُوجب نفاذها فيهم من عقل وقلب وحواس كريمة.

هذه هي الحرية التي وضعناها نصب أعيننا يوم صرخنا من أجلها منذ عشر سنوات، ما خبا بريقها، ولا تغير الإيمان بها، وهي اليوم في نفوسنا متقدةٌ بعزم الأيام الأولى، لا تنال منها هزيمة ولا يحط قدرها انكسار، وإننا لن نحيد عن هذا الطريق مهما طال به الزمان، فهو كما أسلفتُ غاية الخليقة وبغية الدنيا وعاقبة الآخرة حتى يرضى الله.

المدير العام | أحمد وديع العبسي  

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط