على حافة الانهيار.. هل يستطيع العالم استعادة نفسه؟

أحمد وديع العبسي

0 291

يُشكل وصول (بايدن) للبيت الأبيض نقطة ارتكاز جديدة قد يستطيع العالم من خلالها إعادة التقاط أنفاسه وتعديل أنظمته في وجه الاجتياح الواسع للتيارات الشعبوية والمتطرفة تجاه أنظمة السلطة والتأثير والإعلام وأدوات السيطرة الجديدة.

في عالم وسائل التواصل الاجتماعي لم تعد الخبرة تستطيع الصمود في وجه الدعاية، حتى في أكثر المناصب تأثيرًا  في العالم من حولنا، وقد شكل وصول (ترامب) للبيت الأبيض، و(جونسون) لرئاسة حكومة المملكة المتحدة، وتنحي (ميركل) عن السلطة استجابة لضغط التيار الشعبوي صدمة كبيرة لتوازنات المفاهيم النخبوية المسيطرة منذ قرن على أدوات السلطة في العالم، وهنا لا أحبذ استخدام لفظ النخب مجردًا عن الأطر النظرية التي كانت تحكمها في الفترة الماضية، لأن قناعات هذه النخب بدأت بالتغيّر، وبدأت تتشكل نخب جديدة محكومة بالأدوات التي تمت صناعتها لتكون وسيلة التحكم بالآخرين، وبالتالي فإن الأجيال الجديدة من أحفاد وأبناء أحفاد النخب المسيطرة في الماضي بدأت تعتنق قناعات وأفكار جديدة أكثر سهولة، وأقرب للتيار الشعبوي الذي يتعاظم شأنه يومًا بعد يوم في الغرب الأوروبي الأمريكي حيث تفعل الديمقراطيات فعلها.

اقرأ أيضاً | الديمقراطيات الواهية 

إن الخلطة التي توفرها الديمقراطية مع وسائل الدعاية وقوة الإعلام بدأت بإنتاج نخبة جديدة خارج السيطرة، فبعدما كانت هذه الخلطة هي أسلوب للسيطرة المنضبطة على الحكم من قبل النخب القوية التي أدارت المناخ الديمقراطي لسنوات طويلة، واستطاعت تحقيق التوازن بشكل جيد بين مصالح النخبة ومصالح الناس، بناءً على ضرورة الحفاظ على المنفعة المتبادلة، تبدو النخب الجديدة هوجاء لا تفكر إلا بمصالحها المؤقتة التي يُبنى عليها مصالح مؤقتة للناس أيضًا، ولكن مقابل انهيار كبير للمنظومة والعالم في الفترات المقبلة، إذا لم يتم ابتكار أساليب جديدة تحمي المجتمعات من طيشها.

بدأت تتشكل نخب جديدة محكومة بالأدوات التي تمت صناعتها لتكون وسيلة التحكم بالآخرين، وبالتالي فإن الأجيال الجديدة من أحفاد وأبناء أحفاد النخب المسيطرة في الماضي بدأت تعتنق قناعات وأفكار جديدة

لم تعد الكفاءات اليوم هي من يستطيع الوصول إلى مفاصل القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وإنما القدرة على الحشد والتأثير في هذه المجالات بات هو الفيصل، وبالتالي فإن من بدأ يتصدر الكثير من الأماكن المهمة هم (الأكثر تأثيرًا) وليس الأفضل أو الأكثر خبرة، مما يؤدي لاختفاء التكنوقراط بعد فترة من الزمن (قد لا تكون طويلة) مقابل تصاعد تيارات المحاصصة والطائفية بمعناها الواسع الذي يتبناه اليمين (المتطرف) المتنامي بشكل مطّرد مقابل قيم العدالة الغائبة.

لذلك ربما سيعاني العالم من انهيارات حقيقية في الفترة القادمة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، وستلجأ النخبة الجديدة للحروب لتغطية فشلها ورميه نحو أسباب خارجية، هذه الحروب ستوفر فرصة جيدة للتأسيس للأنظمة الجديدة التي ستكون إما أنظمة فوضى، أو أنظمة شمولية بحسب ما هو متوفر اليوم من معطيات.

طبعًا علينا فقط ألا نهمل هنا أن الانهيار القادم ليس بسبب تصاعد المد الشعوبي فقط، إنما بسبب ممارسات طويلة المدى لم تكن تركز على المصلحة المشتركة (الخيرية) للعالم بقدر ما ركزت على إدارة المصالح والمنافع ووصلت لنقطة حرجة بدأ ينعكس عندها تأثير هذا النظام غير المتكامل ضد نفسه، فعدم إدارة القيم والحريات استنادًا إلى الخيرية المشتركة والاكتفاء بإدارة المنافع هو ما أوصلنا إلى حافة الانهيار.

اقرأ أيضاً | الشعبوية والنخبوية وخيارات الجماهير 

والصمود في وجه هذه التيارات الشعبوية صار أمرًا مرهقًا بالنسبة إلى أصحاب الكفاءات والخبرات الحقيقية، لأنها حرب غير متكافئة، وحرب قاسية جدًا، التنحي جانبًا فيها قد يكون مكلفًا على المدى البعيد، ولكن المواجهة لن تؤدي لنتائج أفضل في نظر البعض، إذ إنها ربما ستعجل بهلاكهم فقط، أمام الضربات العنيفة لقوة المال والدعاية، ثم إن ميزان القوة الضاربة سيكون في أيدي الغوغاء في عالم يتجه لنهايته!

المدير العام

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط