فرزات والتعري، الّلافن واللاأخلاق  

أحمد وديع العبسي

0 1٬662

كرأي شخصي جداً لا أحب التعري في أي مجال، لا نصوصاً ولا رسوماً ولا فنوناً تشكيلية ولا ضراب السخن، وأنا معجب جداً وكثيراً بالثقافة الشرقية عموماً التي لا تستسيغ التعري ولا تندمج معه بأي شكل، وتحرّمه دينياً.

واعتقد أن ثقافة التعري أخرجت الأشياء من قيمها المجردة العالية لتضعها ضمن القيم الحسية الزائلة، فالرسوم المليئة بأجساد النساء العاريات لا تعبّر كما يقول (النقاد) عن رسائل عميقة للفن، بل تعبّر عن انحطاط وسطحية الفنان الذي لم يجد وسيلة لإيصال فنه سوى الأجساد العارية التي يستمتع الناس بمشاهدتها، وتسطح عقولهم عندما يحاولون النفاذ من خلالها إلى أعماق غير موجودة سوى في بيوت الدعارة ومزابل الحضارة.

طبعاً من شأن هذه الرسومات وغيرها من أنواع التعبير المتعرّي نشر هذه الثقافة، ليتحول المجتمع لاحترام هذه المزابل بدلاً من احتقارها، وإطلاق لفظ جريء على من يعبّر بهذه التفاهات بدلاً من وقح، ولفظ شجاع بدلاً من داعر.

المشكلة أن الثقافة الغربية مارست التعرّي في كل شيء حتى صار إحدى سماتها المميزة، بل ودليلاً على الحرية فيها، فلا يمكنك النفاذ كفنان أو صانع محتوى إلى تلك الحضارة إلا عندما تتعرّى، في نصوصك، رسومك، أفلامك، … أو أي شيء آخر تقوم به، تعرَّ جسدياً أو روحياً، تعرَّ من الأخلاق .. اشتم الأديان ,, تعرَّ من الضوابط الاجتماعية، الكل سينظر إليك بإعجاب، لأنك وقح، لأنك استطعت إخراج نزواتهم إلى السطح ليمارسوها في أي وقت، لأنك ساعدتهم على التخلي عن الفضائل المتعبة، وأرحتهم في جعل ثقافة القذارة سهلة ومقبولة إلى حد كبير.

والتعري دائماً يلفت الأنظار ويثير التناقض، وهكذا تصنع الشهرة بسهولة، لا تحتاج معها إلى كثير من الجهد والعمل، ومن السهل عند الانتماء لتلك الثقافة أن تنعت الآخرين بالغباء، وعدم فهم العمق الذي تود الوصول إليه من خلال العري الذي تمارسه، أو من خلال الشذوذ، أو من خلال الجريمة أحياناً عندما تشتم الآخرين أو تعتدي على أعراضهم لأنك حر ومتحرر وتمارس ثقافة الحرية التي تسمح لك بممارسة الرذائل كيفما شئت.

فرزات لم يفعل شيئاً سوى أنه عبر عن نفسه وعمقه ونقده الفريد الذي يليق بالنفايات العالقة في ذهنه حول التحرر والحرية، حرية لا تعترف بالأخلاق، ولا بصيانة الأعراض، ولا بحقوق الآخرين، حرية مليئة بالتعجرف والتكبر والفجور وقلّة الشرف وامتلاك الحق في شتم الناس مع عدم السماح لهم بالرد، ووصفهم بالجهلة والمتحاملين والجرابيع والمطبلين، والمتكلسين والمرتزقة …!!! وغير ذلك، فقط لأنه يحتكر فهم الحق والحقيقة، وهو أكبر من الانتقاد، ويحق له أن يعبر بحرية ولو كانت عارية من الأخلاق ومسيئة للناس. بينما لا يحق للناس التعليق على فنه سوى بالإعجاب والإطناب وهو دليل الثورية والتحرر، أمّا غير ذلك فيمكنك استعمال الأوصاف السابقة مع إضافة الخيانة والعمالة إن لزم الأمر، ففرزات هو الثورة والثورة هي فرزات على الورق، ولا يمكنك انتقاد فرزات إلا إذا كنت عميلاً تود تكسير أصابعه التي يرفعها في صورة البروفايل دليل على معاناته وتضحياته.

لا أستطيع أن أفهم أي عمق أو معنى لإنسان لم يجد وسيلة للتعبير عن ثقافته وانتقاده سوى في مؤخرة امرأة نصاً ورسماً، هل هو عمق في ثنايا الأمعاء الغليظة مثلاً! أم عمق في المرحاض وفي سراديب المجاري التي تفوح منها رائحة ثقافته المريضة وتعجرفه النتن!!، ربما الاثنين معاً، فالتعبير الذي قام به فرزات يحتمل كل هذا دفعة واحدة، فأنا كملايين الناس بسيط وسطحي جداً ولا أرى في هذه الصور والعبارات سوى القذارة وعمق تجذرها في نفوس من يستخدمون هذه الوسائل التعبيرية، أما الأعماق السريالية الأخرى فهي مهمة النقاد لا مهمتي.

 

وفي الختام لا يسعني إلا أن أقول .. تفي

 

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط