قوة المُسْتَضْعَفين

محمَّد ياسين نعسان

0 676

 

(قوة المُستضعفين) كتاب للأديب والمسرحي التشيكي (فاتسلاف هافل) الذي شغل منصب رئيس جمهورية التشيك بعد ثورة براغ، ويعدُّ (هافل) من المؤثرين بقوة في انهيار النظام الشيوعي.

في هذا الكتاب يضع (هافل) نظريته في الثورة، وكيف يرى الطريق للخلاص من النّظام الشّمولي والانتقال للنظام الديمقراطي، وذلك من القوة التي يمتلكها المُستضعَفين من الشعب. الكتاب يحمل فكرًا فلسفيًّا عميقًا ولا يمكن إيجازه بعدة سطور، لكن ما يعنينا منه تلك الأفكار التي تشعر وأنت تقرأ الكتاب بأنها تلامس ما عاشه المواطن السوري تحديدًا في ظلّ نظام شمولي يُعدُّ امتدادًا للأنظمة الشيوعية الديكتاتورية.

يدور الكتاب حول عدّة أفكار مهمة تصبّ جميعها في كيفية قيام الإنسان بثورة على النظام الشمولي، من خلال الانتقال من حياة الكذب التي خلقتها الإيديولوجيا المسيطرة على الفكر العام، التي هي من صنع السلطة وفرضتها على الشعب بالقوة، وكيف عليك بصفتك مواطن أن تتظاهر بأنك تصدِّق كل الشعارات المرفوعة في الدولة وأن تشارك في رفعها، فليس المهمّ عند النظام الشمولي أن تصدِّقَ ولكن المهمّ أن تعيش كأنك تصدِّق.

وبالفعل فقد كان النظام السوري يطبق هذه النظرية من خلال فرض شعارات البعث على كل فئات المجتمع، رغم علمه المسبق بأن الشعب لايصدق هذه الشعارات في الوحدة والحرية والاشتراكية وغير ذلك، ولم يسعَ النظام لإقناع الشعب بصدقها، لكنّه حرص على جعل الشعب يتظاهر بأنه يصدقها.

ولكن السؤال ما الذي تجنيه هذه الأنظمة من إجراء كهذا؟!

وباعتقادي أن الأمر محاولة لخلق عقلٍ جمعي يسيطر على جميع العقول الفردية، كحالة جماهير كرة القدم مثلاً، وقد تكون أنت شخص لا تشجع الفريق الذي يلعب، لكن بمجرد وجودك بين جماهير هذا الفريق، وحين تعلو الهتافات والصيحات ستجد نفسك منسجمًا مع الحالة وتشعر برغبة بالتشجيع بالفعل، وذلك تحت تأثير العقل الجمعي، فالأنظمة هذه لا تُعنى على كل حال بقناعاتك الشخصية بل تُعنى بما تظهره من قَناعات.

هذا، وإن فكرة (الحياة في الكذب) كما يسميها (هافل) قد عاشها المواطن السوري خلال عقود من حكم عائلة الاسد، إنها الإيديولوجيا الوهمية التي يخلقها النظام الشمولي لحياة أقل ما توصف بأنها كاذبة، ولا تمتُّ للحياة الحقيقية بصلة، فنحن الشعب أصابنا انفصام جماعي من حالة الازدواجية التي نعيشها بين وهم الشعارات الكاذبة وتصوير الحياة من خلال وسائل الإعلام الرسمية على أنها حياة فيها من الجمال الكثير، وسرعان ماتصيبنا خيبة الأمل بمجرد خروجنا للشارع ومشاهدة الحياة على حقيقتها.

إن قوة المُستضعفين هي فكرة (غاندية) بالأساس، وهي القوة الناعمة التي تمتلكها الشعوب في مواجهة الآلة العسكرية، إنها قوة الرفض لتلك الحياة التي تفرضها الأنظمة الشمولية، وهي باختصار تمزيق المجتمع للعقد السياسي الذي وضعه (هوبز) لإعطاء سلطة للملك يمارس من خلالها كل أشكال التفرد.

ونخلص إلى أن الثورة الحقيقية من وجهة نظر (هافل) هي رفض الحياة في الكذب والانتقال للحياة الحقيقية، حيث الحرية والكرامة ورفض السير مع القطيع تحت سقف الشعارات الكاذبة، وليس المهم أن تكون معاديًا للنظام سياسيًا، بل فقط أن ترفض هذه الحياة الكاذبة ، فإسقاط هذه الأنظمة لا يكون بالجيوش إنما بالرفض فقط، فعندما ترفض حياة الكذب وتحطم تلك الإيديولوجيا التي تقتات عليها الأنظمة الشمولية فأنت ثورة بحدِّ ذاتها ، حتى لو لم يكن لك أيَّ مطلب سياسي فقط كن حقيقيًا ولا تكن غير ذلك.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط