أعلنت سما بكداش، الرئيسة المشاركة لمكتب العلاقات في حزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي، أن التواصل الرسمي مع الحكومة السورية بشأن “الوثيقة الكردية” لم يبدأ بعد، إلا أن التحضيرات جارية لتشكيل وفد تفاوضي مشترك يشمل قوى سياسية ومنظمات من المجتمع المدني، في خطوة تهدف إلى فتح قناة حوار مباشرة مع دمشق لطرح الرؤية الكردية المستقبلية.
وفي السياق ذاته، أكد سليمان أوسو، عضو الهيئة الرئاسية في “المجلس الوطني الكردي”، أن الوفد المشترك سيتم تشكيله قريبًا بالتنسيق مع “الاتحاد الديمقراطي” و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وذلك لمناقشة مخرجات مؤتمر “وحدة الصف والموقف الكردي” الذي عُقد في 26 نيسان/أبريل الماضي. وشدد أوسو على أن المبادرة لا تستهدف أي طرف إقليمي، بل تهدف إلى تعزيز وحدة سوريا وبناء علاقات متوازنة مع الدول المجاورة.
وثيقة “وحدة الصف” تحت المجهر: تناقضات وانتقادات
رغم الأهداف المعلنة للمؤتمر، أثارت الوثيقة الصادرة عنه جدلاً واسعًا، حيث أبدى مراقبون ونشطاء سياسيون تحفظاتهم على عدد من البنود التي وصفوها بالمتناقضة والمثيرة للإشكاليات القانونية والفلسفية.
أحد أبرز التناقضات جاء في البند المتعلق بعلاقة الدولة بالدين، إذ نصت الوثيقة على “حيادية الدولة تجاه الأديان والمعتقدات” مع التأكيد على “الاعتراف بالديانة الإيزيدية كديانة رسمية”، وهو ما أثار تساؤلات حول إمكانية التوفيق بين مبدأ الحياد الديني والاعتراف الرسمي بدين محدد.
اقرأ أيضاً: الهجري: إسرائيل ليست العدو
كذلك، دعت الوثيقة إلى “توحيد المناطق الكردية كوحدة سياسية إدارية متكاملة”، مع المطالبة في الوقت نفسه بـ”إعادة النظر في التقسيمات الإدارية وفق الكثافة السكانية والجغرافية”، ما اعتبره البعض تناقضًا يصعب تنفيذه ضمن الإطار الإداري الوطني القائم.
ومن التناقضات الجوهرية الأخرى، الإشارة إلى ضرورة اعتماد “سوريا دولة اتحادية” تتضمن “وحدة سياسية كردية”، مع التأكيد في الوقت ذاته على “اعتماد اللامركزية وتوزيع السلطة والثروة”، وهو ما فتح باباً للنقاش حول الفارق بين الفيدرالية واللامركزية، والآثار الدستورية المترتبة على كل منهما.
فجوة بين النظرية والممارسة: انتهاكات ميدانية
وعلى الرغم من تأكيد الوثيقة على “حماية حقوق الأطفال” وفق المعايير الدولية، فقد أظهرت تقارير حقوقية استمرار ظاهرة تجنيد الأطفال من قبل مجموعات “الشبيبة الثورية” التابعة للإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، وهو ما اعتبره ناشطون تناقضاً صارخاً بين المبادئ المُعلنة والممارسات الفعلية على الأرض.
رفض داخلي واسع للوثيقة والمخرجات
في رد فعل على نتائج المؤتمر، أصدر تجمع “أبناء الجزيرة” بيانًا شديد اللهجة وصف فيه الوثيقة بأنها “محاولة لتفتيت النسيج الوطني وفرض وصاية فئوية تخدم أجندات خارجية”، مؤكدًا تمسكه بالوحدة الوطنية ورفضه لأي مشاريع انفصالية أو غير توافقية.
من جانبها، أبدت عدة كتل سياسية وعشائرية كردية ومنظمات مجتمع مدني كردية تحفظها على الوثيقة، معتبرة أنها لا تعبر عن إرادة الكرد السوريين، بل تمثل توجهات أطراف غير سورية. وطالبت هذه الجهات بضرورة حماية استقلالية القرار السياسي الكردي ضمن الإطار الوطني السوري، ورفض التدخلات الإقليمية والدولية التي تسعى لتوجيه مسار القضية الكردية.
تحديات مستمرة في مستقبل القضية الكردية
وتبقى القضية الكردية في سوريا أحد أعقد الملفات في المسار السياسي للبلاد، وسط تعدد المرجعيات واختلاف الرؤى بين الأطراف الكردية من جهة، وبينها وبين المكونات الوطنية الأخرى من جهة ثانية. ولا تزال التساؤلات حول مستقبل المطالب الكردية قائمة، خصوصًا في ظل غياب توافق داخلي كردي حول المرجعيات السياسية والحقوقية، بالإضافة إلى غموض موقف دمشق من أي حوار محتمل.
في ظل هذه المعطيات، يبدو أن نجاح أي مفاوضات مستقبلية سيعتمد على مدى قدرة الأطراف الكردية على توحيد رؤيتها أولاً، وتقديم وثيقة سياسية منسجمة مع الواقع السوري وتطلعات جميع مكوناته ثانيًا.