تدفع الظروف الاقتصادية القاسية في الشمال السوري العديد من النساء إلى اقتحام سوق العمل رغم التحديات المجتمعية والمعيشية، من بين هذه النماذج نساء يعملن كمندوبات مبيعات، يتنقلن بين المخيمات والقرى لترويج مستحضرات تجميل أو مواد تنظيف، في مهنة متعبة جسديًا ونفسيًا، وأجرها لا يكاد يكفي لسد الاحتياجات الأساسية.
“أم فجر”.. من النزوح إلى الميدان
“أخرج كل يوم من خيمتي في الثامنة صباحًا، وأعود في حوالي الخامسة مساءً، أقضي هذا الوقت الطويل متنقلةً بين الخيام أو المنازل في المدن والقرى حسب تعليمات مدير الشركة”، بهذه العبارة تصف “أم فجر”، وهي نازحة أربعينية من مدينة خان شيخون، يومها الطويل كمندوبة مبيعات في ريف إدلب.
منذ نزوحها قبل ست سنوات مع عائلتها إلى خيمة قرب مدينة سرمدا، قررت “أم فجر” أن تخوض سوق العمل لمساعدة زوجها المصاب في الحرب، ولتأمين احتياجات أطفالها الثلاثة.
اقرأ أيضاً: اجتماع تركي – أمريكي رفيع في واشنطن يبحث مستقبل سوريا
تحمل حقيبة صغيرة وكيسًا بلاستيكيًا مليئًا بالمستحضرات والزيوت والكريمات، وتتنقل بين البيوت لعرض منتجاتها، تقول:
“أدخل البيوت، أجلس للحظات، وأبدأ بعرض المنتجات واحدة تلو الأخرى، أشرح طريقة استخدامها وفوائدها، وأبذل كل جهدي حتى أتمكن من بيع بعض القطع”.
التعب مضاعف ونظرة المجتمع عبء إضافي
رغم أن الفكرة بسيطة ظاهريًا، إلا أن العمل الميداني كمندوبة مبيعات مرهق للغاية، تضطر النساء العاملات إلى التنقل مشيًا لساعات طويلة في الطرقات الترابية وتحت المطر أحيانًا.
توضح “أم فجر”: “أعاني من ألم دائم في مفاصل قدمي، وأمشي كثيرًا للوصول إلى المنازل، أحيانًا لا أبيع شيئًا، وأعود خاوية اليدين”.
كما تضيف أن نظرة المجتمع لهذا النوع من العمل سلبية، وتواجه المندوبات الكثير من الانتقادات التي تدفع بعضهن لترك العمل، إلا أنها اختارت الاستمرار من أجل أطفالها.
غياب الحقوق والأمان الوظيفي
تعتمد أغلب الشركات التسويقية على نظام النسبة من أرباح المبيعات دون أي عقد عمل رسمي أو ضمان صحي.
تقول “أم فجر”: “أتقاضى ما بين 100 إلى 230 ليرة تركية بحسب عدد القطع التي أبيعها، لكني لا أحصل إلا على نصف هذا المبلغ، أما النصف الآخر فيعود للشركة”.
وتشير إلى أن كل شيء متروك لاجتهاد المندوبة، دون وجود أي حماية قانونية أو جهة نقابية تدافع عن حقوقهن.
وسط هذا الواقع الهش، تواصل نساء كثيرات في الشمال السوري أداء أدوارهن المزدوجة كمعيلات وأمهات وعاملات، في مهن لا توفر الحد الأدنى من الأمان أو التقدير.