هوامش على الواقع السوري

أحمد وديع العبسي  

0 373

الدستور ليس معركة ينتصر فيها صاحب القوة، إنما هو صياغة من أجل أن تهدأ الحرب، وإلا فلن يحترم أحد أي نص دستوري، ومحاولة البعض إقحام نصوص دستورية لا تنتمي لثقافة الشعب السوري ومرجعياته هي إفراغ للنصوص الدستورية من مضمونها وجعلها محل خلاف وقتال بدلاً من أن تكون مرجعية للسوريين.

القوى السياسية التي تدَّعي الوصاية على الشعب وحمله إلى مكان أفضل عبر فرض نصوص دستورية لا تؤمن بها الغالبية، وإنتاج نظريات بعيدة عن ثقافتها، هي قوى مستبدة وظالمة، تعيد إنتاج البعث بحلّة جديدة.

لمتابعة الأخبار السياسية والمنوعة اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

لا يمكن أن يُبنى العقد الاجتماعي والهوية الوطنية في حالة صراع متعدد الأبعاد، تتوسع فيه المساحات الفكرية الهوياتية مقابل تقلص مساحات الفعل المشترك، لذلك كل ما سينتج في مرحلة الصراع سيؤدي إلى استمرار الصراع إذا لم يكن مؤطرًا زمنيًا بمرحلة انتقالية.

الشعوب التي تخرج من الحرب تسعى للاهتمام بصياغة تمنع تجنب الحرب وتضمن الحرية والعدالة والكرامة، أمّا ثقافة الدولة والمرجعيات فهذه أمور تناقش بعد الاستقرار ليستطيع الناس تحديد مواقفهم تجاهها بوعي وحرية.

لا ينبغي لممثلي الأكثرية التواضع للأقليات كأقلية، لأنهم يمثلون صمام أمان يحمي المجتمع من أي نزاع داخلي، وإن تخليهم عن ثوابت الناس بدعوى إيجاد الحلول سيجعلهم فئة أخرى لا تنتمي للأكثرية ولا للأقليات، وبالتالي لا يمكنها صياغة موقف حقيقي لمن يفترض أنها تمثلهم، ولا تعبِّر إلا عن نفسها، وبالتالي سندخل مشكلة كبيرة عند اختفاء صوت الأكثرية، وسيحدث ثورات مضادة.

المعركة التي يخوضها السوريون اليوم عسكريًا هي بحكم المنتهية، ولا عار في الهزيمة التي ألحقتها قوى عالمية بهم، لكن العار أن يستمر السوريون في خوض معركة عبثية، لا طائل من ورائها ولا تخدم سوى تجار الحروب، وعدم الاعتراف بالهزيمة هي العقبة التي تقف بوجه الخطوة التالية، وتجعلنا نتسمر في مكاننا ببلاهة، ونحن نحلم أن يتغير شيء ما، دون أن تتغير المعطيات (المدخلات) التي نمتلكها.

إن الوقوف في نقطة الإنكار تكريس للهزيمة وإجهاض أي محاولة للنهوض من جديد بمعطيات مختلفة قد تؤدي إلى نتائج أفضل.

إن الثورة كأداة قد استهلكت، ونحن نحتاج في نضالنا أدوات جديدة ومتنوعة (إذا لم يكن في حوزتك غير مطرقة فستتعامل مع أي شيء على أنه مسمار) نحتاج أن ننوع الأدوات، لا ينفع أن نتعامل مع كل ما حولنا بعقلية الثائر، لأن هذه العقلية تجنح للدمار والفوضى والرفض، وكما هي قاسية على المستبدين، فهي أيضًا قاسية على بُناة الأوطان.

المجتمع السوري لم يعد مغلقًا كما كان في السابق، وأحد ضرائب الانفتاح على العالم وصول الأفكار الممولة، هذه الأفكار لا تستند في صحتها إلى المنطق الذي تحمله، إنما إلى التمويل الذي تجلبه والرعاية الإعلامية التي تُحاط بها، ويمكن أن يعرف السوريون حجم الأفكار الكثيرة التي يزج الممولون بها في مجتمعهم بالنظر إلى أهميتها في الواقع الذي يعيشون به، وإلى مدى اهتمامهم بها كونهم سوريين لو لم تكن ممولة.

إن خطورة الأفكار الممولة تكمن في أنها تصبح من العادات بسبب الإصرار عليها وتكرارها، وكونها مصدرًا للرزق، وبالتالي يتم تكريسها في المجتمع ومعايرة الأفراد والتفاضل بينهم اجتماعيًا ونخبويًا وفق ما يحملونه منها، ومع الوقت تصبح نياشين وأوسمة.

المدير العام | أحمد وديع العبسي  

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط