أبو رضوان الحيط .. الثائـر المجذوب الذي عرَّى حافظ أسد و أذلَّـه

ملهم الشريف

1٬757

▪️استهـلال:
في كلّ عام و منذُ اثنين و عشرين عاماً نستحضرُ جرائمَ و أحقادَ ربيبِ الدماء (حافظ أسد/الوحش[ 1930 – 2000مـ]) و ذلك مع نهاية العشر الأول من شهرِ حزيران/يونيو حيثُ شهر وفاتِه ؛ فتنهضُ إلى الذاكرةِ مباشرةً دونما استئذان “دولةُ المخابرات و الأقبية المظلمة” التي أرسى ركائزَها حافظ الوحش و التي حصرتْ همَّها في وأدِ كرامةِ الإنسان و سَحْقِ نُخَبِ المجتمع السوريّ من وجهاء و علماء و مبدعين ؛ و ذلك بعدَ أنْ مهّدَ له الطريق المجرم المؤسسُ ( جمال عبد الناصر [1918 – 1970مـ] ) مع نهاية الخمسينيات من القرن الماضي عبرَ ذراعه المجرمة في سورية ( عبد الحميد السرّاج [1925 – 2013مـ]) إبّان الوحدة المخابراتية بين سورية و مصر من خلال قبضة أمنِه السريّ الذي عُرفَ آنذاك باسم ( المكتب الثاني ) … منذ ذلك التاريخ و سورية ترزحُ تحتَ وطأةِ الحقدِ و الإجرامِ و كمِّ الأفواه و مَحْوِ كرامةِ الإنسان لتظهرَ بشكل جليّ فاضح مع حافظ أسد و مجرميه الذين ترعرعوا في كنفِ كبيرِهم المُنبتِّ الجذور الذي أشبعَهم حقداً يضافُ إلى أحقادهم الباطنية السوداء و أتركُ لمخيلتكم أنْ تتلمّسَ ملامحَ مشهدِ الحكمِ في تلك المرحلة من التاريخ السوريّ و ما تلاها من حِقَب إلى يومنا هذا ؛ إذْ كانَ عنوانه العريض ( الحقد الأسود) … لذلك اعتادات وسائلُ الإعلام و قنواتُ التواصُّل و منصّات السوشيال ميديا الافتراضية الحديثَ كلَّ عام عن جرائم أسد الأب و الابن مكرِّرةً -و مضيفةً- شرائحَ قاتمةً من الخَبَثِ و السواد و الأسى الذي يَقُضُّ الروحَ وجعاً و قهراً … كلُّ ذلك أسهمَ في تقلُّصِ حيّزِ الانتماء للوطن ؛ و كيفَ لا يكون ذلك و المجتمع السوريّ يرى -بكل شرائحه- أنّ البلدَ بأكلمِه تحكمُـه عصابةٌ نهبتِ المقدرات و الثروات و سيَّدتِ المفسدين الذين لا أصلَ لهم و لا جذورَ على حساب رجالِ سوريَة و أشرافِها و نُخبِها و عوائلِها الأصيلة الانتماء للوطن و القِيم و العلم…؟!!
… في هذا اللقاء سأتابعُ مع القرّاء الأكارم في صميمِ فكرة التقديم الآنف لكن بصورة مختلفةٍ بعضَ الشيء ، صورةٍ تحملُ قَسَمَاتٍ من الطرافةِ و الظُّرفِ و الجرأة و البداهةِ و الألم … نعم كل ذلك مجتمعاً في شخصية الشهيـد “أبو رضوان الحيط” في إطارٍ من الكوميديا السوداء …

▪️▪️أبو رضـوان الحيـط.. شخصيـةٌ ثائرةٌ و مواقفُ صادحة:
• مَن هو أبو رضوان الحيط ؟
“أبو رضوان الحيط” إنسانٌ بسيطٌ اجتماعيّاً من عامة المجتمع السوريّ ، حمويّ الأصلِ و النشأة حيثُ ينحدرُ من أحدِ أبرزِ أحياء مدينة حماة الجنوبيّة و هو “حيّ المرابط” الذي يقعُ إلى الجنوبِ من ( سوق المنصوريّة الأثريّ – سوق الطويل ) و المجاور لـ “حي باب البلد” ، و العائلة معروفة بلقب “الحيط” غير أنّ اسمها في السجلات المدنيّة عائلة “العابد” … و هو إنسانٌ لطيفٌ أديبٌ ملتزمٌ تلمحُ في وجهه الابتسامةَ الدائمة و روحَ الدعابة و الفكاهة… ، و قد كان يتجولُ في كافة أحياء مدينة حماة و شوارعها ممتطياً -أو جارّاً- دراجتَه الهوائية “بسكليت” أو حمارَه الصغير الذي اقتناه لاحقاً و يتحيّنُ أماكن ازدحام الناس ليلقي عليهم خطبَه و توجيهاتِه و رؤاه ، و إذا ما سمعَ نداء المؤذن للصلاة ركنَ دراجتَه أو حمارَه و دخلَ لأداء الصلاة التي كان مواظباً عليها و على حضورِ دروسِ العلم في مجالس علماء حماة آنذاك ..
و قد عُرفَ “أبو رضوان -رحمه الله-” ببداهته الحاضرة و جرأته و طرافته في آنٍ معاً مع فصاحةٍ في الكلام و ثقافةٍ تنمُّ عن قراءات كثيرة متراكمة و في مختلف التخصصات الإنسانية تدعمُها حافظةٌ قويّةٌ تستحضرُ الفكرةَ و القصة التاريخية المدعومةِ بالآيات القرآنية و الأحاديث النبويّة -التي يحفظُ منها الكثير- في وقتها المناسب ، حيثُ كان “أبو رضوان” من روّاد المكتبات و شراء الكتب كما حدّثني أكثرُ من صاحب مكتبة حموية غيرَ أنّ المجتمعَ الحمويّ كان يراه مجذوباً لسلوكِه العفويّ الفريد و فرطِ نشاطه الحركيّ في كافة أحياء حمـاة و جرأة مواقفه -التي سأقدم طرفاً منها في هذا اللقاء- لكنني بعد البحثِ أميلُ إلى تأصيلِ الحقيقة التي تؤكدُ أنّ “أبا رضوان الحيط” كان مريضاً مرضاً نفسيّاً ذا منشأ عصبيّ بسبب خَلَلٍ في أحد النواقل العصبية ( السِّيرتُونين أو الدَّرْئِين ) الذي يُسببُ نقصُه فرطَ نشاطٍ حركيّ ، و عدمَ اتزان في التفكير و سرعةَ هياج عصبيّ ، و سلوكاً مزاجياً متقلّباً مع فقدان السيطرة المتوازنة على الجانب العاطفيّ في شخصية المريض ..
و لمّا لم يكنْ تشخيص الأمراض النفسية ذات المنشأ العصبيّ منتشراً في ذلك العهد نظراً لقلة الأطباء النفسيين كان المجتمع يعتقدُ بأنّه مجذوب و الحقيقة أنه مريض!! و الذي دفعني لتأكيد هذه الرؤية هو ظهور حالات في فروع عائلته تعاني خللاً في ذلك الناقل العصبيّ لكن تمّ ضبطُه دوائيّاً من قِبل أطباء نفسيين في عصرنا الحديث .
• مـواقفــه:
– الموقفُ الأوّل : ها هو “أبو رضوان” يتجوّل في شوارع مدينة حماة برفقة دراجته الهوائية المجلّلةِ بجلدِ خروف لتريحَ راكبَها ثمّ يقفُ داعياً الناسَ لسماعِ ما لديه من دقيقِ ملاحظةٍ فيقول بعدَ اجتماعِ الناسِ حولَه و قد قدّمَ لحديثه بمقدمةٍ جاذبةٍ بلغة سليمة فصيحة ليصلَ إلى صميم ما يرمي نثره على الأسماع متحدثاً عن كتاب مدرسيّ كان يُدرَّسُ على تلاميذ المرحلة الابتدائية إبّان مرحلة الاستقلال في سورية و قبل خطف البلد من قبل مدرسة البعث يسمّى ( الفولاذ ) حيثُ صدرَ القرار بإلغاء الكتاب من مقررات المنهاج المدرسيّ ؛ و حسب تحليل “أبي رضوان” المشفّر الذي بثّه على مستمعيه معلّلاً سبب نظام البعث الأسديّ من الإلغاء :
(( هل تعلمون لماذا تمّ إلغاء كتاب الفولاذ من المنهاج المدرسيّ ؟!!
لقد تمّ ذلك لاحتواء الكتابِ على الجملتين الآتيتين :
الأولى : الأسدُ حيوانٌ مفترس .
الثانية : الأرانبُ تستعدُّ للحرب ))!!!
– الموقف الثاني : يصلُ “أبو رضوان” في إحدى جولاته إلى ( سوق المنصوريّة – الطويل ) وسط مدينة حماة يقفُ خطيباً داعياً الناس للاستماعِ لخطبته المُحْكَمة حولَ فضائل القائد “أبي سليمان” ذاكراً شطراً من مناقبِه و حكمتِه و شجاعتِه و عدداً من مواقفه البطوليّة .. فاعتقد الناسُّ جميعاً أنه يتحدثُ عن “حافظ أسد” كما أوهمهم بحديثِه المموّه حيثُ كان يُكنّى قبلَ أنْ يغيّرَ الكنية لـ “أبي باسل” نسبةً لابنه باسل.. و في نهايةِ خطبةِ “أبي رضوان الحيط” يباغتُ الجمهورَ المستمعَ بسؤاله المفاجئ:
(( هل عرفتُم مَن هو أبو سليمان ؟!))
و يصمتُ قليلاً لتكونَ مفاجأةُ جوابِه عندما صرّح عن هويته بصوته الواضح المترسِّل :
(( إنّه القائدُ العربيّ المسلمُ خالدُ بن الوليد -رضيَ اللهُ عنه-!!!))
لينفضّ الناسُ عنه مسرعين تجنُّباً للاعتقال قبلَ وصولِ عناصر مخابرات أسد .
– الموقف الثالث : يؤذِّنُ المؤذنُ لصلاة الظهر عندما يصلُ “أبو رضوان الحيط” شارع أبي الفداء الأشهر وسط مدينة حماة فيتوجَّهُ لأداء الصلاة في ( جامع النوريّ الأثريّ -نور الدين الشهيد- ) ، يربط حمارَه الصغير الذي كان معه هذه المرة خارج الجامع و يدخل و يصلي الظهر ، و بعد خروجه يتوجّه لشارع أبي الفداء داعياً الناس للاستماعِ لجديده برفقة الحمار الذي سيكون له دورٌ رئيسٌ في مشهده التمثيليّ ، حيثُ ألبسَه ربطة عنق “كراڤيت” .. و هذه المرة دخلَ في الموضوع مباشرةً مخاطباً الحمارَ و قد أمسكَ بربطة عنقه و شدَّه نحو الأسفل أرضاً :
(( هل تريد حافظ أسد رئيساً؟!!)) و يتركُ الكرافيت ليرفعَ الحمارُ رأسَه للأعلى معلناً رفضه لحكم “حافظ أسد” ، فينتهزُ أبو رضوان الفرصة معلقاً بجرأة و طرافةٍ و نباهة :
((إذا الحمار ما رضي بحكمه.. !!!))
– الموقف الرابع : و يحطُّ “أبو رضوان” رحالَه برفقة حمارِه في منطقة الحاضر الكبير لكن هذه المرة سيكون موقفُه الرساليّ من نوع خاص شكلاً و مضموناً تلمحُ فيه جرأة طريفة هادفةً ؛ حيثُ ألبسَ حمارَه بدلةً عسكريةً و قد أغرقَها بالرُّتب العسكريّة و الأوسمة و النياشين و بدأ جولتَه في الشوارع وسطَ دهشةِ الناس و استغرابهم حتى وصلَ لحاضر الكبير -كما قدمتُ- و يقفُ جامعاً الناس للبدء بخطبته و نوادره فيتساءلُ قائلاً :
(( هل تعلمون مَن ضيّعَ الجولان .. هل تعرفون من باعَها…؟!!))
و يوجّه نظرَه مشيراً بيده نحو الحمار المجلّل باللباس العسكري مجيباً :
(( إنها هذه الرتب و النياشين هي مَن أضاعت الجولان !!!)) و يتابعُ طريقه باتجاه ساحة العاصي …
• اعتقالُه و تغييبه:
مواقفُ و نهفات “أبي رضوان” الهادفة أكثرُ من أنْ تُحصى لكنْ حسبي أنني قدمتُ نماذج من المواقف حَدَّدَتْ ملامحَ هذه الشخصية الإعلاميّة المتنقلة -إن صحّ التعبير- التي حملتْ همَّ بثِّ الوعي في أوصالِ المجتمع و تذكيره بتاريخه بغيةَ الخروج نحو دائرة العمل و التغيير ؛ هذه المواقف دفعت مخابرات أسد لاعتقاله عدة مرات و إخراجه لكن لمّا زادتْ حدةُ جرأتِه اعتقلتْه الاعتقالَ الأخير و غيّبته بعد قتله على أصحِّ الروايات ؛ حيث جاءت عدة سيارات من فرع الأمن العسكريّ نوع ( بيجو استيشن) و اعتقلته من حي باب البلد و أخفته كلياً على الرغم من مرضه الخاص و عدم اتزانه العقليّ -كما كان معروفاً- فضلاً عن كِبرِ سنه الذي تجاوز الخامسة و السبعين [75] عاماً حيثُ ضاق حافظ أسد به ذرعاً سيما و قد أذلّه عندما استفتى الحمار بقَبوله لحافظ أسد رئيساً و بيع الجولان و غيرها من المواقف التي تثبتُ أنّ “أبا رضوان الحيط -رحمه الله-” لم يكن محذوباً كما راجَ بل كان رجلاً قارئاً سليمَ الفكر و العقل من رواد مجالس العلم قبلَ أنْ يختلّ وضعُه العصبيّ ليفقده اتّزانه الذي جاء بعد الإخفاقات التي لحقت بالأمة في أواخر الستينيات تنيجة تفكيره الشديد و شخصيته العاطفية التي تتأثر بالأحداث … و قد كان آخرَ كتابٍ اشتراه “أبو رضوان” هو ( مشاهد القيامة في القرآن ) و قد دخلَ المكتبة بدراجته -كما نقلَ لي مَن عاصرَه- حيث كان ثمنُ الكتاب ثلاثَ ليرات سورية ، فقال لصاحب المكتبة : ((لن أعطيك إلا ليرتين .. ما معي غيرها .. خذها أنا أقرأ الكتاب و أعلمُ الناس بِنوبك ثواب..)) .

▪️▪️▪️دروسٌ من وحي الشخصيـة :
… بعـدَ هذه الإضاءة على شخصيةٍ من شخصياتِ مجتمعِنا السوريّ تمثّلُ ظاهرةً صحيةً حيةً وَعَتْ حقيقةَ أسدَ و عصابتِه ، و رفضَتْ حكمَه رغمَ بساطة و طرافةِ طرحِها و محدوديّةِ مداركِهـا.. أودُّ قبلَ إنهاء هذا اللقاء التذكيرَ بالثوابت التالية لتبقى ماثلةً في عقولِنا و وجدانِنا و ننقلَها إلى أجيالنا مغذّينَ بهـا فكرَ أبنائِنا ليدركوا جوهرَ الثورة و دوافعَها و أهدافَها منذُ السبعينيات و الثمانينيات من القرن الماضي مروراً بثورة [2011م] و حتى اللحظة الآنيّة :
• الدرسُ الأول : إنَّ نظامَ أسد الوحشيّ لا يفقهُ إلّا لغةَ الحديد و النار إذ ليس في قاموسه -إن صحّ التعبير- إلّا المفرداتُ المُظلِمةُ الكئيبةُ ( القتل – السحق – الدماء – الغدر – الخِسّة – قذارة الطبع – الجهل المركب – الغباء – النهب – السّفَه – الكذب – الوضاعة – الانحلال – الرذيلة – الفساد …) و عليه لن تستقرَّ سوريتُنـا و تبدأَ مرحلةَ البناءِ المجتمعيّ و القِيميّ و الإنسانيّ ثمّ النهوض الحضاريّ علماً و قوةً إلا بالقضاء على هذه العصابةِ المافياوية المنظّمة و كافة أذرعِها الإجرامية التي لم يُوفرْ إجرامُـها و حقـدُها الدراويشَ و المرضى و أصحاب الابتلاء و الاحتياجات الخاصّـة كـ أبي رضوان الحيط و غيره من الحالات التي وثَّقها الإعلامُ الثوريّ بداية الثورة [2011م] فما بالُكم بالعقول و العباقرة و العلماء و نُخب المجتمع و وجهاء العوائل و أعيان البلد…. هل يوفرُونهـم أو يتركُونهـم أحراراً ؟!! [1]
• الدرسُ الثاني : علمتْنا الأيامُ و التجاربُ مع هذه العصابة الطائفيّة أنْ نخرج عن نطاق المثاليّة و الأفكارِ الورديّةِ الحالمةِ لنعلنَ صراحةً و من دون أدنى تلوُّن أنّ ذراعَ أسد و رؤوسَ مخابراته في سحقِ المجتمع السوريّ هي طائفتُه ؛ نعـم الطائفة النصيريّة الحاقدة باسمها الصحيح و التي دخلتْ في ثأر لن يموتَ مع كافة مكونات المجتمعِ السوريّ حيثُ كانت ذراعَ المجرمَين ( رفعت و حافظ الوحش ثم بشار و ماهر ) و واهمٌ مَن يعتقدُ أنّ لهذه المجموعة الحاقدة المجرمة أمان أو جذور أصيلة في بنية المجتمع السوريّ .
• الدرسُ الثالث : لقد سعَتْ أيادٍ كثيرةٍ داخلية و إقليميةٍ و دوليّة لطمسِ جوهرِ المشروعِ الثوريّ الرامي إلى التغيير و بناء سوريةَ بناءً حضاريّاً يعيدُ للإنسانِ كرامتَه و يستجلي مكامنَ الإبداعِ فيظهرها و يدعمها .. هذا المشروع الذي تصدّرَه منذ بداية التنظيم و التنسيق رجال وطنيون صادقون حملوا همّ الثورة بأبعادِها الوطنيّة و القِيميّة و الأخلاقيّة و الإنسانيّة و الفكريّة و الأكاديمية فاجتهدوا في حدودِ الظروف و الإمكانيات فرسموا معالمَ واضحةً من الإنجاز و القوة بأبعادها إلى أنْ جرى تحييدُهم إمّا اعتقالاً و تغييباً في سجون أسد ، أو بالاغتيال أوِ تشويه سيرتهم أو إقصائهم عن دائرة القرار أو نفيهم خارج حدود المحرّر بعدَ تعريضهم لبرامج مدروسة من أفلام الرعب .. و ما ذلكَ إلا لأنهم وَعَوا خطورةَ المشاريع الدوليّة التي تستهدفُ الثورةَ من داخلها فلم يتماشَوا مع مخططات الغدر الدوليّة ، و أرجِّحُ السببَ الأول في ثباتهم على قضيتِهم -بعد توفيق الله لهم- هو أنّهم كانوا وثيقي الصلةِ بجذورهم فهم من الشخصيات الأصيلة الجذورِ الراقية القيم الصادقة في انتمائها ممّن تمثّلوا معنى “الأمـانة” بمستوياتها المختلفة الأخلاقيّة الاجتماعيّة و الوطنيّة الثوريّة و الفكريّة الرِّساليّة ؛ فلم يكونوا مُنبتِّي الجذور برغماتيين نفعيين يحصرون المشروعَ العام في إطارِ البرغماتيةِ الشخصيّة الضيقة .. و بعد ذلك جرى تصنيعُ شخصيات فارغةٍ عن أيّ قيمة باسم الثورة على النقيض تماماً من صفات الشخصيات الأوائل ليجري عبرها -في الداخل و الخارج- حرفُ بوصلة العمل الثوريّ عسكرياً و سياسياً و فكرياً و طمسِ معالم المشروعِ الثوريّ بمفهومه الجَمعيّ الحضاريّ… و تأسيساً على هذه الرؤية أقولُ :
إنّ واجبَ المرحلة استدراكُ الخلل و ذلك بتعاضد هِمم الشخصيات المُصلِحة الواعية في جميع المحاور العسكرية و الفكرية و السياسية و الاجتماعية و الأكاديمية … في مشروع جامع يجمعُ و يؤلِّفُ و يستثمرُ الإمكانيات المتاحة في إعادة رسم خارطة العمل و آليات التعامل مع الدول من جهـة و الشارع الثوريّ من جهـة رئيسة بمدِّ جسور الثقة نحوَه إذ يمثـلُ شارعُنـا الثوريّ الخلية الحيّةَ الواعيـة و الثِّقلَ الذي يعيدُ لميزان الساحة اتزانَه و قد رأينا منه المواقفَ الجريئةَ الرافضةَ للنيل من قِيم المجتمع عبر المناهج المسيئة لنبيّنـا -صلى الله عليه و سلم- بتوقيع مركز الاستشراف للدراسات و كذلك مشاريع مجلس الكنائس العالميّ الداعية لهدم مؤسسة الأسرة و نشر الشذوذ و الرذيلة في تعدٍّ سافرٍ وقحٍ على الفِطرة السويّة ، و آخرها -و ليس آخراً- الوقوف بوجه الشبيحة الذين قاموا بتهريب الشبيح المجرم .. و الانطـلاق في ذلك كلّه من قاعدةِ أنّ الثورةَ تكليفٌ و أمانة و عمل و ليستْ تشريفاً أو حصانةً لتكونَ ذريعةَ الأشخاص و الجهات فيحرفوا المسار و يُفسدوا و يُشبِّحوا باسم الثورة من دون رقابة و آلياتِ محاسبة ..

➖➖➖➖➖➖➖

[1] قد كتبتُ في ذلك قراءةً فكريةً حول العقلية التي تنتهجها أجهزة مخابرات أسد في إدارة البلد منذُ مجازر الثمانينيات يمكن العودة إليه لتضحَ الصورة لدى القارئ الكريم.. اضغط للقراءة

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط