▪️استهـلال:
في كلّ عام و منذُ اثنين و عشرين عاماً نستحضرُ جرائمَ و أحقادَ ربيبِ الدماء (حافظ أسد/الوحش[ 1930 – 2000مـ]) و ذلك مع نهاية العشر الأول من شهرِ حزيران/يونيو حيثُ شهر وفاتِه ؛ فتنهضُ إلى الذاكرةِ مباشرةً دونما استئذان “دولةُ المخابرات و الأقبية المظلمة” التي أرسى ركائزَها حافظ الوحش و التي حصرتْ همَّها في وأدِ كرامةِ الإنسان و سَحْقِ نُخَبِ المجتمع السوريّ من وجهاء و علماء و مبدعين ؛ و ذلك بعدَ أنْ مهّدَ له الطريق المجرم المؤسسُ ( جمال عبد الناصر [1918 – 1970مـ] ) مع نهاية الخمسينيات من القرن الماضي عبرَ ذراعه المجرمة في سورية ( عبد الحميد السرّاج [1925 – 2013مـ]) إبّان الوحدة المخابراتية بين سورية و مصر من خلال قبضة أمنِه السريّ الذي عُرفَ آنذاك باسم ( المكتب الثاني ) … منذ ذلك التاريخ و سورية ترزحُ تحتَ وطأةِ الحقدِ و الإجرامِ و كمِّ الأفواه و مَحْوِ كرامةِ الإنسان لتظهرَ بشكل جليّ فاضح مع حافظ أسد و مجرميه الذين ترعرعوا في كنفِ كبيرِهم المُنبتِّ الجذور الذي أشبعَهم حقداً يضافُ إلى أحقادهم الباطنية السوداء و أتركُ لمخيلتكم أنْ تتلمّسَ ملامحَ مشهدِ الحكمِ في تلك المرحلة من التاريخ السوريّ و ما تلاها من حِقَب إلى يومنا هذا ؛ إذْ كانَ عنوانه العريض ( الحقد الأسود) … لذلك اعتادات وسائلُ الإعلام و قنواتُ التواصُّل و منصّات السوشيال ميديا الافتراضية الحديثَ كلَّ عام عن جرائم أسد الأب و الابن مكرِّرةً -و مضيفةً- شرائحَ قاتمةً من الخَبَثِ و السواد و الأسى الذي يَقُضُّ الروحَ وجعاً و قهراً … كلُّ ذلك أسهمَ في تقلُّصِ حيّزِ الانتماء للوطن ؛ و كيفَ لا يكون ذلك و المجتمع السوريّ يرى -بكل شرائحه- أنّ البلدَ بأكلمِه تحكمُـه عصابةٌ نهبتِ المقدرات و الثروات و سيَّدتِ المفسدين الذين لا أصلَ لهم و لا جذورَ على حساب رجالِ سوريَة و أشرافِها و نُخبِها و عوائلِها الأصيلة الانتماء للوطن و القِيم و العلم…؟!!
… في هذا اللقاء سأتابعُ مع القرّاء الأكارم في صميمِ فكرة التقديم الآنف لكن بصورة مختلفةٍ بعضَ الشيء ، صورةٍ تحملُ قَسَمَاتٍ من الطرافةِ و الظُّرفِ و الجرأة و البداهةِ و الألم … نعم كل ذلك مجتمعاً في شخصية الشهيـد “أبو رضوان الحيط” في إطارٍ من الكوميديا السوداء …
▪️▪️أبو رضـوان الحيـط.. شخصيـةٌ ثائرةٌ و مواقفُ صادحة:
• مَن هو أبو رضوان الحيط ؟
“أبو رضوان الحيط” إنسانٌ بسيطٌ اجتماعيّاً من عامة المجتمع السوريّ ، حمويّ الأصلِ و النشأة حيثُ ينحدرُ من أحدِ أبرزِ أحياء مدينة حماة الجنوبيّة و هو “حيّ المرابط” الذي يقعُ إلى الجنوبِ من ( سوق المنصوريّة الأثريّ – سوق الطويل ) و المجاور لـ “حي باب البلد” ، و العائلة معروفة بلقب “الحيط” غير أنّ اسمها في السجلات المدنيّة عائلة “العابد” … و هو إنسانٌ لطيفٌ أديبٌ ملتزمٌ تلمحُ في وجهه الابتسامةَ الدائمة و روحَ الدعابة و الفكاهة… ، و قد كان يتجولُ في كافة أحياء مدينة حماة و شوارعها ممتطياً -أو جارّاً- دراجتَه الهوائية “بسكليت” أو حمارَه الصغير الذي اقتناه لاحقاً و يتحيّنُ أماكن ازدحام الناس ليلقي عليهم خطبَه و توجيهاتِه و رؤاه ، و إذا ما سمعَ نداء المؤذن للصلاة ركنَ دراجتَه أو حمارَه و دخلَ لأداء الصلاة التي كان مواظباً عليها و على حضورِ دروسِ العلم في مجالس علماء حماة آنذاك ..
و قد عُرفَ “أبو رضوان -رحمه الله-” ببداهته الحاضرة و جرأته و طرافته في آنٍ معاً مع فصاحةٍ في الكلام و ثقافةٍ تنمُّ عن قراءات كثيرة متراكمة و في مختلف التخصصات الإنسانية تدعمُها حافظةٌ قويّةٌ تستحضرُ الفكرةَ و القصة التاريخية المدعومةِ بالآيات القرآنية و الأحاديث النبويّة -التي يحفظُ منها الكثير- في وقتها المناسب ، حيثُ كان “أبو رضوان” من روّاد المكتبات و شراء الكتب كما حدّثني أكثرُ من صاحب مكتبة حموية غيرَ أنّ المجتمعَ الحمويّ كان يراه مجذوباً لسلوكِه العفويّ الفريد و فرطِ نشاطه الحركيّ في كافة أحياء حمـاة و جرأة مواقفه -التي سأقدم طرفاً منها في هذا اللقاء- لكنني بعد البحثِ أميلُ إلى تأصيلِ الحقيقة التي تؤكدُ أنّ “أبا رضوان الحيط” كان مريضاً مرضاً نفسيّاً ذا منشأ عصبيّ بسبب خَلَلٍ في أحد النواقل العصبية ( السِّيرتُونين أو الدَّرْئِين ) الذي يُسببُ نقصُه فرطَ نشاطٍ حركيّ ، و عدمَ اتزان في التفكير و سرعةَ هياج عصبيّ ، و سلوكاً مزاجياً متقلّباً مع فقدان السيطرة المتوازنة على الجانب العاطفيّ في شخصية المريض ..
و لمّا لم يكنْ تشخيص الأمراض النفسية ذات المنشأ العصبيّ منتشراً في ذلك العهد نظراً لقلة الأطباء النفسيين كان المجتمع يعتقدُ بأنّه مجذوب و الحقيقة أنه مريض!! و الذي دفعني لتأكيد هذه الرؤية هو ظهور حالات في فروع عائلته تعاني خللاً في ذلك الناقل العصبيّ لكن تمّ ضبطُه دوائيّاً من قِبل أطباء نفسيين في عصرنا الحديث .
• مـواقفــه:
– الموقفُ الأوّل : ها هو “أبو رضوان” يتجوّل في شوارع مدينة حماة برفقة دراجته الهوائية المجلّلةِ بجلدِ خروف لتريحَ راكبَها ثمّ يقفُ داعياً الناسَ لسماعِ ما لديه من دقيقِ ملاحظةٍ فيقول بعدَ اجتماعِ الناسِ حولَه و قد قدّمَ لحديثه بمقدمةٍ جاذبةٍ بلغة سليمة فصيحة ليصلَ إلى صميم ما يرمي نثره على الأسماع متحدثاً عن كتاب مدرسيّ كان يُدرَّسُ على تلاميذ المرحلة الابتدائية إبّان مرحلة الاستقلال في سورية و قبل خطف البلد من قبل مدرسة البعث يسمّى ( الفولاذ ) حيثُ صدرَ القرار بإلغاء الكتاب من مقررات المنهاج المدرسيّ ؛ و حسب تحليل “أبي رضوان” المشفّر الذي بثّه على مستمعيه معلّلاً سبب نظام البعث الأسديّ من الإلغاء :
(( هل تعلمون لماذا تمّ إلغاء كتاب الفولاذ من المنهاج المدرسيّ ؟!!
لقد تمّ ذلك لاحتواء الكتابِ على الجملتين الآتيتين :
الأولى : الأسدُ حيوانٌ مفترس .
الثانية : الأرانبُ تستعدُّ للحرب ))!!!
– الموقف الثاني : يصلُ “أبو رضوان” في إحدى جولاته إلى ( سوق المنصوريّة – الطويل ) وسط مدينة حماة يقفُ خطيباً داعياً الناس للاستماعِ لخطبته المُحْكَمة حولَ فضائل القائد “أبي سليمان” ذاكراً شطراً من مناقبِه و حكمتِه و شجاعتِه و عدداً من مواقفه البطوليّة .. فاعتقد الناسُّ جميعاً أنه يتحدثُ عن “حافظ أسد” كما أوهمهم بحديثِه المموّه حيثُ كان يُكنّى قبلَ أنْ يغيّرَ الكنية لـ “أبي باسل” نسبةً لابنه باسل.. و في نهايةِ خطبةِ “أبي رضوان الحيط” يباغتُ الجمهورَ المستمعَ بسؤاله المفاجئ:
(( هل عرفتُم مَن هو أبو سليمان ؟!))
و يصمتُ قليلاً لتكونَ مفاجأةُ جوابِه عندما صرّح عن هويته بصوته الواضح المترسِّل :
(( إنّه القائدُ العربيّ المسلمُ خالدُ بن الوليد -رضيَ اللهُ عنه-!!!))
لينفضّ الناسُ عنه مسرعين تجنُّباً للاعتقال قبلَ وصولِ عناصر مخابرات أسد .
– الموقف الثالث : يؤذِّنُ المؤذنُ لصلاة الظهر عندما يصلُ “أبو رضوان الحيط” شارع أبي الفداء الأشهر وسط مدينة حماة فيتوجَّهُ لأداء الصلاة في ( جامع النوريّ الأثريّ -نور الدين الشهيد- ) ، يربط حمارَه الصغير الذي كان معه هذه المرة خارج الجامع و يدخل و يصلي الظهر ، و بعد خروجه يتوجّه لشارع أبي الفداء داعياً الناس للاستماعِ لجديده برفقة الحمار الذي سيكون له دورٌ رئيسٌ في مشهده التمثيليّ ، حيثُ ألبسَه ربطة عنق “كراڤيت” .. و هذه المرة دخلَ في الموضوع مباشرةً مخاطباً الحمارَ و قد أمسكَ بربطة عنقه و شدَّه نحو الأسفل أرضاً :
(( هل تريد حافظ أسد رئيساً؟!!)) و يتركُ الكرافيت ليرفعَ الحمارُ رأسَه للأعلى معلناً رفضه لحكم “حافظ أسد” ، فينتهزُ أبو رضوان الفرصة معلقاً بجرأة و طرافةٍ و نباهة :
((إذا الحمار ما رضي بحكمه.. !!!))
– الموقف الرابع : و يحطُّ “أبو رضوان” رحالَه برفقة حمارِه في منطقة الحاضر الكبير لكن هذه المرة سيكون موقفُه الرساليّ من نوع خاص شكلاً و مضموناً تلمحُ فيه جرأة طريفة هادفةً ؛ حيثُ ألبسَ حمارَه بدلةً عسكريةً و قد أغرقَها بالرُّتب العسكريّة و الأوسمة و النياشين و بدأ جولتَه في الشوارع وسطَ دهشةِ الناس و استغرابهم حتى وصلَ لحاضر الكبير -كما قدمتُ- و يقفُ جامعاً الناس للبدء بخطبته و نوادره فيتساءلُ قائلاً :
(( هل تعلمون مَن ضيّعَ الجولان .. هل تعرفون من باعَها…؟!!))
و يوجّه نظرَه مشيراً بيده نحو الحمار المجلّل باللباس العسكري مجيباً :
(( إنها هذه الرتب و النياشين هي مَن أضاعت الجولان !!!)) و يتابعُ طريقه باتجاه ساحة العاصي …
• اعتقالُه و تغييبه:
مواقفُ و نهفات “أبي رضوان” الهادفة أكثرُ من أنْ تُحصى لكنْ حسبي أنني قدمتُ نماذج من المواقف حَدَّدَتْ ملامحَ هذه الشخصية الإعلاميّة المتنقلة -إن صحّ التعبير- التي حملتْ همَّ بثِّ الوعي في أوصالِ المجتمع و تذكيره بتاريخه بغيةَ الخروج نحو دائرة العمل و التغيير ؛ هذه المواقف دفعت مخابرات أسد لاعتقاله عدة مرات و إخراجه لكن لمّا زادتْ حدةُ جرأتِه اعتقلتْه الاعتقالَ الأخير و غيّبته بعد قتله على أصحِّ الروايات ؛ حيث جاءت عدة سيارات من فرع الأمن العسكريّ نوع ( بيجو استيشن) و اعتقلته من حي باب البلد و أخفته كلياً على الرغم من مرضه الخاص و عدم اتزانه العقليّ -كما كان معروفاً- فضلاً عن كِبرِ سنه الذي تجاوز الخامسة و السبعين [75] عاماً حيثُ ضاق حافظ أسد به ذرعاً سيما و قد أذلّه عندما استفتى الحمار بقَبوله لحافظ أسد رئيساً و بيع الجولان و غيرها من المواقف التي تثبتُ أنّ “أبا رضوان الحيط -رحمه الله-” لم يكن محذوباً كما راجَ بل كان رجلاً قارئاً سليمَ الفكر و العقل من رواد مجالس العلم قبلَ أنْ يختلّ وضعُه العصبيّ ليفقده اتّزانه الذي جاء بعد الإخفاقات التي لحقت بالأمة في أواخر الستينيات تنيجة تفكيره الشديد و شخصيته العاطفية التي تتأثر بالأحداث … و قد كان آخرَ كتابٍ اشتراه “أبو رضوان” هو ( مشاهد القيامة في القرآن ) و قد دخلَ المكتبة بدراجته -كما نقلَ لي مَن عاصرَه- حيث كان ثمنُ الكتاب ثلاثَ ليرات سورية ، فقال لصاحب المكتبة : ((لن أعطيك إلا ليرتين .. ما معي غيرها .. خذها أنا أقرأ الكتاب و أعلمُ الناس بِنوبك ثواب..)) .
▪️▪️▪️دروسٌ من وحي الشخصيـة :
… بعـدَ هذه الإضاءة على شخصيةٍ من شخصياتِ مجتمعِنا السوريّ تمثّلُ ظاهرةً صحيةً حيةً وَعَتْ حقيقةَ أسدَ و عصابتِه ، و رفضَتْ حكمَه رغمَ بساطة و طرافةِ طرحِها و محدوديّةِ مداركِهـا.. أودُّ قبلَ إنهاء هذا اللقاء التذكيرَ بالثوابت التالية لتبقى ماثلةً في عقولِنا و وجدانِنا و ننقلَها إلى أجيالنا مغذّينَ بهـا فكرَ أبنائِنا ليدركوا جوهرَ الثورة و دوافعَها و أهدافَها منذُ السبعينيات و الثمانينيات من القرن الماضي مروراً بثورة [2011م] و حتى اللحظة الآنيّة :
• الدرسُ الأول : إنَّ نظامَ أسد الوحشيّ لا يفقهُ إلّا لغةَ الحديد و النار إذ ليس في قاموسه -إن صحّ التعبير- إلّا المفرداتُ المُظلِمةُ الكئيبةُ ( القتل – السحق – الدماء – الغدر – الخِسّة – قذارة الطبع – الجهل المركب – الغباء – النهب – السّفَه – الكذب – الوضاعة – الانحلال – الرذيلة – الفساد …) و عليه لن تستقرَّ سوريتُنـا و تبدأَ مرحلةَ البناءِ المجتمعيّ و القِيميّ و الإنسانيّ ثمّ النهوض الحضاريّ علماً و قوةً إلا بالقضاء على هذه العصابةِ المافياوية المنظّمة و كافة أذرعِها الإجرامية التي لم يُوفرْ إجرامُـها و حقـدُها الدراويشَ و المرضى و أصحاب الابتلاء و الاحتياجات الخاصّـة كـ أبي رضوان الحيط و غيره من الحالات التي وثَّقها الإعلامُ الثوريّ بداية الثورة [2011م] فما بالُكم بالعقول و العباقرة و العلماء و نُخب المجتمع و وجهاء العوائل و أعيان البلد…. هل يوفرُونهـم أو يتركُونهـم أحراراً ؟!! [1]
• الدرسُ الثاني : علمتْنا الأيامُ و التجاربُ مع هذه العصابة الطائفيّة أنْ نخرج عن نطاق المثاليّة و الأفكارِ الورديّةِ الحالمةِ لنعلنَ صراحةً و من دون أدنى تلوُّن أنّ ذراعَ أسد و رؤوسَ مخابراته في سحقِ المجتمع السوريّ هي طائفتُه ؛ نعـم الطائفة النصيريّة الحاقدة باسمها الصحيح و التي دخلتْ في ثأر لن يموتَ مع كافة مكونات المجتمعِ السوريّ حيثُ كانت ذراعَ المجرمَين ( رفعت و حافظ الوحش ثم بشار و ماهر ) و واهمٌ مَن يعتقدُ أنّ لهذه المجموعة الحاقدة المجرمة أمان أو جذور أصيلة في بنية المجتمع السوريّ .
• الدرسُ الثالث : لقد سعَتْ أيادٍ كثيرةٍ داخلية و إقليميةٍ و دوليّة لطمسِ جوهرِ المشروعِ الثوريّ الرامي إلى التغيير و بناء سوريةَ بناءً حضاريّاً يعيدُ للإنسانِ كرامتَه و يستجلي مكامنَ الإبداعِ فيظهرها و يدعمها .. هذا المشروع الذي تصدّرَه منذ بداية التنظيم و التنسيق رجال وطنيون صادقون حملوا همّ الثورة بأبعادِها الوطنيّة و القِيميّة و الأخلاقيّة و الإنسانيّة و الفكريّة و الأكاديمية فاجتهدوا في حدودِ الظروف و الإمكانيات فرسموا معالمَ واضحةً من الإنجاز و القوة بأبعادها إلى أنْ جرى تحييدُهم إمّا اعتقالاً و تغييباً في سجون أسد ، أو بالاغتيال أوِ تشويه سيرتهم أو إقصائهم عن دائرة القرار أو نفيهم خارج حدود المحرّر بعدَ تعريضهم لبرامج مدروسة من أفلام الرعب .. و ما ذلكَ إلا لأنهم وَعَوا خطورةَ المشاريع الدوليّة التي تستهدفُ الثورةَ من داخلها فلم يتماشَوا مع مخططات الغدر الدوليّة ، و أرجِّحُ السببَ الأول في ثباتهم على قضيتِهم -بعد توفيق الله لهم- هو أنّهم كانوا وثيقي الصلةِ بجذورهم فهم من الشخصيات الأصيلة الجذورِ الراقية القيم الصادقة في انتمائها ممّن تمثّلوا معنى “الأمـانة” بمستوياتها المختلفة الأخلاقيّة الاجتماعيّة و الوطنيّة الثوريّة و الفكريّة الرِّساليّة ؛ فلم يكونوا مُنبتِّي الجذور برغماتيين نفعيين يحصرون المشروعَ العام في إطارِ البرغماتيةِ الشخصيّة الضيقة .. و بعد ذلك جرى تصنيعُ شخصيات فارغةٍ عن أيّ قيمة باسم الثورة على النقيض تماماً من صفات الشخصيات الأوائل ليجري عبرها -في الداخل و الخارج- حرفُ بوصلة العمل الثوريّ عسكرياً و سياسياً و فكرياً و طمسِ معالم المشروعِ الثوريّ بمفهومه الجَمعيّ الحضاريّ… و تأسيساً على هذه الرؤية أقولُ :
إنّ واجبَ المرحلة استدراكُ الخلل و ذلك بتعاضد هِمم الشخصيات المُصلِحة الواعية في جميع المحاور العسكرية و الفكرية و السياسية و الاجتماعية و الأكاديمية … في مشروع جامع يجمعُ و يؤلِّفُ و يستثمرُ الإمكانيات المتاحة في إعادة رسم خارطة العمل و آليات التعامل مع الدول من جهـة و الشارع الثوريّ من جهـة رئيسة بمدِّ جسور الثقة نحوَه إذ يمثـلُ شارعُنـا الثوريّ الخلية الحيّةَ الواعيـة و الثِّقلَ الذي يعيدُ لميزان الساحة اتزانَه و قد رأينا منه المواقفَ الجريئةَ الرافضةَ للنيل من قِيم المجتمع عبر المناهج المسيئة لنبيّنـا -صلى الله عليه و سلم- بتوقيع مركز الاستشراف للدراسات و كذلك مشاريع مجلس الكنائس العالميّ الداعية لهدم مؤسسة الأسرة و نشر الشذوذ و الرذيلة في تعدٍّ سافرٍ وقحٍ على الفِطرة السويّة ، و آخرها -و ليس آخراً- الوقوف بوجه الشبيحة الذين قاموا بتهريب الشبيح المجرم .. و الانطـلاق في ذلك كلّه من قاعدةِ أنّ الثورةَ تكليفٌ و أمانة و عمل و ليستْ تشريفاً أو حصانةً لتكونَ ذريعةَ الأشخاص و الجهات فيحرفوا المسار و يُفسدوا و يُشبِّحوا باسم الثورة من دون رقابة و آلياتِ محاسبة ..
➖➖➖➖➖➖➖