أمنيات موسكو في العمق العربي

غسان الجمعة

0 384

بعد جولات لافروف في المنطقة لتأمين الدعم السياسي والمالي وإقناع بعض الدول العربية بإعادة النظام السوري لمقعده في جامعة الدول العربية، كشفت صحيفة الشرق الأوسط مؤخرًا عن مبادرة العمق العربي بمباركة ودعم روسي برعاية كل من (الأردن، والعراق، ومصر)، وذلك بعد أن قدَّمت شخصيات سورية هذه المبادرة لبغداد من أجل إيجاد الحل الأنسب لتحقيق الاستقرار وتعزيز الدور العربي في سورية.

المبادرة التي تدعمها روسيا وتأكيدات لافروف بعودة النظام السوري للجامعة العربية، تصطدم في واقع الحال بعدد من المعوقات الجيوسياسية التي باتت تفرض نفسها بقوة على الخريطة الإقليمية عمومًا والسورية خاصة.

اقرأ أيضاً:      لماذا أعاد الأردن فتح المعابر مع نظام الأسد بالرغم من كورونا

فموسكو تروج في حواراتها العربية لضرورة تفعيل الدور العربي في دمشق لمواجهة التغلغل الإيراني والنفوذ التركي، في حين تدرك صعوبة هذه الفرضية، لاسيما أن الدول العربية لا تزال منقسمة على نفسها حول قرار عودة الأسد للجامعة، الذي يعني بالمحصلة البدء بعملية تعويمه السياسي ودعمه مالياً عبر الالتفاف على قانون قيصر من البوابة الإنسانية، وهو ما حذرت منه واشنطن والاتحاد الأوربي مرارًا.

لمتابعة الأخبار السياسية والمنوعة اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

كما أن انطلاقة هذه المبادرة من العاصمة بغداد، حسب ما نقلت الصحيفة، أمرٌ مثير للسخرية سياسيًا عندما تروج له موسكو بأن هدفه محاصرة النفوذ الإيراني بمد عربي في سورية، لا سيما أن بغداد ذاتها ترزح لسطوة الحرس الثوري الإيراني.

ومن جهة أخرى فإن النظام السوري يدرك هدف موسكو ورغبتها في مساعيها لتقويض الدور الإيراني في سورية، وذلك لحرمانه من سياسة النسبية في الاعتماد على دعم روسيا وإيران بميزة تفاضلية على مبدأ الممكن والمتوفر أو ما يعرف “باللعب على الحبلين” وهو ما حذا بالنظام لرفض مبادرات عربية عديدة سابقًا، واستعاض عن ذلك بنسج خيوط علاقته بدول محددة ذات تأثير نوعي بسياسات المنطقة، كالإمارات ومصر، وترك باب التطبيع مفتوحًا للدول العربية الأخرى، وكان آخر المطبعين مع النظام السوري هو الجمهورية الموريتانية.

فليست الدول العربية هي من تسد فجوة الفراغ الإيراني عسكريًا وسياسيًا، وإن كان ذلك ممكن ماليًا، ممَّا يعني سلطة إضافية لموسكو على قرار النظام السوري المصادر برمته أصلاً، بالإضافة إلى خضوعها لنوع جديد من الضغوط لمصالح متفرقة ومتضاربة أحيانًا لتحالفات المنطقة؛ لذلك فإن الخيار الإيراني لا يزال يمثل الخيار الأمثل على كل الأصعدة بالنسبة إلى الأسد.

من جانب آخر فإن المخاوف الروسية التي تسوقها عن النفوذ التركي لا تتعدى كونها تكتيك مرحلة آنية منسجم مع الصراع الجاري بين أنقرة والمحور الإماراتي السعودي، في حين إن وجود أنقرة العسكري في سورية وحضورها السياسي في ملفاتها مرتبط بتفاهمات الرئيسين بوتين وأردوغان، بالإضافة إلى دور تركيا الجيوسياسي في المنطقة.

إن أي نشاط سياسي تباركه موسكو في محيط دمشق العربي هدفه أولاً وآخرًا تعويم الأسد سياسيًا وتأمين الدعم المالي له في هذه المرحلة، أما قضايا الحل السياسي وتغيير خريطة النفوذ للدول الفاعلة على الخريطة السورية فهو يخضع لتفاهمات دولية وقوة تأثير الأطراف على هذه الخريطة و دول “العمق العربي” هي آخر من يستطيع التأثير على ذلك.

 

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط