أوكرانيا ليست أفغانستان بوتين

غسان الجمعة

0 791

لا تزال القوات الروسية تخوض غمار أحلام بوتين القيصرية وتسعى جاهدة رغم كل خسائرها إلى تطويق العاصمة كييف وتحقيق نصر سياسي وعسكري يحفظ ماء وجه العسكرية الروسية في حين تلمّح الدول الغربية أن السيطرة الكاملة على أوكرانيا من قبل الروس أمر بعيد المنال وتترجم أقوالها هذه بتسليح الأوكرانيين بعتاد قتالي يعطي الحرب بعداً أشبه بحرب العصابات إذ تقوم على تسليح الأفراد بالمضادات ذات الاستخدام الفردي أو تلك التي تشغلها المجموعات المتنقلة بخبرات بسيطة.

بوتين خسر منذ بداية الحرب فرصة فرض قواعد الانتصار فيها وحدود التعاطي الغربي مع المعركة فالدفاع الروسية أرادتها حرباً تقليدية تكون فيها المواجهة مباشرة بين الأرتال البرية والقوات الجوية بحيث تنتهي بكسر عظم الجيش الأوكراني تحت القوة الساحقة الروسية في حين حولها الأوكرانيين ومن خلفهم دول الناتو إلى حرب شوارع وتكبيد خسائر وهذا واضح من خلال نوعية الدعم المقدم لكييف الذي يقتصر على مضادات الطيران والدروع والإنهاك الاقتصادي المتصاعد من خلال العقوبات المفروضة على موسكو.

إن معركة اليوم بين موسكو وكييف ومن خلفها الدول الغربية هي بين الحسم الذي يستعجله بوتين وحالة الاستنزاف التي يريدها الناتو وكييف إلا أن هذا السيناريو يصطدم بجملة من الوقائع والمعطيات قد تدفع بالحرب للانحراف عن مسارها الحالي إلى حالة التصعيد والوصول إلى نقطة اللاعودة أو حالة الهزيمة لأحد الأطراف بشكل واضح وهو ما لا يقبله أي منهما.

الرئيس الأوكراني يكشف عن عدد القتلى الروس منذ بداية الحرب

إن الاستنزاف العسكري لروسيا يواكب استنزاف مخزونات الطاقة والغذاء في معظم دول العالم وهو ما يهدد بتغيرات سياسية وهزات جيوسياسية على الصعيد العالمي أشبه بثورات الربيع العربي والثورات الملونة فتداعيات الغلاء ورفع الأسعار وفقدان السلع تعتبر مصدر تهديد مباشر لحكومات وأنظمة دول العالم الثالث وهو ذو نتائج غير مضمونة للدول الغربية في علاقاتها مع هذه الدول.

من جانب آخر فإن مضي الدول الغربية بهذه السياسة من خلال فرض العقوبات والاستمرار بحالة الدعم المحدود لكييف بهدف إطالة أمد المعركة لا حسمها فإن ذلك سيؤثر على مستوى الرفاهية الأوربية التي اعتادها الأوربيون وخصوصاً أن دولاً كثيرة تعتمد على موسكو باعتبارها مصدراً للطاقة ولذلك فإن التعبير الأصح الذي يضع الناتو نفسه فيه في مواجهة روسيا هو لعبة “عض الأصابع ” التي يجيدها الطرفان.

ولابد من التنويه أن محاولة الدول الغربية تعويض السوق العالمية بمصادر أخرى للطاقة ليست بمنأى عن المصيدة الروسية التي نسجها بوتين عبر علاقاته أو من خلال ثقل موسكو في الملفات الدولية فالهرولة الأمريكية نحو فنزويلا لضخ النفط مقابل تخفيف العقوبات قد لا تثمر في هذه الظروف لاسيما وأن موسكو تربطها علاقات قوية بكراكاس والأخيرة لن تضع نفسها سلاح بيد الغرب الذي كان يعاقبها بالأمس.

لمتابعة كل جديد تابعنا على فيس بوك 

وبالمقابل فإن إيران التي تستعجل الدول الغربية إبرام الاتفاق النووي معها والذي يسهل عملية ضخ النفط في شرايين القارة العجوز قامت موسكو بعرقلته وطالبت ألا يكون هذا الاتفاق مضراً بعلاقاتها مع طهران في سياق العقوبات المفروضة عليها بسبب الحرب في أوكرانيا.

وعلى الرغم من أن هذه الخطوة لا تصب في مصلحة طهران إلا أنها ليست على استعداد للتفريط بعلاقة استراتيجية مع بوتين من أجل حركة تكتيكية مرحلية تصب في صالح الدول الغربية التي لا تزال لتاريخ اليوم تفرض عقوباتها على إيران.
من جهة أخرى إن المساعي الغربية بإطالة أمد الحرب لكسر بوتين سترافقها موجات هجرة ولجوء كبيرة ولا يمكن قياسها بهجرات الجنوب بسبب طبيعة الجغرافيا و الروابط اللغوية و الاجتماعية والثقافية للمهاجرين الجدد مع بعض الدول الأوربية فهي ستكون أكبر و أوسع من غيرها.

كما أن تداعيات هذه الهجرة ومشكلاتها ستكون محط خلاف بين الدول الأوربية ذاتها وليس بعيداً عنا رفض عدد لا بأس به من دول الاتحاد اعتبار أوكرانيا بلداً ينتمي للعائلة الأوروبية الأمر الذي ينبأ بأن استمرار فوضى الحرب الأوكرانية سيكون أسفين خلاف جوهري في منظومة الإتحاد والتي قد تدفع بعض الدول الأوربية لاستبدال عوازلها الحدودية فيما بينها بالأسلاك الشائكة عوضاً عن حدائق الورود الحالية.

تختلف أوكرانيا عن الحالة الأفغانية بوجود محطات الطاقة النووية والتي يمكن أن تشكل خطراً على كلا الجانبين بقدر ما تشكل أيضاً أداة تغيير في مسار هذه الحرب في حال تم استخدامها بشكل مسيس وبقصد إلحاق الضرر أو إضافة عقدة جديدة للملف الأوكراني فما هو تحت السيطرة والتوافق اليوم قد لا يكون كذلك في الغد لا سيما وأن ساحة المعركة لا تزال مفتوحة وحالة القصف المتبادل على أشدها بين الجيشين الروسي والأوكراني.

الثابت في هذه الحرب أن ارتداداتها لا تقتصر على أطرافها ومحيطها الضيق بل تعم بآثارها العالم اقتصادياً وسياسياً وليس في مصلحة الجميع استمرار حالة الاستنزاف أو تحويل أوكرانيا إلى مستنقع تصفية حسابات وبالوقت نفسه فإن عودة بوتين بالرايات السوفيتية إلى تخوم أوروبا دون تحرك أوروبي هو بمثابة شيك مفتوح لشهية بوتين في قضم ما يشاء وفعل ما يريد وهو ما يعني حرباً مفتوحة على كل شيء.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط