ارتدادات الزلزال الأفغاني على دول آسيا الوسطى

علاء العلي

0 2٬268

 

 

عقدين من الزمن مرّا على بلاد الأفغان تحت نيران الأطلسي، سبقها الاحتلال الروسي الذي دمَّر كل شيء فيها، لتخرج بعد هذه الحروب بمشهد غاية في التعقيد، يربط أهدافًا ومصالح متضاربة جدًا بين دول الطوق الأفغاني.

 

الصين وروسيا والهند وباكستان وإيران وتركيا اللاعبة حديثًا مع الأمريكيين، كلها دول باتت تتجاذب في طرف وتتنافر في أطراف أخرى، فالانسحاب الأمريكي من قاعدة باغرام الأشهر أفقدت الإسناد الجوي لحكومة أفغانستان، مما جعلها تتفكك وتنشق معظم قواتها تفاديًا للاشتباك مع مقاتلي طالبان المنضبطة والمتماسكة فكرًا وتنظيمًا، ممَّا ترك مساحات شاسعة من هذه الأراضي تخرج عن سيطرة كابل، الأمر الذي دفع بحكومة أفغانستان لدعم حركات المناطق المتموضعة في جغرافيات محددة كولايات الشمال، التي تتخذ دعمًا كبيرًا من دول تعادي الحركة وتوافق حكومة كابل كإيران وروسيا وحتى الهند كمزار شريف وباميان وحتى هيرات بالغرب الأفغاني .

زلزال الأفغان الحديث وصلت ارتداداته لتشمل عدة دول بمشهد غاية في التعقيد، فالانسحاب الأمريكي والأطلسي خلَّف حالة عدم استقرار تدعمه حالة الفساد الحاد في إدارة حكومة البلاد، ممَّا عزز من ظهور دعوات للتشبث بالعرق والمذهب، فالحماية لهذه الأقليات كالهزارة الشيعية وغيرها من الحكومة المركزية تم فقدانها، بعد الدعم الإيراني والروسي لهذه الإثنيات ضد البشتون المكوّن الرئيس لحركة طالبان.

 

إدراك طالبان لخطر الدخول باحتراب داخلي عرقي ومناطقي جعلها تتحرك نحو ولايات الشمال وتسيطر على معابر مع طاجكستان لقطع الإمداد الروسي لهذه الجماعات المناهضة لطالبان.

روسيا التي تعُدُّ هذه الجماعات طوق حماية لحدودها الجنوبية، تتبنى تقديم كامل الدعم لها للحيلولة دون وصول أي تمرد من حركات جهادية سابقة لحديقتها الجنوبية.

إن الانسحاب الأمريكي وما تبعه من سيطرات شاسعة من طالبان يمكن تفسيره برغبة أمريكية واضحة في اللعب على أمن روسيا الإقليمي من الجنوب بعد إثارته وزعزعته في حديقتها الغربية مع أوكرانيا والبحر الاسود وجزيرة القرم، وهو ما يحمل في سياق العقوبات الغربية ضد السلوك الروسي البلطجي في عدة أماكن من العالم، ولجمه بالانحراف نحو ترتيب الأمن الداخلي الذي يعدُّ أَولى بطبيعة الحال.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا 

هذه السيطرة الطالبانية ستقف دون أدنى شك عائقًا أمام خطة الصين في استكمال مشروع طريق الحرير الاقتصادي الذي بذلت لأجله الأموال لدول العبور لتهيئته لوجستيًا وفق قروض ضخمة مقدَّمة لإيران، هذه السيطرة ستعيق بشدة هذا المشروع الذي يعدُّ حبلًا سريًا للصين المنافسة للغرب اقتصاديًا، فالأمن الصيني ينعقد برابطة الاقتصاد، وأي هزة رقمية سيفقد الصين صعودها لمصلحة الصعود الأمريكي، فالصين كانت قبل حرب أفغانستان الهدف المحوري للسياسة الأمريكية؛ لأن الحرب الأفغانية أدارت الظهر لدى هذا التنين الهائج، الذي تسبب ظهوره أخيرًا في اختلال موازين القوى في العالم، وهذا ما لا يروق للأمريكيين، الذين يسعون بكل جهدهم من خلال التفاوض مع قادة الحركة في الدوحة لترتيب الانسحاب بشكل كامل، والدخول بمرحلة جديدة تقدم فيها الضمانات للغرب بعدم استهداف مصالحهم.

تسعد هذه التحولات الجذرية عدة دول من بينها باكستان التي ترى فيه تحولا نحوها، ما يعني استدارة عن الهند، و تفعيل حركات مقاتلة في كشمير المتنازع عليها، وهو ما يعني تظافر القوة الباكستانية ضد العدو الهندي المدعم أمريكيًا يومًا ما، فالبشتون هم امتداد للجماعات الباكستانية ، والملايين الثلاثة النازحون من أفغانستان نحوها سيشكل عامل ضغط يفرض على طالبان التحول نحو باكستان التي ستؤمن لها وصولًا للمياه الدولية، فهي لا تملك منفذًا بحريًا، لكن هذا الأمر لا يروق للهند مطلقًا، ولهذا لن تقبل لهذا الوضع وستغذي حركات التمرد الشمالية أيضًا وهو بالفعل ما تم.

اقرأ أيضاً: من يهادن طالبان لن يواجه طهران

إيران الدولة التي تعدّ حكومة كابل امتدادًا دينيًا وعرقيًا لنفوذها، تهلهل هذه الحكومة سيفقد الدعم الكافي لجماعة فاطميون والهزارة الشيعة، ما يعني تقويض لدورهم في أفغانستان، لذلك ستعارض هذه السيطرة بكل طاقتها ولن تسمح بذلك أبدًا، الأمر الذي إن حدث سيخفض من تدخل هذه الميلشيات في بلدان تعدُّ ساحة العبث الإيراني كسورية والعراق واليمن.

الدفع الأمريكي لتركيا ومفاوضاتها معها لتامين مطار كابل ومنه حماية وتامين البعثات الدولية، وما تزامن معه من رفض طالبان ، يفتح المجال أمام سيناريوهات لا ترغب في الدخول بها أنقرة، وهي التي قبلت الطلب الأمريكي لها بعد قمة أردوغان بايدن على هامش اجتماع بروكسيل الأخير لحلف الشمال الأطلسي، لا بد من سياسة التفاوض التي تقبل بها الحركة بعد تحورها سياسيًا وقبولها مكونات شيعية ضمن إدارتها، تتفق معها في طرد الناتو وتسيطر على البلاد، ورسائل الأتراك لينة في هذا الاتجاه، لربما تفضي لاتفاق يضمن جدولاً زمنيًا للانسحاب الكامل من أراضيها.

 

المتتبع للأحداث سيجد بشكل واضح أن الولايات المتحدة الأمريكية تقود علنية ضرب واستهداف الروس والصين وإيران بشكل متسق، وتدفع بذلك تركيا، والأخيرة تقبل الرهان الأمريكي عليها، بمقابل دعم لمخططات تركيا في ليبيا وسورية وأذربيجان وحتى اليونان وشبه جزيرة القرم بشكل رئيس.

السيطرة الطالبانية على أفغانستان ستعيد تقوقع الدول المحيطة بها نحو حدودها، فالتهديدات القائمة أصبحت حقيقية، رغم الرسائل المطمئنة من قادة الحركة، إلا أن السياق العام الذي حدث فيه التحول يحمل علامة ريبة وشك كبيرين لتحقيق الأهداف البعيدة الأمد.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط