الأسد يستمر بعبثية اللجنة الدستورية والأجندة الوهمية لهذه الأسباب

علي سندة

0 299

علي سندة

انطلقت أعمال الجولة الخامسة للجنة الدستورية في جنيف يوم الإثنين الماضي 25 كانون الثاني الحالي، واختُتمت يوم الخميس 28 من الشهر نفسه، دون تحقيق شيء بالنسبة إلى جهة المعارضة.

وقد قال (هادي البحرة) رئيس اللجنة الدستورية عن المعارضة في لقاء صحفي عقده بعد انقضاء أعمال الجولة الخامسة: “لم تتمكن اللجنة الدستورية من بدء أعمالها المقررة بصياغة الدستور بعد خمس جولات.”

وإذا كانت اللجنة لم تتمكن من بدء الأعمال المُقررة بعد خمس جولات ومضي أكثر من عام على الجولات التي كان أولها في 11-11-2019 وآخرها منذ أيام، فمتى ستتمكن؟! ماذا يترجَّى أعضاء اللجنة الدستورية من طرف المعارضة (المتفائلون وغير المتفائلين) بعد كل هذا الوقت ووضوح عبثية الملف وسط عدم إنجاز أي شيء؟! وهل أجندة الحوار الدستوري الموجودة على الطاولة التي لم يُتمكَّن من البدء فيها إلى الآن ذات جدوى بالنسبة إلى المعارضة؟

قبل الإجابة عن التساؤلات السابقة نُذكِّر بخلفية اللجنة الدستورية التي وُلِدت من مسار سوتشي الذي يُعدُّ تفريغًا كاملًا للقرارات الدولية في الملف السوري، لذلك كانت اللجنة الدستورية منذ تشكيلها تُمثّل واقعية سياسية افتقدت الشرعية الثورية، ولم يحظَ أعضاؤها (ممثلو المعارضة) بالمشروعية التي تتولد من رضا الناس في تمثيل قيم الثورة ومبادئها لا سيما تحقيق العدالة والمساوة وإنهاء الديكتاتورية.

اقرأ أيضاً: هادي البحرة: اللجنة الدستورية في العناية المشددة بسبب نظام الأسد

أما بالنسبة إلى الإجابة عن التساؤلات السابقة، فإن عدم التمكن من إنجاز شيء في اللجنة الدستورية إلى الآن مردُّه إلى ما يلي:

1-من يُملي الأجندة يُدير التفاوض: فنظام الأسد فعليًا هو الذي يدير دفَّة اللجنة من خلاء إملائه الأجندة التي يُريدها سواء اعتقدت المعارضة ذلك أم لم تعتقد، إذ إنه أتى اللجنة الدستورية للتفاوض على كتابة دستور، بينما المعارضة أتت اللجنة الدستورية لكتابة دستور، وبين مدخل النظام والمعارضة فرق كبير، فالنظام فهِم هذه القضية المفصلية وعمل عليها واستغلها بالحفاظ على مكانة الرئاسة وعدم الاقتراب منها حتى تحقيق ما يريده، أو يُنهي اللجنة دون تحقيق شيء حتى على صعيد باب المبادئ العامة للدستور التي وافق على نقاشها لغرضين، الأول: تمييع الوقت والمسار، والآخر: تفجير خلاف داخل المعارضة، فالنظام يفهم أننا مختلفون على المبادئ العامة أكثر من إسقاطه فعليًا.

2-إن غاية النظام الأولى من اللجنة الدستورية كسب الوقت، بدليل أنه مَرَّر سنتين دون تحقيق شيء، بل إن مسار اللجنة الدستورية غير مرتبط بجدول زمني أساسًا، وهذا أشد عبثية ويساعده على استمرار هدر الوقت لتمييع الغرض الأساسي للجنة وحرفها عن مسارها.

3-إن ورقة العبيثة التي يقوم بها نظام الأسد في اللجنة الدستورية من هدر الوقت وتمييع المسار وإملاء أجندة التفاوض، غايته فيها أولًا مسايرة المجتمع الدولي في أمر المسار السياسي لإنهاء الأزمة السورية كيلا يكون مُعطلًا، ثم تأتي الغاية الأهم وهي الوصول إلى الانتخابات الرئاسية التي بقي لها ثلاثة أشهر فقط بدستور 2012 المفصَّل لصناعة دكتاتورية من جديد، لذلك نراه وافق على ورقة المبادئ العامة بعد عناء شديد كونها لا تؤثر على مركزية السلطات وإنهاء الدكتاتورية، بل لم يُفلح المجتمعون في الجولة الخامسة من مناقشتها فضلًا عن كونها لا تؤثر على مصدر الدكتاتورية في سورية.

وهنا تجدر الإشارة إلى أمر جد مهم فوتته المعارضة على نفسها بفرض ورقة تفاوض يتكلم بها النظام وهي (الانتخابات الرئاسية)، التي هي مادة تعدُّ من صلب عمل اللجنة الدستورية ووقتها الآن، إذ كان على أعضاء المعارضة في اللجنة الدستورية لفت أنظار المجتمع الدولي للحديث عن ورقة (الانتخابات الرئاسية) كبالون اختبار له على الأقل كون سورية مقبلة عليها، لكن بما أن المعارضة لم تتحدث فيها وابتلعت فخ المبادئ العامة كمعركة داخلية بين المعارضة تعزز الفرقة وكمعركة مع النظام توحي أنها ذات أهمية، لكن النظام أدهى من أن يفتح على نفسه باب مناقشة الانتخابات، فقد سبق السيف العذل، وهو يحضر لسبع سنوات عجاف أخرى.

اقرأ أيضاً: الهيئة السياسية في إدلب تجري انتخاباتها بأجواء ديمقراطية

4-الأساس في النزاعات إنهاء الصراع ثم كتابة الدستور وليس العكس كما يجري في سورية حاليًا، لأن الدستور يُكتَب لحفظ الحقوق والحريات في المستقبل البعيد ويتصف بالديمومة وليس وسيلة لإنهاء الصراع، لذلك سلة اللجنة الدستورية لا تولد انتقالًا سياسيًا، تمامًا كما دستور 2012 الذي لم يغير من أمر الصراع السوري شيئًا.

5-وبعد كل ذلك ومرور الوقت هدرًا وذهاب سورية إلى حقبة جديدة مظلمة، ماذا ينتظر ويتأمل سياسيو المعارضة في اللجنة الدستورية؟ إن من يتكلم بالواقعية السياسية ويرى أن الذهاب إلى اللجنة الدستورية أمر لا بد منه كيلا نكون معطلين للحل السياسي وأننا أصبحنا ندًا للنظام واعترف بنا، فهو مخطئ؛ لأن الأصل في المعارضة هو القيادة لا الانصياع للواقع السياسي كأننا فقدنا كل الحلول، ومسالة أن النظام اعترف بنا كمعارضة فهو اعتراف منقوص لأنه أشبه بالجلوس ضمن غرفة واحدة لأجل مسألة واحدة هي الدستور لكن بوجود النظام وسيادته وشرعيته الدولية، وإذا كان من اقتنع باللجنة الدستورية تأمل منها انتقالًا سياسيًا بعد مرور أكثر من سنتين فقد خُدِع بدليل المخرجات عبر خمس جولات لم تعد علينا ولو بخفي حنين، لكنهم إلى الآن لم يعترفوا حتى بخطئهم، ولم يقدموا خطوات عملية إما تنهي المهزلة أو تحقق شيئًا مثمرًا على طريق الحل.

الخلاصة: إن استمرار ركون أعضاء اللجنة الدستورية من طرف المعارضة إلى المجتمع الدولي وانتظار التعليمات، كأجير ينظر من معلمه ماذا سيفعل، سيُبقِي المعارضة السورية غِر سياسية تغوص في صراعاتها الداخلية التي تغذيها الدول التي شكلتها، لأن المجتمع الدولي الذي صدع رؤوسنا سابقًا بأنه لن يعترف بالانتخابات الرئاسية سنة 2014 سيكذب مرة أخرى ويبيع الكلام دون الأفعال، لذلك سيُدخِل بشار الأسد سوريةَ بسبع سنين عجاف أخرى ستكون أشد قساوة على كل السوريين في الفترة الرئاسية القادمة 2021، وبالتالي فإن كل لعبة اللجنة الدستورية وعبثيتها من قبل النظام غرضها تمرير الوقت لخوض انتخابات رئاسية جديدة، وعدم تحقيق انتقال سياسي، وإبقاء الخريطة السياسية لسورية على ما هي عليه، والقفز على القرارات الأممية عبر بوابة سوتشي التي أنتجت لعبة اللجنة الدستورية التي مايزال يديرها نظام الأسد بكل احترافية.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط