الأمن القوميّ الروسي بين الشمّاعة والميدان

0 622

علاء العلي

تصاعدت مؤخرًا حدّة الخطاب السّياسي بين روسيا وأوكرانيا، إذ إن روسيا طالما تذرّعت بخطورة وصول قوّات عسكريّة ضمن منظومة حلف النّاتو إلى حدودها الغربيّة، وعدَّت ذلك أمرًا خطيرًا مهدّدًا لأمنها القوميّ، ولهذا بَنَت سياستها الخارجيّة على قمع أيّ مظاهر تدعو وتؤدّي بالمحصّلة لانخراط دول الطّوق الروسيّ في عضويّة النّاتو، لأنها حينئذ ستكون منطلق عمليّات دفاعيّة وهجوميّة ضدّ مصالح موسكو الجغرافيّة والعسكريّة.

لمتابعة الأخبار السياسية والمنوعة اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

 

إن سعي موسكو الدّؤوب نحو دعم العناصر الانفصالية شرق أوكرانيا وفي القرم يصبّ في بوتقة العزل الأمنيّ الذي توفّره هذه العناصر، ودعم الجماعات والتّنظيمات والأحزاب الانفصالية يشكّل منطقة تشبه مسرح عمليّات متقدم خارج الأراضي الرّوسية ومناورة خلفيّة مع طموح الناتو في التوسع في العمق الروسيّ.

 

تدرك روسيا أن التحرك المدعوم أمريكيا في الأزمة الأوكرانية يصيب أمنها القوميّ في المقتل، فالخطوات المتواترة والتّصعيديّة التي بدأتها واشنطن ضد مصالح روسيا على الصعيد الدّبلوماسي وحتى العسكري وخريطة نيران الناتو المتقلبة مع ظهور أزمة أوكرانيا، يجعل موسكو تعيد حساباتها بشكل يضمن عدم انجرارها لمعركة عسكريّة يخسر طرفاها بالمحصّلة، وبين الاعتراف بحجم روسيا دوليًّا أمام باقي القوى، والخضوع لمفاوضات يذعن فيها بوتن على مستوى الشّرق الأوسط وقضايا الأمن الأوروبّي ودول حلف شمال الأطلسيّ.

اقرأ أيضاً: ما حقيقة انسحاب القوات الروسية من منطقة تل رفعت شمال حلب؟

تذرّعُ روسيا المتواصل بهاجس أمنها القوميّ يُقرأ في عدة عواصم غربيّة بأنّه شمّاعة لتوسيع سيطرة موسكو وابتلاعها المزيد من الأراضي الأوكرانيّة بعد ضمّها لشبه جزيرة القرم في البحر الأسود، خطوة لم يتم الاعتراف عليها حتى من اللاعبين في هذا البحر، فتركيا الجارة الجنوبيّة تعلن عدم اعترافها بهذه الخطوة، وتؤكّد في كل محفل بأنّ روسيا تتذرع بأمنها القومي لبسط نفوذها على مناطق لا تتبع روسيا مطلقًا.

 

يظهر أن روسيا التي أدخلت تركيا شمال سوريّة لذات السّبب تظهر ردّة الفعل نفسها إزاء تموضع تركيا في الشّريط الشّمالي لسوريّة، فروسيا تنظر بريبة شديدة لتركيا بهذا التحرك، وإن كان دخولها مدعّم بروتوكولايًا في الأمم المتّحدة وبين دول محور أستانة، فهل دخول تركيا يشبه توغل روسيا في القرم والشرق الأوكراني؟!

 

الأمن القوميّ التركي المهدد من موجات نزوح بلغت ملايين المدنيين هي حقيقة وواقع، وكذلك نشوء حركات عسكريّة انفصاليّة باتت تهدد الجغرافيا التركية، أحداث حقيقية ليست نسج خيال، بل واقع تعاملت معه أنقرة بكل حزم، أما روسيا فأي مما ذكر سابقًا غير موجود!

الطّموح الروسي وتهديد الحكومة الأوكرانيّة وتحذيرها من الانخراط بحلف الناتو هو حدث يسبق أوانه حرض موسكو على إحداث تدابير استباقية في الميدان.

وحده عالمنا العربيّ الذي لا يتحدث عن أمنه القوميّ إلا بشعارات معلّبة، فمصر المهدّدة من أثيوبيا في عمق أمنها القومي بمياه نيلها وسد النّهضة، والسّعودية التي تطالها صواريخ الحوثيّ ومسيّراته الفضائيّة وتزعزع استقرارها وأمنها وحتى اقتصادها، وليس انتهاء بالعراق ولبنان اللذين سلبت منهما إيران زمام المبادرة وتحوّلا إلى جزء من أمن قوميّ إيرانيّ باتت تتحدّث عنه بكلّ صفاقة!

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط