الإيكونوميست: استطلاع رأي يكشف انقسامات وآمال بالتغيير في سوريا

1٬528

قدم الرئيس السوري المؤقت، أحمد الشرع، في 29 مارس حكومته الجديدة، واصفًا إياها بأنها “إعلان عن إرادتنا المشتركة لبناء دولة جديدة”. وبدا الأمر كذلك بالفعل، فقد كانت الحكومة التي شكلها الشرع عند وصوله إلى دمشق في ديسمبر بعد الإطاحة ببشار الأسد مكونة بالكامل من إسلاميين سنّة وجهاديين سابقين. أما في التشكيلة الجديدة، فلا يزال الموالون له من أيام الحرب الأهلية يشغلون المناصب العليا، لكن بعض المتشددين تم استبدالهم بتكنوقراط. كما ضمت الحكومة وزيرًا من كل أقلية من الأقليات السورية: علوي (الطائفة التي ينتمي إليها الأسد)، ومسيحي، ودُرزي، وكردي. أما الوزيرة الوحيدة في الحكومة، فلا ترتدي الحجاب.

اختبار حقيقي للتعددية

الأشهر القادمة ستكشف ما إذا كان مشروع الشرع لإعادة بناء سوريا يعكس فعلًا هذا التوجه التعددي أم لا. فالأقليات غير السنية وغير العربية، على وجه الخصوص، لا تزال قلقة بشأن ماضيه الجهادي ونزعته إلى المركزية في الحكم. وفي الشهر الماضي، قُتل المئات، وربما أكثر، في أعمال عنف طائفية على الساحل. أما الأكراد الذين يسيطرون على شمال شرق سوريا، فلا يعترفون بالحكومة الجديدة. ومع ذلك، أظهر استطلاع نادر للرأي العام، أُجري بتكليف من الإيكونوميست في مارس، أن هناك تفاؤلًا واسع النطاق بقدرة الشرع على إعادة بناء سوريا.

نتائج استطلاع الرأي: تفاؤل رغم المخاوف

شمل الاستطلاع 1500 سوري من مختلف المحافظات والفئات الطائفية، وكشف أن 81% من المستطلعين يوافقون على حكم الشرع، بينما يرى 22% فقط أن تاريخه السابق كقيادي في تنظيم القاعدة يجعله غير مؤهل للقيادة. كما قال عدد كبير من المستطلعين إن النظام الجديد أكثر أمانًا وحرية وأقل طائفية من نظام الأسد. وأبدى 70% تفاؤلهم بمستقبل البلاد، وكانت محافظة إدلب الأكثر تفاؤلًا، حيث عبر 99 من أصل 100 مستجيب عن نظرة إيجابية.

اقرأ أيضاً: الحكومة السورية الجديدة.. تعهدات بالإصلاح واستعادة الاستقرار

في المقابل، كانت محافظة طرطوس، المختلطة دينيًا والتي شهدت مجازر ضد العلويين الشهر الماضي، الأكثر تشاؤمًا، ومع ذلك، فإن 49% من سكانها ما زالوا متفائلين، مقابل 23% متشائمين.

تحديات اقتصادية وقرارات مثيرة للجدل

رغم ذلك، لم يسلم الشرع من الانتقادات، لا سيما في الشأن الاقتصادي. فقد رأى أكثر من نصف المستطلعين أن الأوضاع الاقتصادية إما بقيت راكدة أو ازدادت سوءًا منذ توليه السلطة. في المقابل، لاقت قراراته بإعادة تقييم الرسوم الجمركية على الواردات والسماح بتداول الدولار بحرية بعض الدعم الشعبي. ومع ذلك، فإن معظم رواتب موظفي الحكومة لم تُدفع منذ وصوله إلى السلطة، ما تسبب في نقص حاد في السيولة النقدية.

وفيما يتعلق بالسياسة الدفاعية، يعارض معظم السوريين بشدة سياسة الشرع في دمج المقاتلين الأجانب في جيشه الجديد، حيث طالب 60% من المستطلعين بترحيلهم بدلًا من تجنيدهم. كما لا يوجد توافق واضح بشأن كيفية محاكمة الجرائم التي ارتُكبت في عهد النظام السابق.

خلافات طائفية حادة حول المستقبل السياسي

كما هو متوقع في بلد خرج من عقود من الحكم الاستبدادي الذي تهيمن عليه الأقلية، كشف الاستطلاع عن فجوة عميقة بين الأغلبية السنية والأقليات السورية، لا سيما العلويين الذين كانوا موالين للأسد. فقد أبدى 6% فقط من السنّة نظرة متشائمة، مقارنة بـ 40% من العلويين. أما الأكراد والدروز والمسيحيون، فقد شعروا بأنهم أكثر فقرًا وأقل حرية وأمانًا مقارنة بالعرب السنّة.

ملامح سوريا المستقبلية: بين الشريعة والعلمانية

أحد أبرز نقاط الخلاف ظهرت في آراء المستطلعين حول النظام القانوني في سوريا المستقبلية. إذ أيد أكثر من 90% من السنّة إعادة تطبيق الشريعة الإسلامية، إما كليًا أو جزئيًا، بينما فضل 7% فقط نظامًا قانونيًا علمانيًا بالكامل. في المقابل، كانت النتائج معكوسة لدى الأقليات، حيث طالب 86% من الدروز والمسيحيين و73% من الأكراد بنظام قانوني علماني. كما كان دعم الشريعة الكاملة أقل بين النساء (29%) مقارنة بالرجال (40%). ومع ذلك، أيد أكثر من ثلاثة أرباع المستطلعين منح النساء حقوقًا متساوية.

الموقف من إسرائيل: دبلوماسية بدل المواجهة

رغم الانقسامات حول قضايا أخرى، إلا أن السوريين يتفقون إلى حد كبير بشأن التعامل مع إسرائيل. فمنذ سقوط الأسد، استولت إسرائيل على مئات الكيلومترات من الأراضي السورية، بالإضافة إلى مرتفعات الجولان المحتلة، كما دمرت الترسانة العسكرية السورية. ومع ذلك، فإن السوريين لا يريدون الحرب. إذ فضل ثلثا المستطلعين اتباع السبل الدبلوماسية لمواجهة إسرائيل، بينما أيد 10% فقط الخيار العسكري.

الشرع أمام اختبار الثقة

بالنظر إلى كل هذه الانقسامات الطائفية، فإن السوريين – بشكل مفاجئ – لا يزالون متفائلين. باستثناء العلويين، الذين يريد ثلاثة أرباعهم إجراء انتخابات خلال عام، فإن معظم السوريين ليسوا في عجلة من أمرهم لاستبدال أحمد الشرع. السوريون يمنحون زعيمهم الجديد فرصة، ويبقى عليه أن يحسن استغلالها.

المقال الأساسي في صحيفة إيكونوميست من هنــا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط