الجنوب السوري.. الانفجار القادم

غسان الجمعة

0 478

غسان الجمعة

 

يعيش الجنوب السوري حالة عدم استقرار نتيجة التصاعد المستمر لوتيرة الاغتيالات والهجمات، وما يدور في الأوساط الإعلامية عن احتمالية اقتحام النظام السوري لبعض المناطق في درعا بالآليات الثقيلة، إضافة إلى الهدوء الحذر الذي يسود السويداء بعد حادثة الإساءة لمشيخة عقل الموحدين الدروز من قبل رئيس الفرع العسكري في المدينة الذي أقاله الأسد على وجه السرعة معتذرًا عمَّا بدر من بيدقه.

الحالة الأمنية السيئة للجنوب وما يرافقها من أوضاع اقتصادية صعبة تنذر بوقوع انفجار في المنطقة في أي لحظة قد يزيد المشهد تعقيدًا، ويبقى السؤال: من المستفيد من هذا الوضع المفخخ منذ توقيع الاتفاق بضمانة روسية في العام 2018؟ وما هي العقد الذي تمنع حله مع أن لدى بعض الأطراف قدرة على ذلك؟

البداية من مهندسة اتفاق 2018 روسيا التي حافظت على بعض الفصائل المحسوبة على المعارضة بعتادها الخفيف في مناطقها مع ضمان عدم تعرض نظام الأسد لها مقابل الدخول تحت مظلة الفيلق الخامس والسماح لمظاهر الدولة بالعودة إلى مناطقها.

اقرأ أيضاً: بعد المجزرة المروَّعة.. قائد شرطة عفرين: “أطراف إرهابية تستهدف المدينة”

هذا الوضع أسفر عن تركيبة في الهيكلية العسكرية في المنطقة بين موالية للروس وأخرى أتمت تسويتها بالانخراط والاندماج الكامل مع ميلشيات الأسد، وهو ما شجع الإيرانيين على تشكيل كتيبتهم الخاصة بهم 313 على النمط الروسي، وانخرطوا إلى جانب النظام في كل مواقعه وأماكن توزعه بالقرب من الحدود الإسرائيلية ومعابر التهريب مع الأردن.

الروس في هذه الشبكة المعقدة يعيشون فوضى عدم التوازن بين بعض الأطراف من جهة، ورغبتهم بتحقيق نوع من الاستقرار من جهة أخرى؛ للتركيز على مناطق أخرى في الجغرافية السورية.

إلا أن سباقهم مع الإيرانيين للاستثمار في المخزون البشري لشباب المنطقة، ووقوف الروس على مخاوف إسرائيل والحفاظ على بقايا التسويات والمجموعات المحلية، بات مزيجًا من المصالح والأولويات يقتضي منها إسقاط بعض الأوراق منها للإمساك بأخرى، وهو ما يخشى منه أن تفرِّط بالورقة الأضعف وهي تمكين النظام من تنفيذ حملته ضد العناصر الذين يعتبرهم النظام من بقايا المعارضة والمنخرطين في صفوف الفيلق الخامس.

من جانب آخر يتصادم الدور الإيراني في المنطقة مع الرؤية الإسرائيلية والمطالبات الأردنية، حيث كما تسعى طهران وحليفها حزب الله في الجنوب للعمل بالقرب من الحدود الإسرائيلية ومنافذ التهريب لتصريف المخدرات، تستمر إسرائيل برصد كل التحركات واستهدافها، بينما يعدُّ الأردن وجود حزب الله وإيران على حدوده أمرًا يمسُّ أمنه الوطني، وهو يمهد للصدام في أي وقت، لا سيما أن الإسرائيليين قد وجهوا العشرات من التحذيرات للإيرانيين.

بينما النظام السوري ليس الأفضل حالاً بين هذه القوى، فقد أضاف الروس له وضعًا خاصًا في درعا، إضافة إلى خصوصية التعامل مع السويداء، وهو ما يتعارض مع نظرية النظام في السيطرة والحكم للمناطق، فتشجَّع على تنفيذ الاغتيالات والاعتقالات والتي قابلتها مجموعات المصالحات بالمقاومة والعمليات الأمنية ضد عناصر الأسد وحواجزه، محتمين بالفيتو الروسي الذي يمنع الأسد اقتحام بعض المناطق عسكريًا حتى الآن.

هذا الوضع ليس من مصلحة أحد، وقد أدرك الجميع ذلك ودخلوا في سباق تصعيدي ليفرض الأقوى كلمته في وجه الآخرين، فإسرائيل صعَّدت من هجماتها، وتستمر إيران وحزب الله بالحشد ونقل الأسلحة للمنطقة بغطاء الفرقة الرابعة، بينما يطمح النظام لإقناع الروس باجتياح القرى والمناطق وفرض سلطة الأمر الواقع.

مستقبلاً قد لا نرى ثورة جديدة في الجنوب السوري؛ لأن آثار جراحها لاتزال تدمي درعا وقطارها فات السويداء منذ أمد، لكن الثابت أن عهد الخنوع بات من الماضي، وخلق الظروف والفرضيات ليست بيد النظام أو حلفائه فقط.

 

 

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط