العزلة المُحبَّبَة

 دعاء بيطار 

0 942

 

العزلة الاجتماعية لها فوائدها في حالة انتظار الفرج من الله، إذ إن نراه في هذه الأيام من ازدياد السلبيين والمحبطين يجعل من الصعب جدًا الصمود في مواجهة قوة الجذب لديهم أو العدوى منهم.

 إن البعض لديهم موهبة في امتصاص الطاقة الإيجابية ممَّن حولهم وتحويلها إلى العدم، تمامًا كما الموت الذي يحيل أجسادنا إلى تراب، فمن بني البشر ثمَّة من يحيل دنيانا إلى سراب بدعوى الواقعية والخبرة في الحياة، فتجدهم جاهدين يكررون المحاولة لتنفض من يديك كلّ أمل وتعلق بما عند الله، ظنًا منهم أن اصطدامك بالواقع خير من أن يقع عليك، ولا أدري لماذا يشكل هؤلاء كامل السياج حول مصيبة الإنسان ليغرق بها دون منفذ، ثم ما إن يغرق حقيقةً يتركونه وحيدًا محتسبين الأجر إلى آخر، وليكملوا نشر الواقعية والعلم اليقيني، على حسب قولهم، بين نفوس عطشى للأمل والتفاؤل وحبّ الحياة وإعمارها.

ألا يدرك هؤلاء أن هناك عالم غيبي غير محسوس أمرنا بالإيمان به قبل أن نقوم بأي عمل “الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة” ألا يدركون أنَّ هناك شيء فوق المادة وفوق العلم وفوق حسابات البشر، وأنَّ هناك أيادٍ خفية تنتشلك من الهم بمجرد أن ترفع يديك بالدعاء سائلًا العليم أن يكون معك ويلهمك، وأنَّ هناك من يملك القدر والبشر والخير والشر، وأنَّ هناك من لا يضيع عنده حسن الظن به، وأنَّ هناك الأُنس والتفاؤل برسائله الحانية إلينا في قلب المحن وهو من يغنينا عن تقلبات البشر! بل إن الإيمان بما لا نراه هو أصل الإيمان بالله وهو الواقع الموزون من خالق الكون، ألا يدرك هؤلاء أن هناك حبل مشدود بينك وبين الشيطان عند الوقوع في أي مصيبة، فأنت تشده بقوة ثقتك بالله والشيطان يشده لتركن إلى أسباب الأرض، والمجهود الذي تبذله للمحافظة على نجاحك في هذا الامتحان يجعل منك شخصًا مختلفًا على الأقل فيما بينك وبين نفسك، فما كنت تتنافس به مع الآخرين تحوَّل إلى نوع آخر من المنافسات في الشكل والمضمون، وبالتالي تبدلت الأفكار التي كانت تشغل بالك وصرت تنظر إلى ما دونها باللامبالاة تارةً وبالسخف تارة أخرى.

 إنَّ الله قد أراد لك الخير حتى في الشر الظاهر بين يديك، فحكمة الله تتجلى في المصائب دون أن نعرف الخير فيها في كثير من الأحيان، فالسّر في ذلك لن يكشفه له العليم الحكيم مالم تثق به تمام الثقة وتكفّ عن إدخال هؤلاء في دائرة التأثير لديك، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرّاء شكر؛ فكان خيراً له، وإن أصابته ضرّاء صبر؛ فكان خيراً له ” رواه مسلم. 

 

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط