العنب والناطور، أزمة المصطلحات في الخطاب والتطبيق

أحمد وديع العبسي

1٬208

انتهيت تواً من جلسة (تدريبية) ثانية وليست نهائية حول النوع الاجتماعي، والمصلحات المصاحبة، يشارك بها مجموعة من الإعلاميين السوريين في غازي عنتاب، تهدف الورشة كما هو معلن عنها إلى رفع وعي الصحفيين بما يخص التغطية الإعلامية الحساسة لقضايا النوع الاجتماعي وتزويدهم بالأدوات والمهارات اللازمة لذلك.

وبكثير من حسن النية تجاه الجهة المنظمة والمدرب، تبدو الأزمة التي تحاول (الحداثة) عموماً إدخالنا بها أزمة مصطلحات، لا أزمة تطبيقية في سياق اجتماعي، فالاهتمام عموماً (بعيداً عن التدريب) يركز على إيراد هذا النوع من المصطلحات في مقترحات مشاريع التمويل للصحافة العربية، ولا ينتقل لحالة تطبيقية حقيقية، لعدّة أسباب، أهمها هو هذه الغرابة الاصطلاحية وصعوبة الفهم حول ما يجب فعله كلمّا اقترن الجانب التطبيقي بالمصطلحات الغائمة، ومهما حاولت التدريبات وضع المصطلحات في سياقها التطبيقي وسياقها الاجتماعي المشرقي لتبتعد  عن ما يضاف إليها من شذوذ في السياق الغربي، ومحاولة التركيز على تطبيقات العدالة بين أفراد المجتمع بعيداً عن أي تمييز اجتماعي خاص بالجنس أو اللون أو العمر أو التنميط الخاص بفئة معينة من المجتمع مهما كانت، يبقى التشويش مهميناً على التطبيق، لأن هذا الفهم غير متاح لجميع الناس، وهذا الخطاب الاصطلاحي بعيد عن معظم الناس ومعظم المشتغلين بالتوعية من الإعلاميين.

إن الاهتمام بالسياق الاصطلاحي بشكل مبالغ فيه لن ينعكس على الفهم العام، وإنما سينعكس على إيجاد (نخبة) لا هي قادرة على إيصال الرسالة فيما لو فهمتها، ولا هي قادرة على الحديث بلغة الناس، نخبة تتحرك في حيز منفصل عن العالمين، عالم النظرية وعالم التطبيق …

وعلى وعورة الطريق يبدو الحل متاحاً جداً، فتطبيقات العدالة ليست بحاجة إلى مظلة اصطلاحية غير مفهومة ومتعددة التفسيرات، وربما محارَبة من بعض فئات المجتمع لارتباطها بتفسيرات لا تلائم المجتمع الشرقي عموماً، بسبب السياقات الغربية التي أخرجت المصطلح ووضعته في الحيز التطبيقي.

نحن بحاجة لتطبيقات بسيطة تركز على الجوانب العملية للعدالة تجاه المرأة، وتجاه تأمين دورها الاجتماعي بأفضل صورة ممكنة كما ترغب هي، بحريتها الكاملة، ودون ضغوط تقليدية أو ضغوط حداثية ترسم صورة للمرأة وفق القيم الغربية المستندة إلى الرأسمالية أو الجدوى الاقتصادية المباشرة لنشاط النساء وشكلهن وغير ذلك …

ومثل ذلك نحتاج تطبيقات تركز على العدالة بالنسبة للشباب والأطفال والفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع وأصحاب الاحتياجات الخاصة، دون سياقات اصطلاحية غير مفهومة ومتعددة التفسيرات وتسبب (وجع راس) لبعض أفراد المجتمع وللكثيرين من الذين لا يفهمون تماماً كيف يربطون بين سعيهم نحو العدالة ومفردات المصطلح، ويتساءلون هل استطاعوا تلبية ما يعبر عنه تماماً أم أنهم لم يفهموه بعد؟!!

ويمكن في سبيل ذلك نحت بعض المصطلحات الخاصة بنا، والتي تكون بسيطة ومتعددة وتركز على الجوانب التطبيقية بشكل مباشر، ولا ضير إذا لم يفهم العالم ما نعنيه تماماً بكل مصطلح ننحته، إذا كنّا راضين عما نصل إليه من عدالة وتقدّم، خاصة أن مفهوم العدالة والتقدم والحرية العالمي (المعولم) لا يبدو يمثل كل الناس، وإنما يمثل الإنسان الغربي الذي انتجه، وفي مجالات كثيرة تبدو هذه القيم العالمية لا أخلاقية ولا قيمية أو مستندة إلى سياقات لا أخلاقية ولا إنسانية حتى …

نحتاج لرصد مشكلاتنا كما نراها نحن، في جميع السياقات، الاجتماعية وغيرها، من منظورنا الثقافي الذي يميزنا عن غيرنا من الشعوب لا من منظور ثقافة الآخر، فنحن نتغير لنرضي ذواتنا وتطلعاتنا نحو الأفضل، لا لكي نرضي الآخر ومن يعتبر نفسه وصياً على العالم وقيمه، لذلك لا بد من العمل حثيثاً على استكشاف مشاكلنا الخاصة، وحلها بالطريقة المناسبة لنا، لثقافتنا، لكي نتقبلها جميعاً، وتكون سهلة على الناس العاديين الذين يهتمون بالعنب، لا بالنواطير والمصطلحات

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط