المبادئ وعالم السياسة

محمد أسامة دعاس

255

في كل منعرج من منعرجات الثورة السورية تظهر على السطح مشكلة التوافق بين المبادئ والقرارات السياسية، وتمتلئ صفحات قنوات التواصل الاجتماعية بتحليلات عديدة عن مدى التزام القرار السياسي بمبادئ الثورة أو مخالفته، وهل يجب أن يتوافق القرار السياسي مع المبادئ أم يصح تجاوز المبادئ في بعض المواقف!
وهنا لا بدّ من تحديد ما هي المبادئ التي يجب على السياسي الالتزام بها في مواقفه السياسية تحديداً دقيقاً، لأن عدم تحديدها هو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى توسع المجتمع في هذه المبادئ (حتى يدخل فيها بعضهم القضايا الأدبية وخوارم المروءة)، وبالتالي اختراق السياسي الدائم لها.

كما يجب أن يُحدد أهمية القرار السياسي الصادر، هل هو قرار استراتيجي؟ أم قرار آني؟ وما مدى تأثيره على الناس والقضية. على سبيل المثال قرار حركة المقاومة الإسلامية حماس بإعادة علاقتها بالنظام السوري هو قرار استراتيجي وله آثار كبيرة على المدى البعيد، يختلف عن القرارات السياسية التي يكون أثرها آنيا أو غير استراتيجي مثل قرار التواصل مع دولة تدخلت كوسيط، أو الامتناع عن إدانة حزب الله في سورية، ولكن دون الإشادة به بنفس الوقت.

كما لا بد من تحديد نسبة الاضطرار في القرار السياسي، والبدائل المتاحة، وهذا ربما يخص الدول أو الجماعات أو الثورات التي تكون في حال ضعف لا تستطيع معه رد الضغوط الكبيرة التي تقع تحت وطأتها، وبالتالي هنا يقع على التجاوز بالنسبة للسياسي ما يدخل في حكم المضطر، وعليه لا يكون قد أخل بالمبادئ.

بعد الأخذ بعين الاعتبار هذه القواعد الثلاث التي لها أثر على سؤالنا الأصلي وهو توافق المبادئ مع السياسة، وفي باب السياسة والحالة السياسية الواقعية نرى أن هناك خلطا في هذا الباب مردّه لأسباب كثيرة/ أظن أن أهمها:

1- عدم النظر إلى الضوابط الثلاث التي ذكرت سابقا
2- التفكير بطريقة شخصية مصلحية بدل التفكير بشكل جمعي أممي.
3- التفكير بطريقة آنية وعدم القدرة على مدّ البصر إلى المستقبل

أظن أن هذه الأسباب الثلاث هي أهم الأسباب التي تؤدي إلى الخلاف في هل قام الحزب، الجماعة، الدولة في الاستجابة لمبادئها في قرارها السياسي الذي أخذته في هذه القضية أو تلك، أم أنها تجاوزته؟! لذلك ترى الكثير من النقاد السياسيين يتراجعون عن تخطئتهم للتصرفات السياسية  بعد زمن لأنه مع الزمن تتضح الدوافع الحقيقية وراء المواقف، والتي لم يستطع الناقد أو المتابع من قراءة الوضع بشكل جيد في وقته المحدد.

ولا بدّ لكي يسير المركب السياسي بشكل جيد من توفر مقدار من الثقة، يتيح للسياسيين تقدير المواقف واتخاذ الأنسب منها وفقاً لظروفهم، كما لا بدّ من دعمهم بمراكز الدراسات ومراكز البحث واتخاذ القرار، التي تعينهم على الأفضل بشكل دائم.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط