المحتوى السلبي في البيئة المضطربة

غسان الجمعة

0 1٬016

 

أثار تفاعل السوريين جدلاً واسعًا حول ما ورد في حوار بعض المواطنين الأتراك مع فتاة سورية عن الآثار الاقتصادية المكلفة لوجود اللاجئين السوريين في تركيا، التي عبَّر عنها رجل تركي ببساطة من خلال شكايته عن عدم قدرته شراء الموز، على خلاف السوريين الذي يشترونه بكميات أكبر.

وتصدر ترند الموز منصات التواصل الاجتماعي، وتسبب ذلك في ملاحقة وزارة الداخلية التركية لعدد من السوريين الذين أساؤوا إلى العلم التركي والمواطنين الأتراك، حسب بيان الإدارة العامة للهجرة التي بدأت بإجراءات المحاكمة والترحيل بعد التحقيق الأولي.

الموضوع برمته كأي حادثة أخذ حيزه على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو إلى أفول خصوصًا مع تعامل السلطات التركية مع الموضوع، واتخاذ الإجراءات المناسبة، لكن الموقف يفترض منا نحن السوريين أن ندرك ما حصل بكل الأبعاد، وأن نعي تبعات ما حصل لقادم الأيام، لاسيما أن هذه الحوادث تشكل بتراكمها في ضمير الجماعة أو إرادة الشارع توجهه ومطالبه مستقبلاً، وتؤثر في تكوين نظرته الثقافية والاجتماعية تجاه الآخرين.

وهنا لا نريد أن نلوم أي أحد، ولا أن نحكم على تصرفات المتفاعلين بقدر ما نحتاج توصيف البيئة التي يتم فيها هذا التفاعل والظروف التي يتم في إطارها معالجة الآراء، ومن ثم يستطيع كل عاقل الخروج بنتيجته ورأيه حول ذلك.

البداية من اختلاف الثقافات بين الشعبين التركي والسوري، وهي حالة صحية وطبيعية، وشراء السوريين للموز بالكيلو هو أمر ينسجم مع الثقافة الاستهلاكية للسوري، ومرتبط بفكرة عدم جواز الشراء بالقطعة أو الحبة للخضار والفواكه، على عكس الثقافة الاستهلاكية للمواطن التركي وهي النقطة المغيبة في حوار الفتاة مع الأتراك، الأمر الذي يفرض علينا نحن السوريين توضيحه، بل من واجبنا إيصاله للمجتمع التركي بكل الوسائل بأن الموضوع يرتبط بثقافتنا ولا يعكس مدى الغنى أو الرفاه، فالفقير السوري والغني يشتريه بهذه الطريقة بتفاوت نسبي في الكمية.

شاب نازح يسلط الضوء على المهجرين في المخيمات عبر تطبيق تيك توك

من جهة أخرى ليس خفيًا على أحد ما تلعبه مسألة اللاجئين من دور في التأثير على خطط الدول وتوجهاتها وسياسات الحكومات والأحزاب في كل دول العالم وتركيا إحداها، وقد تم استغلال ذلك بشكل سلبي بين الأحزاب التركية، إلا أنه في غالبه ضمن الإطار القانوني وقد شذ أحيانًا عن السلوك الأدبي من قبل المعارضة التركية، وهذه السياسة قد تشجع البعض في الشارع التركي على الصدام مع السوريين، وليس من مصلحتنا إعطاء هؤلاء أي فرصة لارتكاب استفزازات أو حماقات لا يمكن احتواءها، بحيث تتحول لكرة مشكلات يزداد حجمها كلما أراد أحدهم دحرجتها أمامه.

الأمر الآخر الذي علينا إدراكه هو الشعور بالضغط الاقتصادي في تركيا، واحترام مطالب الفئات المتضررة، فالليرة التركية خسرت من قيمتها الضعفين في العشر سنوات الماضية، والمسألة السورية والمجهود الحربي الذي يستنزف الخزينة التركية بالنهاية له دور في الوضع الاقتصادي السيء على الجميع، فضرائب السوريين واستثماراتهم ومشاريعهم ودفعهم الأموال ليست ثمنًا كافيًا للموقف التركي الحالي، فالمواقف السياسية كلفتها أكبر بكثير من أن تقاس بالمال وشراء الخدمات.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

في حين إن الأهم من كل ذلك هو الوعي الذي من المفترض أن يتحلى به كل سوري، خصوصًا في تركيا وعدم الانقياد وراء مغموري التيك توك وغيره، الذين يردون تحقيق الوصول والتفاعل بأكبر قدر ممكن وبأي طريقة غير آبيهن بمصير ملايين السوريين في تركيا.

في النهاية لابد من توحيد جهود المجتمع المدني مع الحكومة المؤقتة، وبذل ما يمكن لتصحيح الانطباع السلبي لدى البعض في الشارع التركي، وتعزيز ثقافة التآخي لدى الآخرين حول الوجود السوري، وعدم ترك الحبل على غاربه بهذا الشكل ليتناول ريادته من شاء وكيفما شاء.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط