المكاسب التركية من الغزو الروسي لأوكرانيا

غسان الجمعة

0 1٬622

لا تزال روسيا مستمرة في غزوها لأوكرانيا رغم ما تتكبده من خسائر على أرض الميدان بفعل الدعم العسكري الغربي لكييف الذي يتصاعد بوتيرة أشد على كافة الأصعدة وآخرها ما قامت به العديد من الدول الأوربية من حملات طرد لعدد كبير من الدبلوماسيين الروس.

بسياسة مخالفة لشركائها الغربيين تسلك تركيا طريقاً مختلفاً في التعامل مع الحرب الروسية الأوكرانية أقرب للحياد منها للتصعيد على الرغم من كونها عضواً في حلف الناتو وقد ترجمت أنقرة هذه السياسة من خلال تطبيقها لقواعد القانون الدولي في مواجهة كل الأطراف بخصوص مضائق البوسفور والدردنيل كما أنها لم تنضم لعصبة الدول التي تسعى لمعاقبة روسيا سياسياً واقتصادياً.

هذا الموقف التركي جعل أنقرة على مسافة واحدة من جميع أطراف الصراع ولم تكن هذه المسافة سلبية في ميزان المصالح التركي بل على العكس فقد حققت أنقرة مكاسبها قبل حسم هذه الحرب بمجرد أن انتهجت سياسة “رابح-رابح” في التعامل مع الأطراف المتصارعة، فالضغوط على روسيا لليوم لم تؤثر عليها كما أثرت على الدول الأوربية نفسها، كما أن علاقتها بأوكرانيا ومن خلفها الدول الأوربية لم تتضرر بفعل هذه الحرب.

القوة الدبلوماسية والسياسية التي أظهرتها أنقرة هي أولى هذه المكاسب فالتوافق للتفاوض في أنطاليا بين روسيا وأوكرانيا يدل على المستوى المتقدم الذي وصلت إليه الدبلوماسية التركية على المستوى العالمي في الوقت الذي انقسمت فيه معظم دول العالم خلف المعسكرين، هذه السياسة تمنح أنقرة فرصاً سياسية للعب دور أكبر في قضايا إقليمية وعالمية وهو ما يصب في مرتكز ورؤية السياسية الخارجية التركية التي نادى بها الرئيس التركي مراراً بعبارة “العالم أكبر من خمسة”.

من جانب آخر أدى الصدام بين روسيا والدول الغربية إلى خلق أزمة طاقة وأدت الحرب إلى فقدان الثقة في خطوط الإمداد بين الدول وبدأت الدول الأوربية تبحث عن مصادر وخطوط جديدة للتخلص من التحكم الروسي في إمداد أوربا بالغاز.

أحدث إحصائية لخسائر روسيا في أوكرانيا

ولأن تركيا تتمتع بموقع استراتيجي على الخارطة الجغرافية وتمتلك القوة لضمان وحماية هذه الخطوط بدأت مباحثات بين إسرائيل وأنقرة في الآونة الأخيرة لدراسة مد خطوط الغاز إلى أوربا عبر تركيا ومن جهة أخرى حرضت العديد من مراكز الأبحاث والدراسات على اعتماد مصادر جديدة للطاقة من دول الخليج وإيران وأذربيجان عبر تركيا التي تتوفر فيها البنية الخدمية والتكنولوجية لهذا المشروع كبديل عن الغاز الروسي.

في الجانب العسكري حققت الصناعات العسكرية التركية سمعة كبيرة من خلال مسيّرات بيرقدار، السفير العسكري التركي الحاسم في أي أزمة يتدخل فيها بداية من سورية وليبيا ومروراً بأرمينيا وأوكرانيا لا سيما وأن ذلك التفوق الساحق غالباً ما يتم على الصناعات العسكرية الروسية بمختلف صنوفها.

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

وقد أثبتت تركيا لحلفائها في الناتو قدرتها على الإنتاج الذاتي والتفوق في صناعة السلاح دون الحاجة لشراكات إذعان وتقييد للسيادة التركية كما حدث عند إخراجها من برنامج أف 35.

ولعل ما تعانيه روسيا من عقوبات لن يكون جيداً للطبقة الأوليغارشية الروسية ولن يجد هؤلاء مركزاً آمناً ونشطاً مثل تركيا لإدارة أعمالهم وثرواتهم بعيداً عن القيود والعقوبات التي لا تزال تلاحقهم وقد تلعب تركيا مستقبلاً دوراً مشابهاً للدور الذي لعبته مع إيران من خلال حصولها على أسعار تفضيلية للغاز الإيراني خلال فترة العقوبات والتي كانت فيها أنقرة متنفساً اقتصادياً لطهران.

خيوط رفيعة تتحرك عليها أنقرة بين الأطراف بعوائد ومكاسب كبيرة يهددها الفشل في تحقيق التوازن بين مصالح تركيا الحيوية مع روسيا والتي وطدتها خلال العقدين الماضيين وبين تاريخ وعلاقة عضوية عميقة مع الغرب هذا التوازن في حال فقدانه سيخرجها من معادلة “رابح-رابح” في أي وقت إلى الانحياز لأحد الأطراف.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط