بداية، نشكركم سيادة المحافظ على تخصيص صحيفة حبر بأول لقاء طويل، تجيبون من خلاله على كثير من الأسئلة التي يطرحها الناس، وتقدمون رؤيتكم لمحافظة حلب في الفترة المقبلة.
في البداية، يرغب الناس في المعرفة أكثر عن محافظ حلب، المهندس عزام غريب، أو كما يعرفك الكثيرون بلقب (أبو العز سراقب).
أهلاً وسهلاً بكم دائمًا، وأبوابنا ستكون مفتوحة أمام الإعلام والناس بشكل دائم، وهي كذلك في الوقت الحالي، ولكن ضغط العمل واللقاءات والوفود الرسمية والمجتمعية في هذه الفترة ربما يمنعنا أحيانًا من التواصل المباشر مع الجميع، ولكن الأمور آخذة في التحسن. وجميعنا نحتاج للوقت والعمل والدأب حتى نصل إلى مرحلة أكثر استقرارًا، وأكثر رضا بالنسبة للمواطنين عمومًا في كل سورية، وفي محافظة حلب بشكل خاص التي نقوم على خدمتها وخدمة أهلها. وأنا بدوري أشكركم على الاهتمام والمبادرة والزيارة وهذا اللقاء.
بالنسبة لي، أفضل أن يعرفني الناس من خلال العمل الذي نقوم به من أجل خدمتهم وتحسين ظروف معيشتهم قدر الإمكان. نريد أن نخرج من المرحلة الماضية المتعلقة بالأسماء والألقاب إلى مرحلة جديدة تتعلق بالعمل، ويعاد فيها تعريف الدولة ومؤسساتها نحو تحقيق مصلحة الناس لا ممارسة السلطة تجاههم فحسب، وهذا منهجنا في المسؤولية الملقاة على عاتقنا.
باختصار، أنا عزام غريب من مواليد مدينة سراقب، ولكنني عشت حياتي وتعليمي في مدينة حلب وأعتبر نفسي أحد ابنائها. وقضيت كل مراحل الثورة العظيمة في هذه المدينة وريفها، حتى كتب الله لنا أن نكون من المشاركين في تحريرها من نظام الأسد في 29 من نوفمبر الماضي.
تم تعيينكم في هذا المنصب منذ شهر تقريبًا، ومن خلال متابعتنا لنشاطكم اتضح لنا كثرة اللقاءات المتنوعة مع الناس والوفود. ما هو الانطباع العام عن المحافظة وعن واقع العمل الذي تحتاجه حلب؟
بصراحة، الأيام الماضية كانت حافلة ومتعبة. من خلال المتابعة والاطلاع، واللقاءات، تبين لنا أن النظام قد خلّف تركة ثقيلة من الترهل والفساد في مختلف مؤسسات الدولة، وفي حلب بشكل خاص. هناك إهمال متعمد لمعظم القطاعات الحيوية وفساد في معظم المؤسسات، وسوء إدارة. المحافظة جاثمة على أكوام هائلة من الفوضى وسوء التنظيم وضعف الهيكليات والعمليات والإهمال، مما يحتاج إلى عمل دؤوب لتحسين الواقع وإعادة تدوير عجلة العمل. وهذا كما قلنا سابقًا يحتاج للوقت والصبر. وأولويتنا ستكون تجاه تحسين الوضع الأمني، ثم الخدمات الأساسية، ثم سننطلق لباقي المجالات.
حلب مدينة عريقة لا يمكن إهمالها وتركها بهذه الطريقة، وهي تستحق من الجميع الجهد والعمل والأفضل في كل مكان.
ما هي رؤيتكم للمحافظة؟ وكيف تنظرون لموظفي المرحلة السابقة؟ هل سيتم استبدالهم، أم سيبقون على رأس عملهم؟
رؤيتنا تتلخص في ثلاث كلمات: حلب تستحق الأفضل. وحلب تكاد تكون أهم مدينة سورية صناعيًا وتجاريًا واقتصاديًا عمومًا، بالإضافة لأهميتها التاريخية والسياحية والفنية والتراثية. لا نخطئ إذا قلنا تقريبًا بأنه لا يوجد في العالم قلعة أهم وأعرق من قلعة حلب، وأسواق حلب وجامعها الأموي، والكثير الكثير مما يميز هذه المدينة. لذلك تحتاج حلب إلى اهتمامٍ خاصٍ، وعملٍ دؤوبٍ، وهذا ما سنحرص عليه.
لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على واتساب اضغط هنا
بالنسبة لموظفي المرحلة السابقة، وجيد أنك لم تقل “موظفي النظام”، لأن الرؤية العامة أننا أمام دولة يجب أن تحترم مؤسساتها والعاملين بها، وهذه هي الرؤية العامة للإدارة الجديدة، فالنظام سقط وانتهى، ونحن أمام استحقاق جديد.
سنعمل في بعض الأماكن على إعادة الهيكلة للتخلص من الترهل في المؤسسات الحكومية، وفي أماكن أخرى ربما نستبدل بعض الأشخاص أو يتم نقلهم بين المؤسسات بحسب الحاجة ووفق القوانين والأنظمة، والأكيد أننا حريصون جداً على الاستفادة من جميع الخبرات الموجودة في محافظة حلب ومن أبنائها بشكل خاص، لأنهم الأكثر وفاءً تجاه محافظتهم، وفي النهاية لا بدّ من فصل الفاسدين والمتورطين في الإساءة لحلب وأهلها، وهؤلاء سيُحالون للقضاء ليتم التعامل معهم بعدالة.
الناس يسألون كثيراً عن الكهرباء والأمن حالياً، هل من أفق واضح لحل الإشكاليات في هذين الملفين؟
ملفات الخدمات عموماً هي أكثر ما يهتم له الناس، لأن هذه الملفات على صلة مباشرة بحياتهم اليومية، وهو بشقه الأكبر من تخصص مجالس المدن، ونحن نتابع عمل المجالس عن قرب ونقدم المساعدة المطلوبة.
ليس فقط الكهرباء والأمن، الحمد لله، هناك ملفات تم حلها تقريباً، ولم يعد أحد يسأل عنها كثيراً، فمثلاً تأمين الخبز والمياه تم إنجازه بنسبة ممتازة، ويتم العمل على تحسين واقع نظافة المدينة وتحسين طرقاتها، ونبذل من أجل ذلك جهوداً كبيرة، بالإضافة للسرعة في متابعة أمور التربية والتعليم، وغير ذلك.
اقرأ أيضاً: وزارة العدل تعزل قضاة بارزين بعد جدل حول تعيينهم في “النيابة العامة التميزية”
تبقى أزمة الكهرباء أزمة تعاني منها كل سورية، وتحتاج حلّاً على مستوى الدولة ككل، والنظام كان في الفترة السابقة يحاول تعميق هذه المشكلة، لذلك فهي كبيرة جداً، ولكن نتوقع أن يتم تحسين واقع الكهرباء في سورية عموماً في وقت ليس طويل، وسيكون ذلك بشكل تدريجي، لأن الدولة ستعمل على توزيع عادل للكهرباء قدر الإمكان.
أمّا الواقع الأمني، فربما تعتبر حلب الأفضل أمنياً في الوقت الحالي، فالمشاكل الأمنية لا تكاد تُذكر، وبمجرد الانتهاء من ملف “قسد” ستكون حلب آمنة تماماً كما كانت على الدوام. وما يميز حلب هو الانسجام الكبير بين أبنائها، والتعايش الجميل بين مختلف الطوائف والأعراق الموجودة في هذه المحافظة، حتى لا تكاد تلحظ وجود أي اختلاف بين الناس.
بصراحة، حلب قادرة على منح أبنائها محبة عظيمة لمدينتهم، لذلك فهم يجتمعون من أجل مصلحتها أولاً وآخراً، وهذا ما يبعث الطمأنينة عند الجميع.
بالنسبة للواقع الصحي في المدينة، كيف تقيمون عمل المشافي والاستجابة لحاجة الناس؟
منذ اللحظات الأولى لتحرير المدينة، تم التوجه إلى جميع العاملين في القطاع الصحي بالاستمرار في عملهم دون أي تغيير، وذلك لأهمية وحساسية قطاع الصحة، ونحن نعمل مع الأطباء أصحاب الخبرة الكبيرة، داخل مدينة حلب وخارجها، على تحسين الاستجابة الصحية في المشافي العامة والخاصة، وفي جميع المؤسسات الصحية، ووزارة الصحة ومديرية الصحة في حلب تقوم بما يلزم من أجل ذلك. نريد، على الأقل في هذه المرحلة، ألا يشعر الناس بأي تأثر سلبي في هذا القطاع، على العكس، هناك تحسن ملحوظ طرأ على المؤسسات الصحية، خاصة أن الخبرات الوافدة من خارج المدينة كانت قد قطعت أشواطاً مهمة في تحسين الخدمات الصحية، والتعاون مع المنظمات والمؤسسات الدولية المهتمة بالمجال الصحي.
حلب الشرقية كانت أكثر الأماكن المهملة منذ غادرها الثوار في أواخر 2016، وتمت معاقبتها بعدم تقديم الخدمات لها، ما هي رؤيتكم تجاه هذه المناطق؟
بالنسبة للأحياء الشرقية في مدينة حلب، فهي مهملة من قبل مؤسسات النظام حتى فيما قبل الثورة، وزاد هذا الإهمال المتعمد بعد أن احتضنت هذه الأحياء الثوار لمدة أربع سنوات، وحاربت النظام، وتحملت التكلفة الباهظة من الشهداء والقصف والتدمير.
الآن، لا يتم النظر إلى حلب كشرقية وغربية، حلب مدينة واحدة لكل أهلها، والأولويات في البناء والخدمات ستكون للمناطق الأكثر احتياجاً، وسيتم التوجه للمناطق والأحياء الشرقية حالياً، كونها الأكثر احتياجاً للخدمات والبنى التحتية، وهذا ما سيتم توجيه بلدية مدينة حلب نحوه في الفترة القادمة، ولن ننسى، بشكل وجداني، الوفاء لهذه المناطق وأهلها.
حلب واحدة من أهم المدن الصناعية في الشرق عموماً، وفيها المدينة الصناعية الأكبر على مستوى المنطقة في “الشيخ نجار”، وكنتم قد التقيتم بالصناعيين عن طريق غرفة الصناعة، وربما في لقاءات أخرى فردية وجماعية. حلب تحتاج لتحسين البنية التحتية للصناعة فيها لتعود وتمتلك المنافسة، كيف تنظرون لهذا الأمر؟
عملنا في المحافظة على دعم البنية التحتية، وتوفير الظروف من أجل إعادة تشغيل المؤسسات الصناعية والمعامل، والعمل مع الوزارات المختصة لحماية الصناعات الوطنية ودعمها وتوفير المواد الأولية. هذا الملف مهم جداً، ونسعى لجعله في سلم الأولويات الحالية في محافظة حلب، لأنه من أبرز الملفات التي تساعد على الاستقرار وتحسين حياة الناس، بما يوفره من فرص عمل وإنعاش للحياة الاقتصادية عموماً، سواء للدولة أو للمجتمع. وهو يعتبر من أبرز الركائز التي كانت تميز هوية محافظة حلب، وترسم ملامح تميزها داخل سورية وخارجها. ونحن على تواصل شبه دائم مع صناعيي حلب، داخل سورية وخارجها، من أجل تهيئة الظروف المثلى لتستعيد حلب موقعها الصناعي والاقتصادي في المنطقة وفي العالم في فترة قريبة.
وصلنا إلى النهاية، ونشكركم على وقتكم وعلى إجاباتكم الواضحة، ونأمل أن تكون هناك لقاءات قادمة. في النهاية، كلمة لكم لحلب وأهلها.
شكراً لكم على هذه الأسئلة، التي نأمل أن نكون، من خلالها، قد استطعنا أن نقدم رؤيتنا لمعظم الملفات التي تخص محافظة حلب. أهلاً بكم في كل وقت، ونحن حريصون على الاستجابة لإعلامنا السوري المستقل في كل وقت، والاستجابة للإعلام والناس عموماً، والتعامل بشفافية ومصداقية ومهنية مع الجميع.
سأعود لأقول، كما قلت في البداية: “حلب تستحق الأفضل، وسورية تستحق دائماً الأفضل.” المرحلة الأكثر صعوبة قد تمّ تجاوزها بإذن الله، والمراحل القادمة ستكون مليئة بالعمل والمسؤولية، وستحمل الخير لجميع السوريين. ونحن في حلب نسعى لتأدية واجبنا في خدمة المدينة وأهلها، وخدمة بلدنا الحبيب. وهذه العقلية هي التي خضنا الثورة من أجل إنفاذها، وهذا ما سنبقى عليه دائماً، وفاءً وثقةً مع جميع السوريين في كل مكان.