النأي بالقوة الأمريكية عن الشرق الأوسط

غسان الجمعة

0 255

غسان الجمعة  |

يتَّجه الظرف الحالي في الشرق الأوسط إلى شبه انسحاب أمريكي من صراعاته التي لا طائل منها، مع وضوح الرغبة الأمريكية بإعادة الاتفاق النووي، واحتواء إيران بالمنطقة، والتركيز على شرق آسيا والصين تحديدًا، وهو ما وضحته فورين بوليسي بشكل مغاير عندما عنونت: “وقت العرب انتهى.. الصراع اليوم إيراني تركي إسرائيلي” وفي ضوء ذلك هل يمكننا القول: إن توازنات وتحالفات المنطقة من الممكن أن تتغير لتظهر محاور وتكتلات بنظرة إستراتيجية مختلفة أم ذلك لا يزال مستبعدًا؟

لمتابعة كل جديد اشترك في قناة صحيفة حبر على تلغرام اضغط هنا

الثابت في عالم السياسة أن لا شيء فيها مطلق، وكل ما يجري سياسيًا يتم في إطار النسبية ومتغيرات الظروف في المواقف والخطط والتحالفات والأهداف وغيرها، وعلى رغم من أن النظرة الأولية لمشهد الشرق الأوسط توحي بتعقيدات قد لا تسمح بمقاربات خارجة عن السياق الطبيعي لقواعد الصراع وتوجهاته بين الدول الفاعلة في المنطقة، إلا أن بوادر تفاهم بدأت تُرسم خطوطها الأولى بين قوى هي على طرفي نقيض بتوازٍ مع تصاعد حدة التنافس في محاور جديدة لطالما اتسمت علاقاتها بالانسجام والتفاهم سابقًا.

الانطلاقة الفعلية لن تتم قبل حسم الملف النووي بين واشنطن وطهران، وهو ما يسعى إليه الطرفان اليوم مع تنبؤات بإعلان إحياء الاتفاق قريبًا، الذي سيكون بمنزلة صافرة الانطلاق لإستراتيجية جديدة في المنطقة.

اقرأ ايضاً:    أربعة قتلى بينهم عنصر من الخوذ البيضاء حصيلة القصف الروسي شرق حلب

المواجهة بدأت إرهاصاتها على الطاولة التركية الإيرانية التي حافظ الطرفان على توازنها ونظافتها لحسابات اقتصادية وسياسية قد لا تستمر بين الطرفين، ممَّا يشكل مسوغًا لإمكانية اندلاع نوع من التنافس والصراع على النفوذ في المنطقة العربية، وهو ما حدث بالفعل على غير العادة بين سفراء الدولتين في العراق حول الوجود العسكري ومدّ النفوذ، حيث كانت إيران في السابق تلتزم الحياد والصمت عند أي تحرك تركي ضد حزب العمال الكردستاني، بينما اليوم تحذّر من أي تدخل في منطقة سنجار التي تحشد تركيا قواتها باتجاهها.

ومن جهة أخرى فإن فرضيات التاريخ تحتم على الطرفين الدخول في مواجهة لسد إسفين الفراغ الذي يخلقه ضعف العرب في المنطقة، لا سيما أن إيران تقود ثأرًا مذهبيًا تخفي بقناعه أطماعًا فارسية لطالما اصطدم بالثقل السني في المنطقة من ورثة السلطنة العثمانية.

هذا الصراع الجيوسياسي يتناسب طردًا بتصاعده وانخفاض حدته مع نتائج المفاوضات حول الملف النووي ومدى رغبة إدارة بايدن بالتدخل في المنطقة.

من جانب آخر تدرك إسرائيل حاجتها لحلفاء من المنطقة يقتسمون معها حِمل العداء لإيران وجهود مواجهتها مع بوادر الابتعاد الأمريكي عن ملفات المنطقة.

وليست السعودية بأفضل حال من الصهاينة، حيث تمر علاقاتها مع واشنطن بنفق مظلم سواء من موقف الحليف المفترض في اليمن، أو من الملف النووي والعقوبات، لذلك قد نشهد تحالفات علنية وعميقة بين دول خليجية والكيان الصهيوني على مستوى الدفاع والتعاون الاقتصادي وبالأخص تلك الدول التي أبرمت اتفاقات سلام مؤخرًا.

وليس ببعيد عن التحولات في مستوى العلاقات القطيعة بين القاهرة وأنقرة، حيث يتعمَّد الطرفان ترك قنوات الدبلوماسية مفتوحة على مصراعيها في كل مناسبة لما يمكن تحقيقه من تعاونهما الاقتصادي والسياسي في المنطقة، وهو ما ترجمته تصريحات المسؤولين الناعمة في الأيام الماضية، وأكدته الانفراجة المتعلقة بالملف الليبي الذي يعدُّ فيه الطرفان من أصحاب النفوذ.

بالنهاية قد لا يخلف الفراغ هذا الاختلال بين الدول الإقليمية؛ لأن الولايات المتحدة لا تتخلى عن إسرائيل أولاً، ولأن الجميع قد يدرك أن واشنطن ما ذهبت إلا لتعود على أنقاض الخاسر وضعف المنتصر.

اترك تعليقا

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط